الثلاثاء، 5 أغسطس 2014

ممارسة الحرية والمشاركة السياسية

الدكتور عادل عامر
إن الأوضاع الاجتماعية والسياسية ، التي لا تمكن المواطن من ممارسة الحرية والمشاركة السياسية، ولا تضمن في أقل التقادير الحد الأدنى من الحقوق العامة ، فإن هذه الأوضاع ستفضي إلى العديد من الصراعات والحروب الصريحة والمضمرة والتوترات التي تهدد راهن المجتمع ومستقبله . فالأمن لا يتحقق مع الاستبداد ، وذلك لأن الاستبداد بمتوالياته النفسية والمجتمعالأفواه، لكل الظروف والمعطيات التي تهدد الأمن بكل مستوياته .. وإن الأمن الظاهري أو السطحي الذي يوفره الاستبداد واستخدام القوة وسياسة تكميم الأفواه ، ينبغي أن لا يغرينا بالمزيد من الاعتماد على هذا الخيار لتحقيق الأمن .. وذلك لأن هذا الخيار في المحصلة النهائية ، يهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي ، ويفاقم من التناقضات وبؤر التوتر ، ويراكم كل نزعات الخروج والتحرر من ربقة الاستبداد ومفاعيله الاجتماعية .. وكثيرة هي التجارب التاريخية والمعاصرة ، التي تؤكد أن استبدادية النظام السياسي واستفراد نخبة قليلة بالصلاحيات والامتيازات ، ليست منسجمة مع متطلبات وشروط الأمن الشامل . لذلك نجد أنه في النظم الديكتاتورية ، تكثر أشكال أختراق الأمن وتهديده ، وفي المقابل نجد أن النظم الديمقراطية والمفتوحة على كل القوى والتعبيرات ، تنعم بمستوى متقدم من الاستقرار السياسي والمجتمعي ، لهذا نستطيع القول لا أمن فعال بدون ديمقراطية ، ولا استقرار بدون حريات ، وكل سعي لنشدان الأمن والاستقرار بعيدا عن الديمقراطية ، فإن مآله الأخير هو المزيد من التشظي وبروز حالات عامة تهدد الأمن وتتجاوز شروطه المجتمعية .. وإن الإجراءات التعسفية التي تأخذ ضد الحركة الإسلامية في العديد من دول العالم العربي تحت دعوى الأمن وضروراته ، هي إجراءات تناقض مفهوم الأمن ، وتؤدي إلى انعكاسات سلبية على مختلف الصعد والمستويات . فالقمع السياسي لا يفضي إلى الأمن ، بل يزيد من أوار المشكلات ، ويكرس تداعيات الانهيار ، ويحول دون تصحيح الخلل في مسيرة البناء الوطني والقومي . فالاستبداد هو داء يلغي التاريخي،لتنوع المفيدة في الحياة العربية العامة ، سواء في الجانب الاقتصادي أو الثقافي أو الحضاري ، النهج السائد هو الرؤية الواحدة ، القائمة على الاختصار والاختزال في كل شيء . ومن المؤكد على المستوى التاريخي ، أن هذا الداء ، كان له الدور الأكبر ، في إفشال الكثير من التطلعات والمشروعات المشتركة .
وبإمكاننا أن نحدد بعض الآثار المترتبة على سيادة هذا النهج في الواقع العربي في النقاط التالية :
1) سيادة ثقافة الأنا المتعالية على غيرها ، والتي لا ترى في الوجود إلا مصالحها وتطلعاتها الخاصة . فداء الاختزال يؤدي إلى طغيان الأنا وجعل تصوراتها وتطلعاتها هي المشروعة ، وما عداها خارج هذا النطاق .
ولعل نهج الاختزالوالاختلاف،ى التاريخي والحضاري ، هو الذي دفع بالعالم الأوروبي ، إلى بلورة نظرية المركزية الأوروبية ، التي تزرع لدى الأوروبي شعورا متضخما في حب الذات ومصالحها ، وأن الأوروبي على حد تعبير ( فيصل دراج ) يعتمد على تقدمه ويلغي ماعداه أي يبدأ بخلق الآخر خلقا زائفا ، يستند على تقدمه، ويخلق التخلف ويتكئ على حضارته وينجب البربرية ، يخلق الظواهر كلها ، عن طريق التسمية واللغة المسلحة ، وعندها فإن المدافع الأوروبية ، لا تؤمن مصالح التمدن .
فلا مكان للمتعدد والاختلاف ، إلا إذا كان الأخير وسيلة للإذعان والخضوع فيتم اختزال التاريخ الإنساني إلى تاريخ المشروع الأوروبي المنتصر .
