الدكتور عادل عامر
إن الربيع العربي لحظة تحول، فرصة تاريخية كي تمسك الشعوب التي عانت من القمع طويلاً بزمام مصيرها في يدها. إلا أنه ليس بالتحول السهل. شعوب المنطقة – مثل شعوب العالم – تستحق مساندة العالم أثناء سعيها للحصول على حقوقها مع بدء هذه الرحلة التي طال انتظارها. لقد حان وقت سقوط "الاستثناء" العربي من قاعدة المطالبة بحقوق الإنسان للجميع.
إيران في حالة استفزاز تام، فقد سقطت مؤامرتها على الخليج العربي بكشف شبكات التجسس في الكويت، وإيقاف عمليات الفوضى في البحرين التي أكدت الدلائل على أن مشروعاً صيغ بطرق عسكرية ومذهبية، أوقف من قبل دول المجلس، وهو ما أثار إيران وصارت تملي الأوامر بخروج قوات درع الجزيرة، لكن خلف ذلك كله الصورة المترجرجة داخل إيران نفسها بكسب المعارضة تجربة عربية، يمكن وضعها قيد التنفيذ بواسطة تظاهرات وحالات عصيان قد تبدو معها التركيبة المذهبية المتحالفة مع الحرس الثوري بدكتاتورية أعتى وأقسى من (سافاك الشاهنشاه)..
الوهابية الخائنة، وفقاً لكلام المسؤول الإيراني، والذي طغت عليه انفعالاته، وفقدانه لاتزان رجل الدين الواعي، لا يجعلنا نقول أو نرد بأن المذهب الشيعي خائن، أو نتعرض لرموزه التاريخيين بأي نعت معين لأننا تربينا على أخلاق المسلم الذي لا يخلط التعصب المذهبي بالسياسي، وأيضاً سينعتوننا بخونة الحرمين الشريفين لا خدمتهما، ومثل هذا الاستهلاك للصوت المرتفع وغير المسؤول لا يغير من قناعاتنا ومواقفنا، فإيران تخسر كل يوم متعاملاً وصديقاً، وحالة العزلة التي فرضتها على نفسها لا تسأل عنها الأطراف الدولية، بل السياسات العمياء التي ظلت تفكر خارج سياق الواقع والمتغير العالمي.. منذ الثورة الإسلاميّة تَنْتَهِج إيران سياسات خارجيّة تتحرك بين منظومتيّ إعتبارات : الحتميّة الأيديولوجيّة لِنشْر الثورة، من جانب، والإعْتِبار الإستراتيجيّ الذي يخدم الدولة الإيرانيّة، من جانب ثان. فإذا كانت إيران قد أوْلت خلال السنوات الأولى بعد الثورة أفضليّة للإعتبار الأيديولوجيّ، فهى منذ الثمانينيات – نحو نهاية الحرب الإيرانيّة/العراقيّة، وخاصة إثر رحيل الخميني سنة 1989 – تولى أفضليّة واضحة لإعتبار الإستراتيجيّة الناجعة . بشكل عام يُمْكِن أن نحدد، أنه طالما أن الساحة الجيوجغرافيّة أو السياسيّة أقرب لإيران نفسها، هكذا يتغلّب الإعتبار الإستراتيجيّ السياسيّ على الإعتبار الأيديولوجيّ.
فأصحاب الحوزات والملالي والآيات ممن ساهموا وبقوة في ثورة الخميني، هم من خرجوا للمعارضة، ورفضوا أساليب التسلط والقمع نتيجة حصار اقتصادي وسياسي، جعل الشعب الإيراني يفقد أبسط حقوق العيش والحرية، وقتها لم يُقل إن دوافع المعارضين إملاءات أمريكية أو استكبار عالمي أو مؤامرة صهيونية، لأن من خرجوا بشجاعة المؤتمن على رسالته، لا يستطيع الطعن فيهم من هم أقل مرتبة دينية وتضحيات في زمن الشاه، ثم زمن الملالي القائم على السلطة..
فلقد أظهرت الانتفاضات الشعبية أن السعي للحقوق مطلب جماهيري، قادر على توحيد عناصر المجتمع وأجياله المتباينة على كلمة واحدة من أجل التغيير. أدوات القمع القديمة – الرقابة والاحتجاز التعسفي والتعذيب والقتل – لم تؤد إلا لزيادة جرأة المتظاهرين ما إن اكتسبوا الثقة في عددهم الكبير.
وبدلاً من أن تُنزل بالمتظاهرين الخوف وتحملهم على الإذعان، أظهرت أعمال القمع المستبدين على حقيقتهم، وألقت الضوء على صدق وسلامة قضية المتظاهرين. إن في هذا تحذير مُرعب لنظم استكانت إلى افتراض أن قدراتها القمعية كفيلة دائماً بإجهاض غضب الجماهير. هناك دول كان رد فعلها إزاء الربيع العربي مؤسف بشكل خاص، وهي بعض الحكومات الديمقراطية من الجنوب العالمي، مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا. يبدو أن هذه النظم تهتم بنظريات عفى عليها الزمن، مثل سيادة الدولة، أكثر من مراعاتها لمطامح وآمال الشعوب العربية، حتى إذا كان هذا يعني حماية النظم القمعية من الضغوط الدولية المطلوبة بقوة وبسرعة.
كان من المفترض أن يلعب الفايسبوك دور "الحزب الثوري" في تأطير وتنظيم الحراك الاجتماعي من خلال العالم الافتراضي ودور همزة الوصل بين الاعلام الرقمي والتطبيق الحركي، ولكن تبين أن المدون الفرد الذي حل مكان القائد التنظيمي و"الاعلام الثوري" – على غرار المدون والمحرك وائل غنيم – كان عاجزا" في كل مكان من ايصال الحراك الى خواتيمه ومن استلام السلطة كبديل (ثوري) ديمقراطي. في مصر، لم تستطع حركة 6 ابريل أو شباب الفايسبوك وميدان التحرير من الوصول الى الحكم بعد سقوط مبارك بسبب افتقاد هذه القوى للحزب المنظم وللماكينة الحزبية التنظيمية. فان الاخوان المسلمين، الطرف الحزبي المنظم خارج السلطة والجيش، تمكن من حماية التجمعات الشعبية في ساحات القاهرة والاسكندرية ومختلف المدن المنتفضة بفعل تمتعه بقوة تنظيمية وشبه عسكرية (ميليشيات ملاعب كرة القدم) ومن ثم في تأطير الجماهير.
وعندما سقط مبارك، كان حزب الاخوان الفصيل الوحيد في المعارضة القادر على تكوين سلطة بديلة وتبوء سدة الحكم – ولهذا السبب دخل في تنافس مع حزب الجيش – بينما القوى الشبابية وقوى المجتمع المدني لم تكن تملك الامكانات التنظيمية لقطف ثمار الثورة أو الوصول الى السلطة. ثم أن تنظيم الاخوان الكبير (يقدر عدد المنظمين بحوالي 300 ألف عضو) يغطي كامل المساحة المصرية بينما الآخرين من المجموعات السياسية بالكاد يملئون زاوية من ساحة التحرير. وفي تونس، حيث حركة النهضة (الاخوان) الأكثر تنظيما" من اليسار والاتحاد الوطني للشغل كانت مهيأة لاستلام السلطة بعد مغادرة بن علي وحياد الجيش. لذلك، فشل الفايسبوك في الحلول مكان "الحزب الثوري المنظم" ولم تسقط مقولة أن الثورة بحاجة الى حزب ثوري والى نظرية ثورية أيضا". فالأفكار هي التي تحرك الجماهير وتصنع الثورات وليس تكنولوجيات الاتصال والصور الفضائية.
ورغم أن هذه الدول نفسها تتمتع بحكومات قابلة للمساءلة وتخضع لسيادة القانون، فإن نظم الجنوب الديمقراطية لم تُظهر إلا اهتمام نادر التجلي في مساعدة العالم العربي الذي يناضل من أجل إنشاء نفس النظم الخاضعة للمساءلة وسيادة القانون. في أكثر الأحيان، أشارت تلك النظم الديمقراطية الجنوبية إلى سوء استخدام محتمل للضغط بمجال حقوق الإنسان – الخوف من استخدام هذه الأداة في هيمنة دول الشمال – لتبرير إخفاقها في ممارسة ضغوطها على المرتكبين لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
ان نتائج التغيير الديموغرافي الذي شهدناه في الآونة الأخيرة في معظم الدول العربية تعززت بتمركز الشعوب في المدن وما رافق ذلك من تغيير أنماط ثقافتهم. ان التقدم في سياسات التعليم ومحو الأمية أدى بنفس الوقت الى انقلاب جذري بين المواطنين ولا سيما النساء اللواتي بدأن باستخدام الانترنت بشكل واسع لكسر التقاليد والعادات الاجتماعية المتبعة. اضف، أن سياسة الانفتاح الاقتصادي في العديد من الدول العربية وترافقها مع انخفاض اسعار الاتصالات والأجهزة الخلوية ادت أيضا" الى تسارع انتشار الأدوات الالكترونية. وما كان في السابق امتيازا" للنخب فقط صار الآن في متناول الجميع وخصوصا" الشباب الذين يدونون لغاتهم الخاصة بهم.
ان التحولات الاقتصادية – الاجتماعية في العقود الأخيرة غيرت الأشكال التقليدية للسطة العائلية والتي فقدت سيطرتها على نسبة كبيرة من فئة الشباب وذلك مع تطور العالم الرقمي. وبات بالامكالن أن يتواصل الرجال والنساء عبر الانترنت بدون قيود. فالثورات نهاية 2010 – بداية 2011 المصحوبة بالتشنجات السياسية التي نشهدها تعكس التحول الثقافي في عالم الاتصالات.
ان نظام صنع القرار الايرانى يعبر عن وجود هيكل غير مركزى للقوة السياسية فليس هنالك هيمنة واضحة على عملية صنع القرار حيث ان انقسام هيكل القوة بين المرشد والرئيس كان عالا كبيرا لفتح المجال امام القوى والمؤسسات المختلفة لتبرز وتعطى دورا سواء كان ايجابيا او سلبيا فى تلك العملية ، وذلك كان له اثرا كبيرا على ان تأخذ السياسة الايرانية شكلا شبه ثابت ومستمر. يعد النظام السياسي الإيراني من أكثر النظم الأكثر غرابة في تكوينها الداخلي حيث أنها تدار بواسطة مجموعة من المؤسسات المختلفة والتي نصَ الدستور على بعض منها ولم ينص الدستور على البعض الآخر ورغم ذلك فهي موجودة وتمارس عملها بشكل مفعَل وبالتالي تؤثر في عملية صنع القرار ، وقد كان ذلك بسبب أن الدولة والثورة تتداخلان إلى حد بعيد في تشكيل المؤسسات الإيرانية وفى آلية عملها ، ونظراَ لتعدد تلك القوى والمؤسسات سنعرض لأهمها وأكثرها فاعلية ، وهى : المرشد ، والرئيس ، ومجلس الشورى .
كاتب المقالدكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
0 تعليقات:
إرسال تعليق