الدكتور عادل عامر
إن القانون علم وفن ، فهو علم لأنه يقوم على عدد من النظريات العلمية التي شيدت على أساس معطيات واقعية وعقلية وطبيعية ومثالية وتاريخية تعطي للقاعدة القانونية مداها ومعناها وتفسيرها بهدف كشف المراد منها ومن ثم تطبيقها تطبيقاً سليماً على الوقائع المتطابقة مع فرض تلك القاعدة ، فالقاعدة القانونية لا تُضمن في الغالب تعريفات أو شروط للتطبيق ، فهي قاعدة عامة مجردة لا تغوص في التفاصيل عادة ، مما يعني وجوب الرجوع إلى النظرية ذات العلاقة لبيان الأحكام التفصيلية وفك الغموض الذي قد يكتنف تلك القاعدة . ولا غنى للقاضي أو رجل الإدارة في حدود عمله عن الرجوع إلى تلك النظريات لتطبيق النصوص القانونية تطبيقاً سليماً لتفادي الوقوع في الخطأ في تطبيق القانون أو فهمه أو تأويله.
ومن تلك النظريات نظرية الشخص المعنوي ونظرية الأوضاع الظاهرة ونظرية الظروف الطارئة ونظرية العقد ونظرية البطلان ونظرية السبب ونظرية الإرادة الظاهرة والإرادة الباطنة ونظرية التكييف ونظرية الغلو وغير ذلك من كبرى نظريات القانون المستقرة غير القابلة للحصر التي تبنى على أساس من معطيات الطبيعة والعقل والتاريخ والمنطق . إن عملية الضبط الاجتماعي وتنظيم الحريات والمصالح عبر وجود قواعد وأحكام هو ما أطلق عليه اسم (القانون) حسب الاستعمال الأكاديمي الحديث والذي يرادف مصطلحات أخرى أيضاً التي تطابق في معانيها كلمة القانون وتبحث عن غاية واحدة وهي التنظيم الاجتماعي. لذلك يعد «القانون من أهم وسائل الضبط الاجتماعي بل هو الوسيلة الأساسية التي يعتمد عليها المجتمع المنظّم في ضبط سلوك أفراده». ويرى أحد الباحثين وهو روسكو باوند: «إن القانون هو علم الهندسة الاجتماعية الذي يتحقّق من خلاله تنظيم العلاقات الإنسانية في المجتمع المنظم سياسياً أو الضبط الاجتماعي عن طريق الاستخدام المنهجي المطرد لقوّة المجتمع المنظم سياسياً».
فالقانون حسب الآراء التي مرّت يقوم بدور أساسي في حفظ لحمة المجتمع والحفاظ على استقراره وتماسكه عن طريق توفير العدالة والأمن والحرية، عبر الالتزام بالنظام والقواعد التي تأمر بها السلطة العليا. ولكن يبقى هذا الكلام على المستوى النظري أما على المستوى العملي هل يحقّق القانون تلك الأهداف التي يتوخّاها واضعوه، وهل أنّ التركيبة التي يشتمل عليها القانون من قواعد أسس قادرة على تحقيق تلك الأهداف..؟ الواقع العملي أثبت عدم قدرة الكثير من الدساتير الوضعية على تحقيق تلك المثل العليا بل إنها في بعض الأحيان أدت إلى تصاعد الظلم والفوضى والاستغلال والعبودية خاصة عندما يتعلق الأمر بسلطة مستبدّة؛ وهذا الأمر يرتبط بالجوهر الذاتي للقانون الوضعي ومفهومه المعنوي ولا يتوقف على الكيفية السليمة التي تتم في تنفيذه، باعتبار أن واضع القانون هو نفس الإنسان المتحيز إلى اعتباراته الخاصة ومصالحه الشخصية وخضوعه لظروف الزمان والمكان المحدودة مهما كان هذا الإنسان نزيهاً أو محايداً، ولذا فان مفهوم العدل هنا لا يكون إلا نسبياً وضيقاً يراه واضع القانون من خلال زاويته البشرية الضيقة. والعدل بمفهومه الشمولي والاستيعابي غير المحدّد وغير المتحيّز والقادر على توفير تلك الأهداف العليا لا يتحقّق إلا من واضع يمتلك تلك الخصوصيات، ومن هنا يتميز القانون الإلهي بأنه أقدر على تحقيق العدل والأمن والاستقرار والحرية باعتباره يمتلك الموضوعية المحايدة في التشريع والتقنين.
وهل يمكن القول أنه من الممكن أمتثال الدول لتلك الإرادة الدولية باعتبارها العدالة الدولية، ولاتتعارض مع سيادة الدولة وشرعيتها القانونية.
فلاشك أن أهم مشكلة يعاني منها القانون الدولي هي عدم وجود تعريف محدد واضح للإلزام في القانون الدولي ،وعدم وجود معيار واضح للعدالة الدولية وذلك لعدم وجود إراده دولية تتفق عليها جميع الدول ،لسبب بسيط هو ان العدالة الدولية هي المصلحة الدولية لكل دولة. وفي ظل عدم وجود ذلك العقد الاجتماعي الدولي الذي يحدد مصدر الإلزام او يعرف او يعير العدالة الدولية على أقل تقدير، فسوف تطغى المصالح في العلاقات الدولية والقانون الدولي، مثل ماهي الحالة التي نص عليها جاك روسو حين صنف الناس إلى حاله طبيعية يخضعون فيهم إلى اهوائهم، وحاله مدنية تتشكل فيها حالة مدنية تتحدد فيها معيار العدالة.
ويمكن تصنيف المجتمع الدولي أنه مازال في الحالة الأولى البدائية والذي تحكمه المصالح الدولية على أقل تقدير، ولا نريد أن نقول الأهواء الدولية خصوصا منها الدول الكبرى تطور مفهوم الأمن الاجتماعي منذ ظهوره في ثلاثينيات القرن الماضي بشكل متدرج يتماشى مع ظروف ومتطلبات العصر، فقد بدأ كنوع من الرعاية الاجتماعية الخاصة بكبار السن في الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، ثم اتسع ليستخدم للدلالة على مجموعة متنوعة من أشكال دعم الدخل، وخاصة بالنسبة للعمال، ثم أصبح يشتمل على ما توفره بعض دول الرفاه الاجتماعي من برامج اجتماعية متكاملة تتضمن على سبيل المثال الضمانات الاجتماعية الخاصة بمعاشات التقاعد، والأمراض، والإعاقة، والشيخوخة، وتعويض دخل الأسرة، وإعانات البطالة، وتعويضات العجز، والضمانات ضد حوادث العمل.. إلخ،
فيما أطلق عليه بعض الاقتصاديين الغربيين مسمى "الليبرالية الاجتماعية الجديدة"، ومع الوقت اتسع المفهوم أكثر من مجرد فكرة الضمان الاجتماعي ليصبح مجالا أرحب من أجل حماية المجتمع بأسره من كافة المخاطر الاجتماعية. وفي كافة هذه التطورات كان الهدف من حماية الأمن الاجتماعي يرتبط بأمن الدولة الداخلي، وبتوفير حقوق المواطنين للعيش بهدوء وسلام يقود لزيادة الإنتاج، وتوزيع العوائد بما يضمن نسبيًّا توفير نوع محدد من العدالة الاجتماعية تختلف في مضمونها وأشكالها بين دولة وأخرى، لكن مع بروز متغيرات عالمية جديدة في مطلع التسعينيات، أضحى هذا المفهوم يتداخل إلى حد بعيد مع مفهومين آخرين، أولهما الأمن الوطني، الذي يتعلق بحماية الدولة ورعاياها ضد أية أخطار تهددها ككيان سياسي ذي سيادة، بما يتطلبه ذلك من صون وحماية وجاهزية الأمن الداخلي، وبسط النظام وسيادة القانون،
وثانيهما الأمن الإنساني، الذي يركز على الإنسان الفرد وليس على الدولة، حيث من متطلبات سياسة الدولة تحقيق أمن الفرد إلى جانب أمن الدولة من خلال صون الكرامة الإنسانية، وتلبية احتياجات الفرد المادية والمعنوية على السواء، وحمايته من أية مخاطر من أي نوع رصد التغيير الاجتماعي وعوامله وأهدافه ونتائجه ومتابعة أبعاده الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعمل على مناهضة آثاره السلبية. ومن هذا المنطلق نجد أن ثمة علاقة وثيقة فيما بين التربية والتعليم والأمن، إذ أن الجهود التي تُبذل في مجال التربية والتعليم تُعد من أبرز الجهود التي يمكن أن تساهم في حفظ التوازن الاجتماعي في المجتمع، وذلك من خلال دورها المؤثر في توجيه السلوك الاجتماعي على الفرد ومواجهة الآثار السلبية للتغييرات الاجتماعية بمختلف أبعادها، وتبرز أهمية جهود التربية والتعليم في تحقيق الأمن، في أن إسهام الأفراد في حماية أنفسهم والمجتمع من الجريمة، إما يكون بمقاومتهم لأسبابها وكافة العوامل المؤدية لها، وتحصينهم ضدها للحيلولة دون ترديهم في هوتها، وإما بتصديهم للشارعين فيها أو مرتكبيها، وتقديمهم للسلطات أو إبلاغها بكافة ما لديهم من معلومات تتعلق بها.ويأتي دور الإعلام الأمني يقوم بدور مهم في ترسيخ أمن المجتمعات واستقرارها، فهو يلبي حاجات اجتماعية تسهم في التوعية والتثقيف والتوجيه والإرشاد للوقوف بوجه الظواهر والمتغيرات الاجتماعية التي تطرأ على الفكر والسلوك والقيم .
للإعلام الأمني دور مهم في بناء الأمن الوطني للدولة وفي تخطيط إستراتيجيتها، وهو دور يقوم على أساس التفاعل مع التحديات والتهديدات الموجهة للأمن الوطني . يؤدي الإعلام الأمني دوراً إيجابياً سليماً، يسهم في الحفاظ على أمن الدولة إسهاماً كبيراً، خاصة إذا تم تطبيقه ضمن خطط مدروسة وقيامه على جملة من المبادئ والقيم والثوابت التي تحقق المزيد من الفهم المشترك والتعاون الوثيق بينهما، وتهيئة رأي عام مستنير وواع إزاء نشاط رجل الأمن ودوره في المجتمع من ناحية وتعزيز جهود الوقاية وإقرار الأمن من ناحية ثانية
كاتب المقالدكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
0 تعليقات:
إرسال تعليق