وكتب مؤلف ( تصفية استعمار العقل ) : الادعاءات الاستعمارية بتحريالاجتماعية،ن الخرافة والجهل وروع الطبيعة ، كانت نتيجتها في الغالب تعميق جهله وزيادة معتقداته الخرافية ومضاعفة روعه إزاء السيد الجديد ذي السوط والبندقية ، الأفريقي وخاصة خريج المدرسة الكولونية هو أكثر انتسابا إلى الإنجيل بتفسيره الفانتازي لخلق الكون ورؤاه عن القيامة وصوره المفزعة عن الجحيم واللعنة بحق الخاطئين تجاه النظام الاستعماري منه إلى الرواية بتحليلها الدقيق للدافع في الشخصية والحدث وافتراضها العام : أن العالم الذي نعيشه ممكن الفهم ، فالاختزالية في الإطار الثقافي ، تؤدي إلى سيادة النزعة الفردية الضيقة ، التي لا ترى إلا مسلماتها العقدية والفكرية وتسعى ( إن كانت لها الغلبة ) إلى نفي وإقصاء الثقافات الأخرى
2) أن الحيوية الاجتماعية القائمة على التنوع المحمود في الدائرة الاجتماعية ، تبدأ بالأفول والتقلص ، حينما يطغى خطاب الاختزال ، وتسود آلياته في المحيط الاجتماعي .
وذلك لأن الحيوية والفاعلية الاجتماعية، وحتى تستمر في حركتها التصاعدية، هي بحاجة إلى خطاب راشد، يتعاطى بشكل إيجابي مع تنوعات المجتمع الطبيعية، والتي تشكل ثروة إنسانية حقيقية.
ولكن حينما يسود خطاب الاختزال وآلياته ، يتم القضاء التدريجي على هذه الثروة ، وتحل الرتابة والسكون ، محل الحيوية والفاعلية .
ولعل هذا ما يفسر لنا سكونية المجتمع العربي في العصر الحديث ، وعدم تفاعله الخلاق مع كل موجبات التطوير والإصلاح ، لأنه لم ينفتح على رحابة التنوع ، الذي تتضمنه جغرافيته الإنسانية .
3) إن داء الاختزال ، يؤدي إلى شيوع حالة الشيزوفرينيا والازدواجية في حياة الإنسان الفرد والمجتمع ، لأن الاختزال كنمط قسري في تغييب الفروقات الإنسانية الطبيعية ، لا يؤدي إلى إنهائها التام من الوجود والتأثير . وإنما يؤدي إلى ضمورها واختفائها ، مما يجعلها تتحين الفرص المؤاتية ، لإبراز مكنونها ومضمونها . وهذا هو بداية سيادة حالة الفصام والازدواجية في الحياة الخاصة والعامة .
ولعلنا لو تعمقنا في كل تجارب النهوض العربي في العصر الحديث ، سنكتشف أن مشكلة الاختزال بكل تداعياتها ومستوياتها ، ساهمت بشكل كبير في إفشال تلك التجارب ، وعمقت عوامل الاسترخاء في الجسد العربي . ولا ريب أن التعاطي الأمني مع ظاهرة الإسلام السياسي، وعدم الاعتراف بها اجتماعيا وثقافيا وسياسيا، ساهم في لجوء الطرفين ( الحكومات والحركات الإسلامية ) إلى الانخراط في نفق المواجهات المفتوحة، مما كلف الواقع والأمن العربيين الكثير من المخاطر والخسائر. ونحن نرى أن استمرار النخب العربية السائدة في التعاطي مع هذه الظاهرة والحقيقة وفق متطلبات المفهوم الضيق والآني للأمن، هو المسئول عن الكثير من المواجهات. وجماع القول في هذه المسألة : أن الاختزال وتداعياته الشاملة ، هو الداء العميق الذي يعاني منه الفكر والمجتمع العربيان ، ويميت كل فاعلية اجتماعية . ولعلنا لو تعمقنا في كل تجارب النهوض العربي في العصر الحديث ، سنكتشف أن مشكلة الاختزال بكل تداعياتها ومستوياتها ، ساهمت بشكل كبير في إفشال تلك التجارب ، وعمقت عوامل الاسترخاء في الجسد العربي . ولا ريب أن التعاطي الأمني مع ظاهرة الإسلام السياسي، وعدم الاعتراف بها اجتماعيا وثقافيا وسياسيا، ساهم في لجوء الطرفين ( الحكومات والحركات الإسلامية ) إلى الانخراط في نفق المواجهات المفتوحة، مما كلف الواقع والأمن العربيين الكثير من المخاطر والخسائر. ونحن نرى أن استمرار النخب العربية السائدة في التعاطي مع هذه الظاهرة والحقيقة وفق متطلبات المفهوم الضيق والآني للأمن، هو المسئول عن الكثير من المواجهات.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق