الجمعة، 1 أغسطس 2014

العلاقات العربية – الأوربية (الشراكة الأوربية المتوسطية)

الدكتور عادل عامر
      يتضح من أحكام اتفاقية روما المنشئة للجماعة الأوربية أنها تكاد تكون قد اقتصرت على العلاقات الاقتصادية مع الأطراف الأخرى. ويرجع ذلك إلى أن هذه الاتفاقية قد وضعت أساسا لتحقيق الوحدة الاقتصادية وكنواة للوحدة السياسية.
      وقد خطت الجماعة الاقتصادية الأوربية أولى خطواتها نحو الاتجاه السياسي عندما أدخلت فصلاً سياسياً في وثيقة تعديل اتفاقية روما بموجب القانون الأوروبي الموحد الذي تم التوقيع عليه في 17 فبراير 1986م، ودخل دور التنفيذ في أول يوليو 1987، حيث نصت على أن تجتهد الأطراف المتعاقدة أعضاء الجماعة الأوربية في صياغة وتنفيذ سياسة خارجية أوربية مشتركة. وبالنسبة للجانب الآخر في طرفي المعادلة وهى الدول العربية، فإنه بالرغم من انتمائها
جميعاً لجامعة الدول العربية، إلا أن هذه الجامعة لم تنجح حتى الآن في إيجاد رابطة قانونية قوية توحد الدول العربية أمام العالم الخارجي.
      وبذلك أصبحنا أمام طرفين الأوروبي الموحد الذي ينتهج سياسة موحدة ملزمة لجميع أعضائه على الأقل في الموضوعات ذات الصبغة الاقتصادية، والجانب الآخر وهو الدول العربية التي تتعامل مع الجماعة الأوربية بشكل يكاد يكون فردياً، وإن جمعـت
بعضها بعض التكتلات الإقليمية وأهمها مجلس التعاون الخليجي.
      ويعدُّ الاختلاف البين في علاقات الجماعة الأوربية والدول العربية من أهم السمات التي تتميز بها هذه العلاقات، فبينما ترتبط الدول العربية وأعضاء مجموعة الدول الأفريقية والكاريبي والباسفيكية المعروفة باسم (A. C. P) بأوثق العلاقات مع الجماعة الأوربية في إطار سلسلة ميثاق لومى، نجد أن البعض الآخر لا يرتبط بأي اتفاق تفصيلي مع الجماعة. وفي هذا السياق لم تنس الجماعة الأوربية دول حوض البحر المتوسط العربية التي كان بعضها مستعمرات تابعة لفرنسا، مثل المغرب والجزائر، والبعض الآخر مستعمرات بريطانية، مثل مصر والأردن، إذ قررت الجماعة الأوربية إيجاد علاقة جماعية مع الدول العربية جنوب حوض البحر المتوسط وأطلقت على ثلاث منها دول المغرب العربي وهى المغرب والجزائر وتونس، وأطلقت على أربع منها دول المشرق العربي وهى مصر والأردن ولبنان وسوريا، وهذه المجموعة تندرج تحت سياسة واحدة هي السياسة الموحدة مع دول حوض البحر المتوسط. وتقوم هذه السياسة على مجموعة من الأسس منها تفضيلات جمركية، من جانب واحد، لدول حوض البحر المتوسط، وتشجيع الاستيراد من هذه الدول مع عدم الإخلال بحق أي جانب باتخاذ ما يراه من إجراءات لحماية مصالحه الاقتصادية، فضلاً عن التسهيلات المالية والتعاون العلمي والفني. كما استطاعت دول المشرق والمغرب العربي الحصول على التعويض المناسب اثر انضمام إسبانيا والبرتغال نظراً لأن الدول العربية تصدر السلع الزراعية المماثلة لمنتجات كل من إسبانيا والبرتغال. ويجب الإشارة إلى أن الدعم المالي والتسهيلات المالية ساهمت بايجابية في تنفيذ العديد من المشروعات الإنمائية الهامة في الدول العربية السبع
      ولاشك أن التطور الهام الحادث في الجماعة الأوربية بدخولها مرحلة الاندماج الاقتصادي الكامل ببداية عام 1993 ستنعكس على العلاقات العربية الأوربية التجارية والاقتصادية. وتعتبر بداية هذا التطور منذ توقيع عدد من دول المجموعة الأوربية على الوثيقة المسماة بالقانون الأوروبي الموحد والتي تضم قسمين اقتصادي وسياسي.
ولقد أبدت مجموعة الدول العربية مخاوفها من هذا التطور، ومن هذه المخاوف ما يلي:
-        قد تتجه الجماعة إلى فرض سياسة حمائية، وقد تغالي في فرض قيود على وارداتها من الدول التي تمارس سياسة الإغراق، أو دعم الصادرات.
-        قد تضطر الجماعة إلى فرض قيود على وارداتها من بعض السلع المستوردة من الدول ذات التكلفة الأقل.
-        أنه بعد انضمام إسبانيا والبرتغال بإمكانياتهما الزراعية الهائلة قد تتجه دول الجماعة إلى سياسة الاكتفاء الذاتي وما يترتب عليه من آثار ضارة للدول العربية.
-        أن تحقيق الوحدة سيتضمن "أوربية" التنمية أي الاهتمام بتنمية اقتصاديات أسبانيا والبرتغال، وبالطبع فإن ذلك سيكون على حساب الدول الأخرى.
-        سيتغير اتجاه ونمط التجارة الخارجية، إذ ستزداد التجارة بين دول الجماعة نظراً لتفضيل سلع المجموعة على غيرها.
      وإزاء هذه المخاوف أوضح المسئولون بالجماعة الأوربية أنه لا محل لهذه المخاوف، وأن أوربا شريك هام في التجارة الدولية، كما أن تحقيق السوق الواحدة سيؤدى إلى توحيد الإجراءات الخارجية وإزالة كافة الحواجز الداخلية.
      وبالنسبة للعلاقات السياسية بين الدول العربية والجماعة الأوربية فتتركز بصفة أساسية على الأوضاع في الشرق الأوسط والحوار العربي الأوروبي في دول حوض البحر المتوسط. فعلى جانب الشرق الأوسط، أيدت الجماعة الأوربية كافة المبادرات السلمية لحل المشكلة الفلسطينية ومشكلة الشرق الأوسط، دون أن تتخذ مبادرة يمكن تأويلها على أنها تسعى إلى القيام بدور منافس للولايات المتحدة. أما فيما يتعلق بالحوار العربي الأوروبي، فإنه يكاد يكون المظهر الوحيد لوحدة العالم العربي تجاه الجماعة الاقتصادية الأوربية، ولكن ظل هذا الحوار متعثراً نتيجة تباين أنماط التعاون الاقتصادي والتجاري بين الجماعة الأوربية والدول العربية. وأخيرا فإن التعاون في حوض البحر المتوسط، بدأ من خلال المنتدى المتوسطي في غرب حوض البحر المتوسط. فضلاً عن إنشاء مؤتمر للأمن والتعاون في البحر المتوسط G. S. C. M.      كما تهدف السياسة المتوسطية للجماعة الأوربية إلى مساعدة الدول المتوسطية للدخول في الأسواق الأوربية، وتطوير إمكانياتها التصديرية ودعم برامج الإصلاح الاقتصادي وزيادة حجم التمويل الخارجي لنجاح الإصلاحات في هذه الدول، فضلاً عن دعم الديمقراطية وإرساء قواعد ومبادئ اقتصاديات السوق. وحقيقة ترجع الأبعاد السياسية للمتوسطية الراهنة إلى عام 1989، حيث قدمت اللجنة الأوربية للمجلس الأوروبي وثيقة إعادة توجيه السياسة المتوسطية، وهى خطة إستراتيجية كلية يجب أن تتبعها الجماعة في علاقاتها مع الدول المتوسطية غير الأعضاء. ومنذ صدور تلك الوثيقة بدأت الجماعة الأوربية عملية واسعة لإعادة تقييم سياستها مع الدول المتوسطية انطلاقاً من حيوية مصالح الاتحاد الأوروبي في جنوب وشرق المتوسط. وبدأت هذه العملية بقمة لشبونة عام 1992 وحتى قمة برشلونة في نوفمبر 1995، لتترجم أوربا في بيانها خلاصة هذه الجهود لبلورة رؤية جماعية أوربية تطرحها أمام الطرف الآخر.
      وترجع أسباب الدعوة إلى سياسة متوسطية جديدة وطرح مشروع الشراكة الأوربية المتوسطية إلى طبيعة التطور في الكيان الجماعي الأوروبي نحو الاتحاد الأوروبي، والتغيرات العالمية الجذرية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، فضلاً عن تحديات وتهديدات الأمن الأوروبي النابعة من جنوب المتوسط. وبالتالي ترجع هذه الدعوة إلى الأهمية الإستراتيجية لحوض البحر المتوسط.
      وعلى الجانب العربي، حدث تغير في السياسة الخارجية المصرية خلال فترة التسعينات نحو تفعيل الدائرة المتوسطية، وقد كان نتاجاً لأربعة متغيرات وهي: إنهاء الحرب الباردة، وتغير النظام الدولي، والسياسة المتوسطية الجديدة للاتحاد الأوروبي منذ عام 1990، وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام في أكتوبر 1991، ورفع مستوى التعاون الأوروبي المغاربي في صيغة (5 + 5).
      وأياً كان الأمر فهناك عدد من التحديات التي ستواجه السياسات الخارجية للدول العربية الأعضاء في داخل هذا التجمع وخارجه، ومن أهم هذه التحديات، الآتي:
1-مشاركة إسرائيل في هذا التكتل، الذي يمثل تحدٍ كبير للدول العربية المشاركة في هذا التجمع بشكل عام، ولدول الطوق بشكل خاص، وللدول التي في حالة مفاوضات تسوية مع إسرائيل بشكل أكثر خصوصية، حيث إن دولاً مثل سوريا ولبنان أصبحت تواجه تحدٍ حقيقي يتمثل في ضرورة التمسك بحقوقها في المفاوضات الجارية في الوقت الحالي مع إسرائيل، خارج إطار المشاركة من ناحية، وتحقيق خطوات تقارب واندماج مع إسرائيل داخل إطار المشاركة من ناحية أخرى، وذلك باعتبار أن هذا هو الهدف من التجمع الأوروبي المتوسطي.
2-أيضا مشاركة دولة مثل تركيا في هذا التجمع وما يمثله ذلك من تحدٍ في إطار العلاقات العربية التركية من ناحية وفي إطار التحالف الإستراتيجي التركي الإسرائيلي من ناحية أخرى.
3-يوضح الشكل التي اتخذته مفاوضات الشراكة التي جرت حتى الآن، الذي يقوم على التفاوض مع كل دولة عربية من دول جنوب المتوسط على حدة رغبة الدول الأوربية في الانفراد بالدول العربية لممارسة سيطرتها على الدول العربية، كما يمثل ذلك تحد قوي وحقيقي أمام المفاوض العربي في الحصول على امتيازات من جراء هذه الشراكة، بالإضافة إلى ما سبق فإنه يلاحظ أن هذه الاتفاقيات الثنائية التي أبرمت حتى الآن لا تشمل كل دول الجنوب المتوسطي، بل أن هناك تباين واضح في الاتفاقيات التي أبرمت، خاصة في مجال حقوق الإنسان والملكية الأدبية.
4-أما على مستوى الشراكة الأفقية بين دول جنوب وشرق المتوسط فهي تتأثر تأثرا ملحوظاً، كما سبق الإشارة لذلك، بمدى التقدم أو التعثر الذي يواجه عملية السلام في الشرق الأوسط، حيث أن ترتيبات الأمن والاستقرار التي دعت إليها أطراف برشلونة لا يمكن تفعيلها على النحو الشامل والمطلوب، ما لم يكن هناك تقدم في مسار عملية السلام في الشرق الأوسط. والإشكالية الحقيقية هنا أن هذه العملية الأخيرة موكولة إلى إطار آخر هو إطار مدريد، الذي تتولاه بالرعاية قوى دولية أخرى خارج إطار الشراكة، وهو ما يعنى أن الدول العربية الأطراف الآن تعد حائرة بين مدريد والشراكة المتوسطية، وهو ما يفرض عليها إيجاد صيغة للخروج من هذا المأزق.
5بالإضافة إلى ما سبق، فإنه بالنظر إلى التجمعات الإقليمية التي انضم لها عدد كبير من الدول العربية في الفترة الأخيرة، إنما تفرض تحديّاً حقيقياً على هذه الدول، يتمثل في كيفية التزام هذه الدول بمسئولياتها في تجمع من التجمعات التي انضمت إليها، ومثال ذلك حالة النزاع بين المغرب والصحراء المغربية حيث تؤكد اتفاقية الشراكة على أن لكل شعب حق تقرير مصيره وهو ما يفرض على المغرب كعضو فيها إعطاء حق تقرير المصير لشعب الصحراء المغربية وذلك ما يتعارض مع أمنها القومي مع ميثاق منظمة الوحدة الأفريقية التي تعد المغرب احد أعضائها أيضا.
الخاتمـة:
      تعد التغيرات الكبرى التي تشهدها الساحة الدولية منذ عام 1985 بداية لنظام عالمي جديد لم تحدد معالمه بعد على نحو قاطع, وخاصة وأن هذا النظام قد ارتبط بسقوط الاتحاد السوفيتي السابق الذي كان يعد الحليف الاستراتيجي للدول العربية، والذي مثل انهياره فراغاً استراتيجياً في المنطقة العربية. ورغم هذا يمكن القول إنّ النظام الدولي يشهد في هذه المرحلة قطبية أحادية، سواء كانت حقيقية طويلة المدى أو مؤقتة وعلى المدى القصير، وتتمثل هذه القطبية في بروز دور الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها الدولة العظمى الوحيدة التي تستطيع أن تؤدي دوراً أساسيا في مجريات السياسة العالمية. وهى واحدة من أكثر الظواهر الدولية خطورة على مستقبل العالم ككل وعلى العالم الثالث على نحو خاص، والوطن العربي بشكل أخص. وعلى الرغم من كون متغير النظام العالمي ليس هو المتغير الوحيد في التأثير على السياسة الخارجية للدول وإنما هناك عدد كبير من المتغيرات التي تحكم هذه العملية سواء متغيرات داخلية أو خارجية إلا أن متغير النظام العالمي من أهم هذه المتغيرات، انطلاقاً من أنه إذا كانت النخبة القومية تحدد ما الذي تفعله الحكومات فإن البيئة المحيطة تحدد ما الذي يمكن أن تفعله الحكومات.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق