Ads

كيفية أصلاح عجز الموازنة

الدكتور عادل عامر
إن مصر جربت كثيرا طريقة النوايا الحسنة وجمع التبرعات وفشلت كلها. ولا أظن أن حظها مع السيسي. إذ بدا متشككا في جدوى فكرة التبرع، فإنه تساءل عن وجود المستشارين ودورهم المهم في تمحيص أي فكرة قبل إطلاقها. وهو ما اتفق معه فيه تماما. لكنني أتحدث عن شيء أبعد من ضرورة دراسة الفكرة، حيث أتمنى أن تكون جزءا من رؤية إستراتيجية واضحة. وهو ما يبدو أننا نفتقده في الوقت الراهن. ليس ذلك وحده ما يبعث على القلق، ولا أستطيع أن أقلل من شأن تقارير وتقديرات تلك الأجهزة، لكنني أزعم أنها إذا أدت دورها في محيطها فإنه لا يطمئن إلى كفايتها حين يتعلق الأمر بمستقبل البلد والمجتمع بأسره.
إن  كبار الممولين في الجمهورية يبلغ عددهم 1700 من رجال الأعمال يدفعون ضرائب سنوية 300 مليار جنيه وبعد القرار الجمهوري متوقع تحصيل مبلغ 370 مليار جنيه .
إن السؤال الكبير الذي ينبغي أن يطرح في مواجهة هذا الموقف هو لماذا لا تدعى العقول المصرية الخبيرة إلى مؤتمر تناقش فيه الأزمة الاقتصادية وحلولها، ولماذا لا تتولى تلك العقول صياغة الرؤية المتكاملة ووضع الإستراتيجية التي تتيح للوطن أن يتحرك صوب المستقبل بثقة واطمئنان. إن الإخلاص على العين والرأس والنوايا الطيبة تقدر وتحترم، لكننا ينبغي ألا نعول عليها وحدها، لأننا نحفظ منذ وعينا أن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة.
أنه لابد أن تجرى الحكومة بعض التعديلات لزيادة حصيلة الضرائب والحد من التهرب الضريبي ، وضرورة العمل على توسيع القاعدة الضريبية للممولين لتحقيق العدالة الضريبية، إلا إن القانون لا يحقق ذلك ، مع ضرورة ضم الاقتصاد السري الى منظومة الضرائب لأنه سيسهم بشكل كبير فى تخفيض العجز فى الموازنة.
إن تطبيق القانون يساعد على زيادة حصيلة الضرائب وتحصيل المتأخرات الضريبية، بالتالي تزايد إيرادات الموازنة ومن ثم سد العجز، مع ضرورة إن تلتزم الدولة بتحصيل الضريبة نقدا أو عينا كما نص القانون، سواء مبالغ نقدية أو أسهم من شركات أو أراضى وهذا سيساعد المصلحة على جمع متأخرات ضريبية تبلغ 65 مليار جنيه و انه خلال الفترة الماضية، وخاصة الثلاث سنوات الماضية تضاعف حجم العجز فى الموازنة وكان لابد من البحث عن وسائل لإصلاحه، لان العجز نتج عن توقف الإنتاج وقلة فرص العمل وتوقف المصانع عن العمل، لذا البحث عن إجراءات عاجلة كان هدف الحكومة الحالية والرئيس عبد الفتاح السيسي. إن علاج العجز فى الموازنة، يبدو واضحا ومتمثلا فى علاج الدعم وباب الأجور داخل الموازنة، ويطلق عليه اقتصاديا "علاج الخلل فى الموازنة العامة للدولة"، الأمر الذي يترتب عليه تحسين الإيرادات وتحجيم المصروفات، بما ينشأ عنهم زيادة حصيلة الدولة من الإيرادات العامة. أنه حتى تتمكن الدولة من إصلاح العجز فى الموازنة كان لابد من إصلاح المنظومة الضريبية لزيادة متحصلاتها فى الموازنة العامة، ومن أمثلة ذلك تعديل القانون لفرض ضريبة لكل من يزيد دخله عن مليون جنيه، مما يؤدى الى زيادة الحصيلة ، مع ضرورة توجيه الضرائب للمجالات المختلفة فى الصحة والتعليم والمواصلات وغيرها، وذلك لخلق نوع من التكامل فى كيفية صرف الضريبة. تتجلى الأزمة الاقتصادية التي تعانيها مصر في جوانب عدة. فوفقا لما ذكرته عديد من المقالات الاقتصادية، انخفضت احتياطيات النقد الأجنبي من نحو 36 مليار دولار في يناير 2011، ما قبل الثورة، إلي ما يقرب من 13 مليار دولار، والتي قد لا تكفي لتغطية واردات ثلاثة أشهر فقط، علي الرغم من حاجة الحكومة لاستيراد كميات كبيرة من الدقيق والوقود لسد احتياجات الأفراد من الخبز ومصادر الطاقة. كما انخفضت قيمة الجنيه المصري منذ ديسمبر وحتى الآن بنسبة 10 بالمائة. هذا التراجع في قيمة العملة أدي بدوره إلى زيادة نسبة التضخم من معدل سنوي يقل عن 5 بالمائة في ديسمبر 2012، إلي 8 بالمائة في فبراير 2013. وما أسهم في تفاقم هذه الأوضاع هي القيود التي فرضها البنك المركزي على التبادل التجاري، وتضييق الخناق على التجارة والاستثمار الأجنبي، وفرض ضرائب باهظة بأثر رجعي على المستثمرين المحليين، إلي الحد الذي لم يعد معه السوق المصري آمنا أو مربحا للمستثمرين الأجانب. وفيما يتعلق بالصناعة الوطنية، تم إغلاق نحو 4500 مصنع منذ الثورة وحتى الآن، وهو ما ترتب عليه ارتفاع معدل البطالة من 9 بالمائة إلي 13 بالمائة. أدى ذلك كله إلى وصول الاقتصاد المصري إلى مرحلة "الركود التضخمي"، بعد أن تراجع معدل النمو الاقتصادي في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2012 إلى 2.2 بالمائة وفقا للبيانات الرسمية. ويتوقع الخبراء الاقتصاديون أن يصل العجز إلى 12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية السنة المالية في يونيو، بعد أن كان 9.5 بالمائة. يؤثر ذلك فى معدلات الفقر في المجتمع المصري، إذ ارتفعت نسبة المصريين تحت خط الفقر من 21 بالمائة في 2009 إلى 25 بالمائة في العام الماضي.
إن الظروف التي تمر بها مصر تستدعى مساندة الجميع وخاصة الأغنياء فى دعم الاقتصاد والمرور بهذه الأزمة لتستطيع مصر إن تنتقل الى مرحلة البناء، لان القرار جاء ضرورة لما يمر به الاقتصاد المصري من تحديات بالغة تتطلب تضافر كافة الجهود لحمايته وإعادة بناء الثقة فيه. إن مصر لم تخرج عن القواعد العلمية التي تحكم طبع النقود وأن بياناتها تعكس بوضوح كل الإجراءات التي تتخذها الحكومة أو التمويل الذي تحصل عليه من البنك المركزي أو من السوق الداخلية أو الخارجية. أن ترك عجز الموازنة يتزايد هو الذي يسبب زيادة أخطر في التضخم. أن ما أعلن عنه السيسي من توجه لإصلاح عجز الموازنة عمل محترم ويدل على صدق الرغبة في التصدي للقضايا المهمة.
تعود هذه الأزمة الاقتصادية في مصر إلى عاملين رئيسيين. أولا: عدم الاستقرار السياسي وما يرتبط به من اضطرابات أمنية أدت إلى خروج الاستثمارات الأجنبية من السوق المصرية، فضلا عن إلحاق الضرر بقطاع السياحة، الذي يسهم بـ 12 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، إذ وصلت خسائر قطاع السياحة إلى 2.5 مليار دولار، منذ يناير 2011 وحتى الآن، خاصة بعد قيام منتدى الاقتصاد العالمي بتصنيف مصر كإحدى أخطر المناطق للسياحة. فيما يتمثل العامل الثاني في عدم مرونة السياسات المالية والنقدية، خاصة ما يتعلق بتصاعد عجز الموازنة نتيجة لسياسات الدعم، وجهود مواجهة انخفاض قيمة العملة. فترى عديد من التحليلات الاقتصادية أن سياسات الدعم التي تفتقد الكفاءة والفاعلية التي طبقتها الحكومات المتعاقبة هي أحد أبرز العناصر الضاغطة على الاقتصاد المصري. إذ تستحوذ فاتورة الدعم على ثلث الميزانية الحكومية بقيمة 20 مليار دولار، ناهيك عن عدم وصوله إلى مستحقيه، واستفادة الفئات غير المستحقة للدعم منه.
 ومن ثم، يكون الإصلاح الاقتصادي والخروج من هذه الأزمة الاقتصادية غير ممكن إلا من خلال سياسات تعالج هذين الجانبين، أي تعمل على تحقيق الاستقرار السياسي، وضمان توفير بيئة استثمارية آمنة وجاذبة للمستثمرين الأجانب من جهة، وإعادة النظر في سياسات الدعم والعمل على إصلاحها من جهة أخرى.
تحتاج مصر إلى خطة شاملة وحلول جذرية للإصلاح الاقتصادي، وليس لسياسات مسكنة تعالج قضايا جزئية، أو تهدف فقط إلى المواءمة السياسية، بل تتعامل مع التحديات الاقتصادية، وتسعى للوصول إلى نتائج طويلة الأمد ومستمرة. ولتحقيق ذلك، لابد أن يعاد تشكيل الحكومة بحيث تتضمن وزراء تكنوقراط، وكوادر تنتمي لخلفيات أيديولوجية متنوعة، ويكون تكليفهم بهذه الوظائف قائما على معيار الكفاءة. فمن دون وجود إرادة قوية لإدارة الاقتصاد، وخطة محكمة لتحقيق ذلك تنفذها كوادر تتسم بالكفاءة، ستواجه مصر انهيارا اقتصاديا لا محالة. أن فكرة الصناديق الخاصة نشأت أول ما نشأت بعد نكسة 1967 كمحاولة من الحكومة لتخفيف العبء نتيجة عدم القدرة على سد بعض الاحتياجات في الموازنة العامة للدولة. إذ كانت أول سابقة في هذا المجال هي إصدار القانون رقم (38) لعام 1967 الذي أقر إنشاء صندوق للنظافة في المحليات تم تمويله من خلال فرض رسوم نظافة محلية. لكن النشأة الرسمية لـ«الصناديق الخاصة» أو «الحسابات الخاصة» كانت في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات من خلال القانون رقم (53) لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة. فقد أباح هذا القانون إنشاء«صناديق خاصة» و«وحدات ذات طابع خاص» في المادة (20) منه التي تقضى بأنه يجوز بقرار من رئيس الجمهورية إنشاء صناديق تخصص لها موارد «معينة» لاستخدامات «محددة»، ويعد للصندوق موازنة خاصة خارج الموازنة العامة للدولة وتتبع الجهات الإدارية كالجهاز الإداري، الإدارة المحلية، الهيئات العامة الخدمية والاقتصادية، وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة.
إن الصناديق الخاصة بشكلها الحالي بدأت بعد حرب أكتوبر مع اتجاه الرئيس السادات إلي سياسة الاقتصاد الحر، إذ ظهرت وقتها بعض الأصوات التي طالبت بالتغلب على الروتين الحكومي وتبني نهج القطاع الخاص، خاصة بعد دخول البنوك الأجنبية وشركات التأمين الخاصة إلى مصر. هذا ما دفع الحكومة آنذاك إلى ابتكار آليات جديدة للتغلب علي العقبات الروتينية المعوقة لتمويل الاستثمار. وهكذا ظهرت الصناديق الخاصة التي بدأت بصندوق في مجلس الوزراء يهدف إلى تسهيل شراء الاحتياجات التي يراها المجلس بصفة عاجلة دون انتظار اللوائح وقانون المناقصات وغير ذلك. وفي السنوات اللاحقة، اتسع استخدام الصناديق الخاصة، خاصة بعد صدور القانون «43» لسنة 1974 –قانون رأس المال العربي والأجنبي– في عهد وزارة الدكتور عبد العزيز حجازي الذي أسفر عن إنشاء «هيئه الاستثمار».هناك نوعان من الصناديق الخاصة، النوع الأول هو الصناديق التي تمثل كيانًا إداريًا مستقلا بذاته يدخل في الموازنة العامة للدولة بمسماه، مثل «صندوق التنمية الثقافية» و«صندوق السجل العيني» و«صندوق دعم وتمويل المشروعات التعليمية» و«صندوق دور المحاكم والشهر العقاري» وصندوق «دعم وتطوير خدمات الطيران» وغيرها، وهذه صناديق قانونية تخضع للرقابة وتستخدم أموالها للأغراض التي  يحمل الصندوق اسمها، أما النوع الثاني فهو الصناديق التي تنشأ من داخل وحدات الجهاز الإداري للدولة أو المحافظات أو الهيئات الخدمية وتتبع لها، مثل «حساب الخدمات والتنمية المحلية بالمحافظات» و«حساب الإسكان الاقتصادي بالمحافظات» و«حساب استصلاح الأراضي» و«صناديق تحسين الخدمة» وغيرها، وهذه صناديق لا تخضع للرقابة المركزية وهي مصدر الصداع المرتبط بالصناديق الخاصة. أنه بعد صدور قانون الاستثمار العربي والأجنبي تم التوسع في إنشاء النوع الثاني من الصناديق.
فمثلا في عهد السادات تم تخصيص صندوق لوزارة الصناعة لشراء احتياجات المصانع من قطع غيار والآلات ومعدات وغير ذلك. هذا بالإضافة إلى التوسع في تقنين فتح حسابات خاصة لبعض الجهات والوزارات، مثل حالة قانون نظام الإدارة المحلية رقم (43) لسنة 1979 الذي نص علي إعطاء مجالس الإدارات المحلية الحق في إنشاء صناديق وفرض رسوم. أما في عهد مبارك، فقد تشعبت تلك الصناديق وانتشرت في كل الوزارات والمحافظات والشركات القابضة. ففي هذه المرحلة صدرت سلسلة من القوانين تعطي الحق للعديد من الجهات في إنشاء صناديق خاصة، مثل قانون التعليم رقم (139) لسنة 1981، وقانون الجامعات رقم (49) لسنة 1992.
أن الصناديق الخاصة في عصر المخلوع كان بمثابة «باب خلفي» للفساد والتحايل على القوانين، وذلك مثلما حدث في بداية التسعينيات، حينما تم تأسيس صندوق خاص يتم تمويله من المعونة الخارجية ولا يخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات لدفع رواتب كبار المصرفيين في البنوك المصرية بحجة أن القانون يحدد الحد الأقصى لراتب رئيس مجلس الإدارة بمبلغ لا يتجاوز 2000 جنيه شهريًا. كذلك إلى «صناديق النذور» بالمساجد. فهذه الأخيرة تعتبر من الصناديق الخاصة التي اتسع نطاق استخدامها بشكل مهول في العقود الأخيرة. حيث توزيع أموالها على إمام المسجد وخادم المسجد ووزارة الأوقاف دون وجود آليات وضوابط لضم موارد هذه الصناديق إلى وزارة الأوقاف. أن وزير المالية الهارب يوسف بطرس غالي أصدر عام 2006 القانون رقم (139) الذي عدل بموجبه قانون المحاسبة المالية مما سمح للصناديق الخاصة بإنشاء حسابات في البنوك التجارية، وهو ما أخرج الصناديق عمليًا من دائرة الرقابة. أن الرئيس المخلوع سمح بإنشاء أكثر من ستة حسابات خاصة في رئاسة الجمهورية بلغ ما تحتويه من أموال حتى ليلة التنحي عن الحكم حوالي 3 مليار دولار لا أحد يعرف عنها شيئًا حتى الآن.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

0 تعليقات:

إرسال تعليق