الجمعة، 1 أغسطس 2014

السياسات الخارجية للدول العربية تجاه عملية السلام

الدكتور عادل عامر
  وفي الحقيقة تقوم في الوقت الراهن معظم السياسات الخارجية للدول العربية تجاه عملية السلام على الخطوط العريضة الآتية
1-رفض سياسات الحكومة الإسرائيلية الرامية إلى تقويض عملية السلام، وإنكارها للمبادئ والأسس التي قامت عليها، وتنصلها من تنفيذ الالتزامات والتعهدات والاتفاقيات التي تم التوصل إليها في إطارها، واتخاذ إجراءات أحادية بهدف فرض الأمر الواقع في القدس والضفة الغربية والجولان، والعدوان على الجنوب اللبناني.
2-التمسك بالسلام العادل والشامل خياراً وهدفاً استراتيجياً على أساس المبادئ التي قامت عليها عملية السلام وعلى رأسها تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومبدأ الأرض مقابل السلام، وتحقيق الحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني،
والمطالبة بتأكيد التضامن العربي الكامل وراء هذا الموقف.
3-      التأكيد على أن إخلال إسرائيل بالمبادئ والأسس التي قامت عليها عملية السلام، وتراجعها عن الالتزامات والتعهدات والاتفاقات التي تم التوصل إليها في إطار هذه المسيرة، والمماطلة في تنفيذها، أدى إلى انتكاسة عملية السلام والى إعادة النظر في الخطوات المتخذة تجاه إسرائيل في إطار هذه العملية، الأمر الذي تتحمل الحكومة الإسرائيلية وحدها المسئولية الكاملة عنه.
4-      المطالبة باستئناف المفاوضات على مسارات التفاوض الثلاث: بالنسبة لسوريا. . من حيث توقفت المفاوضات والالتزام بما توصل إليه على هذا المسار، وبالنسبة للبنان. . على أساس تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 435، وبالنسبة للفلسطينيين. . تنفيذ الالتزامات التعاقدية، بما في ذلك استحقاقات المرحلة الانتقالية وبالتوازي مع ذلك، بدء مباحثات المرحلة النهائية والتوصل إلى ممارسة الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة. والتأكيد على ضرورة اتخاذ خطوات ايجابية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، ومطالبة إسرائيل في المقابل بالتجاوب مع هذا الموقف الأمريكي، ومن هذا المنطلق، فإن الخطوات المطلوب اتخاذها من قبل الحكومة الإسرائيلية لدفع عملية السلام يجب أن تكون في إطار القضايا الأساسية وليست الفرعية أو الشكلية.
5-      الترحيب بالدور الأوروبي الداعم لعملية السلام والتأكيد على أهمية تفعيل هذا الدور في إطار الجهود الدولية المبذولة في هذا السبيل.
6-      التمسك بقرارات الشرعية الدولية في إطار الأمم المتحدة والعمل على تنفيذها.
      وهكذا فإن عملية التسوية السياسية للصراع العربي – الإسرائيلي تتم في ظل انفراد دول المنظومة الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة بإدارة النظام الدولي. وتجسد ذلك في إجبار العرب على تقبل إسرائيل ككيان عسكري واجتماعي له موقع متفوق في ساحة الشرق الأوسط والتفاعلات الإقليمية. وذلك نتيجة تمكن إسرائيل من الدخول في مضمار الثورة التكنولوجية الثالثة وتطبيقاتها العسكرية على وجه الخصوص.
      وترتب على ذلك دخول بعض الدول العربية في علاقات مع إسرائيل وبشكل كبير دون أن يرتبط ذلك بإقرار العدل وبتطبيق الشرعية الدولية على الصراع العربي الإسرائيلي(59). ومن الأمثلة على ذلك الآتي:
1)  على الرغم من أن قطر دائماً تؤكد أمام الأمم المتحدة وفي الأحاديث الصحفية مسؤوليها على دعم القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره إلا أنه مع بدء عملية السلام بين العرب والإسرائيليين وتوقيع اتفاق الحكم الذاتي الفلسطيني وتوقيع اتفاق واى بلانتيشن، سارعت قطر في عملية التطبيع مع إسرائيل، وأقامت علاقات تجارية معها وكانت أول دولة خليجية (إضافة لسلطنة عمان) تقيم علاقات تطبيع مع إسرائيل، فقد افتتحت إسرائيل مكتباً تجارياً لها في الدوحة في بداية عام 1996، وشهدت العلاقات القطرية الإسرائيلية زخماً كبيراً وخطوات تطبيعية متسارعة، حيث بدأت الشركات الإسرائيلية الاستثمار في قطر والدخول في علاقات تجارية واقتصادية معها. ويعتبر إصرار قطر على عقد المؤتمر الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في نوفمبر عام 1997 تحدياً للإجماع العربي في ذلك وتجسيداً لمحاولة قطر القيام بدور إقليمي، وهو ما ترتب عليه دخول قطر في صدامات مع الكثير من الدول العربية وخاصة مصر وسوريا، فالقيادة القطرية اتخذت قرار الفصل بين المسارين الاقتصادي والسياسي من عملية السلام، وأن القمة الاقتصادية المزمع عقدها في الدوحة تدعم عملية السلام وهو موقف استنكرته سوريا باعتباره يمثل خروجاً على قرارات الجامعة العربية بوقف التطبيع مع إسرائيل في ظل استمرار عملية الاستيطان، وفي المقابل فإن مصر وسوريا والعديد من الدول العربية أكدت على ضرورة الربط بين المسار السياسي والاقتصادي في عملية السلام.
      وقد استمرت العلاقات القطرية الإسرائيلية في الاستمرار والتقدم وقد زار وفد قانوني إسرائيلي الدوحة للمشاركة في مؤتمر دولي عقدته الرابطة القانونية القطرية في شهر سبتمبر عام 1997، حيث كان الوفد يسعى لبحث منافع المؤتمر الاقتصادي كما دعت قطر الشركات الإسرائيلية المشاركة في المعارض الدولية التي تقام في الدوحة مثل معرض الأمن الدولي، ولاشك في أن موافقة قطر على المشاركة الإسرائيلية في المعرض عمق من انعزالها عن الصف العربي.
2)  ينطلق موقف عمان في تعامله مع الصراع العربي الإسرائيلي من تأييد حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وحق كل من لبنان وسوريا في استعادة أراضيهما المحتلة، ولكن المدقق في العلاقات العمانية – الإسرائيلية يجد أنها تجاوزت هذه المبادئ الثابتة التي تعتنقها معظم الدول العربية، فلم تعد العلاقة بين البلدين تقتصر على تأييد الحل السلمي للصراع وإنما أصبحت هناك علاقات قوية بين البلدين منذ عقد السبعينات، ولكنها لم تظهر على السطح إلا في التسعينات حيث اتفق الجانبان عام 1995 على فتح المجال الجوى العماني أمام الطائرات المدنية القادمة من إسرائيل. وفي عام 1996 تم إنشاء مركز في مسقط تحت اسم مركز الشرق الأوسط لأبحاث تحلية المياه، وشارك في تأسيس هذا المركز كل من عمان وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية واليابان، واعتبر إنشاء هذا المركز هو أولى خطوات إسرائيل لتطبيع العلاقات مع دول الخليج.
      كما أعلن البلدين في نفس العام عن توصلهما إلى اتفاق يقضى بإنشاء مكاتب تمثيـل
تجارية لكلا البلدين خطوةً نحو تبادل التمثيل الدبلوماسي، وبالفعل تم افتتاح مكتب تمثيل تجاري لإسرائيل في عمان في يونيو 1996، وافتتاح مكتب تمثيل تجارى لعمان في تل أبيب في عام 1996 أيضا لتكون أول دولة خليجية تقوم بمثل هذا العمل(61). وفي ظل هذه المكاتب تنامت العلاقات التجارية بين إسرائيل وعمان وبلغ حجم الواردات الإسرائيلية إلى سلطنة عمان 11.7 مليار دولار منذ افتتاح المكتب وحتى نهاية مارس 1999 مقابل صادرات بمبلغ 33.9 مليون دولار، وبلغت نسبة الزيادة عام 1998 في واردات السلع الإسرائيلية إلى السوق العمانية 16.4% مقارنة بعام 1997، وبلغت قيمة الصادرات العمانية خلال الربع الأول من عام 1999 إلى إسرائيل 78 ألف ريال عماني وهو ما يزيد عن إجمالي صادراتها خلال عام 1998 بأكمله.
      ونتيجة لنمو هذه العلاقات أصبحت عمان ترى أن الحل السلمي هو الحل الوحيد المتاح، وأن العرب لا يملكون إلا هذا الحل وأن السلام مصلحة عربية مثلما هو مصلحة إسرائيل، وأن لعمان فيه مصلحة رغم أنها ليست دولة تماس، مثلما هناك مصلحة للآخرين فيه، وأن دولة إسرائيل يجب قبولها كدولة باقية ودائمة في المنطقة، وأن قرارات المقاطعة الاقتصادية ليست إلا قضية سياسية، أما من حيث كونها قضية اقتصادية فإنها غير مؤثرة سلبياً على الاقتصاد الإسرائيلي، بل بالعكس تأثيرها السلبي سيكون على الاقتصاديات العربية.
3)  شهدت السياسة الخارجية الأردنية تحركاً فعالاً نحو إقامة سلام مع إسرائيل وصل إلى توقيع معاهدة سلام بين الطرفين في 26 أكتوبر 1994، حيث استطاع الملك حسين أن يكون قادراً على قراءة الواقع العربي والدولي الملائم لقبول معاهدة إسرائيلية أردنية دون أن ينظر لذلك بأنه أمر ضار بالقضية الفلسطينية، فكان توقيعه لما سمي جدول أعمال مشترك بين الأردن وإسرائيل في اليوم التالي لتوقيع إعلان المبادئ الفلسطيني الإسرائيلي في 13 سبتمبر 1993.
      وقد تضمنت معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية نصوصاً تعاقدية بشان إقامة السلام والحدود والأمن والعلاقات الثنائية والمياه والعلاقات الاقتصادية واللاجئين والنازحين والأماكن التاريخية والدينية والعلاقات الثقافية والعلمية ومكافحة الجريمة والمخدرات والنقل والطرق وحرية الملاحة والطيران المدني والبريد والاتصالات والسياحة والبيئة والطاقة والصحة والزراعة وتنمية أخدود وادي الأردن والعقبة وإيلات.
      وعلى الجانب الاقتصادي تمت إقامة علاقات اقتصادية متكاملة بين الطرفين وإزالة كافة أوجه التمييز والحواجز ضد التدفق التجاري. كما كانت الأردن من الدول العربية التي حضرت مؤتمر الدوحة الاقتصادي الذي عقد في نوفمبر 1997 رغم معارضة العديد من الدول العربية ورغم المواقف الإسرائيلية المتشددة تجاه مسارات التسوية. وتم خلاله اتفاق الأردن وإسرائيل إنشاء منطقة صناعية، والاتفاق على إنشاء صندوق استثماري برأس مال أمريكي – قطري بهدف مساعدة الاقتصاد الفلسطيني وتطوير الاقتصاد الأردني.
4)  تهتم السياسة الخارجية الموريتانية بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي عموماً قبل انضمامها إلى جامعة الدول العربية. وبعد انضمامها فإن مواقف موريتانيا في دعم القضية الفلسطينية تواصلت حيث قدمت وتقدم الدعم المادي والمعنوي للفلسطينيين.
      ومع ذلك فقد شهد أكتوبر 1999م توقيع الاتفاق الإسرائيلي الموريتاني الخاص برفع التمثيل الدبلوماسي بين البلدين في واشنطن برعاية وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت إلى مستوى السفراء.          
      وتعددت وجهات النظر والتفسيرات إلا أن هناك تحديات تتمثل في انهيار الاتحاد السوفيتي وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على النظام العالمي الجديد. ومن ناحية
ثانية فإن الدول الأوربية قد تضاءل اهتمامها بالقارة الأفريقية إلى حد كبير، لصالح الاهتمام
بالشرق الأوروبي وقضاياه المختلفة، التي لا تقل في الأهمية عن القضايا الأفريقية.
      كما أنه بالنسبة للقارة الأفريقية من الملاحظ الآن وجود تنسيق كبير بين الدول الكبرى في هذا الشأن، بدلاً من الأسلوب التنافسي، الأمر الذي يقلل من فرص المناورة لأية دولة أيا كانت. ويلاحظ هذا التنسيق في العلاقات الأمريكية الفرنسية وفي العلاقات الفرنسية البريطانية.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق