الجمعة، 6 يونيو 2014

حـســـن زايـــــد .. يكتب : مــصـــر انـتــخـبـت الـرئيـــس

بلا شك أن مصر بالكامل وقفت علي أطراف أصابعها ، كاتمة أنفاسها ، مترقبة تلك اللحظات الثقيلة التي تمربها خلال فترات التصويت ، التي امتدت علي مدار ثلاثة أيام  ، فالإنتخابات الرئاسية المصرية لم تكن كأي انتخابات عادية ، بل كانت انتخابات استثنائية بحكم الظرف التاريخي الذي تمر به البلاد ، حيث الإرهاب الإخواني من ناحية ، والضغوط الدولية وأجواء التوجس والتشكيك التي سادت علاقات مصر الدولية من ناحية أخري . فضلاً عن الفتاوي السياسية التي أصدرها القرضاوي وتابعيه من خلال الكيان المشبوه المسمي الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين . بالإضافة إلي المجموعات الشبابية التي ترفض خارطة المستقبل لمجرد الرفض وسرت بينهم العدوي وتفشت تفشياً سرطانيا بين قطاعات عريضة منهم . زد علي ذلك تلك الفئات الليبرالية التي تسعي سعياً حثيثاً لنقل النموذج الغربي نقل مسطرة ، وتقيس عليه ما يحدث في مصر . كل ذلك مخلوطاً بتدني في الخدمات ، وتردي الأعمال ، وموجة الإرتفاع الحاد في الأسعار ، والحديث غير المبرر عن رفع الدعم عن السلع الإستراتيجية . ثم جاءت درجات حرارة الجو لتستكمل المشهد الممحص للمواطن المصري . كل هذه العوامل مجتمعة لو اجتمعت علي أبناء شعب آخر لما كانت هناك انتخابات ولا يحزنون . إلا أن الشعب المصري مختلف ، جيناته تحمل عبق السنين الضاربة بجذورها في أطناب التاريخ الإنساني ، منذ عرف للإنسان تاريخ . راهن الإخوان علي خوفه من الإرهاب ، فأرهبوه ، فإذا به ينزل إلي الشوارع بصدور عارية ، ويصطف في الطوابير معلناً التحدي . واجه الإرهاب الإخواني بالرقص والغناء أمام اللجان .عبثت قوي دولية عديدة بمقدراته ، قصفت عقله بحملات منظمة تستهدف غسله من وعيه بأن ما قام به كان ثورة ، وأنه مجرد انقلاب عسكري مدعوم من فلول نظام مبارك ، وسخروا في سبيل ذلك وسائل اعلام  مقروءة ومسموعة ومرئية ، فإذا بهذا الشعب العبقري يسخر من كل ذلك ، ويلفظه بوعي غير مسبوق ، فأصاب هذه القوي بالصدمة والدهشة . وعجزت عن تفسير المشهد المصري بمقاييسهم المعتادة ، وجهلت هذه القوي أن الشعب مصر لم يكتشف له " كتالوج " يمكن التعامل معه من خلاله ، أو العبث بمكوناته . وقد عزف القرضاوي وأتباعه علي نغمة الدين التي طالما عزفوا عليها ، وكانت تؤتي أكلها مع الشعب المصري المتدين بفطرته ، فأفتي بحرمة الإنتخاب ، فذهبت فتواه أدراج الرياح ، ولم تجد لها في نفوس المصريين من صدي . ذهبت مع ذهاب الإخوان بعدما طوي الشعب المصري وجودهم بالصناديق ، وأفقدهم بها شرعية الكلام وشرعية الحركة وشرعية ارتداء أردية الدين ومسوحه . وقال لهم إن كنتم تؤمنون بالله ورسوله ، فلا ريب أنكم تؤمنون بالقرآن ، والقرآن كلام الله ، والله نزع الملك عن مرسي نزعاً ، وآتاه للسيسي لو كنتم مؤمنين . أما المجموعات الشبابية الرافضة والمحتجة والثائرة بدعوي عودة الحكم العسكري ، أو عودة فلول مبارك ، فقد غاب عن هذه المجموعات أنهم أبناء لتلك المرحلة الفاسدة الفلولية ، تربت علي أيديها ، ونبتت أجسادها من فسادها ، وتنفست عفن تلك المرحلة ، فهم ليسوا أبناء سفاح ، ولا استيراد الخارج ، فلا معني إذن لتلك النغمة المتعالية المتأففة التي يجابهون بها جيل الأباء والأجداد ، فما كنت لو لم يكونوا ، ولا ثرت لو لم يبذروا في أحشائك بذور الثورة ، ويغرسوا في عقلك فسيلتها ، فمعهم عشت ، وبهم تأثرت ، وراثة في جيناتك ، وبيئة في تصرفاتك وأخلاقك وثقافتك . وجحودك لا ينفي هذا الواقع ، بل سيظل معك في بؤرة شعورك وهامشه ، يطاردك أينما وحيثما كنت . وإن أنكرت فضل أسرتك وتربتك ومحيطك فأنت لوطنك مصر أنكر ، ومن ينكر وطنه فهو خائن بلا ريب ، وقابل للبيع والشراء في سوق النخاسة . أما الفئات الليبرالية اللاهثة المتهافتة فقد غاب عنهم أن ليبراليتهم إن لم تخدم الوطن فلا خير فيها ، فليس من المطلوب تغريب مصر بنقلها إلي الثقافة الغربية بحلوها ومرها لأننا سنكون حينئذ عبيد لتلك الثقافة وخدام لها ، وإنما المطلوب تمصير الغرب بثقافته ، بعد أن ننتقي منها ما ينفعنا ونلفظ ما يتنافي مع قيمنا وتقاليدنا وديننا . وحين نوظف أوجاع الشعب المصري لخدمة التغريب ، والمتاجرة بهذه الأوجاع علي كل الموائد بما فيها موائد القمار وأطايب الطعام ، فإننا بذلك نبيع أنفسنا بثمن بخس دراهم معدودة . أما الحديث عن رفع الدعم في ظل تلك الظروف الإنتخابية فلا ريب أنها لعبة خبيثة كانت تستهدف القدح في أحد المرشحين بقصد النيل منه وإحراجه سياسياً . فمن قائل أنهم أرادوا إعفاءه من الحرج أمام ناخبيه حال فوزه ، إلي قائل بأن تلك ملامح المرحلة القادمة لو فاز هذا المرشح . وأنا أري أنها كانت سكباً للبنزين علي النار حتي ولو كان دافعها حسن النية . في هذه الأجواء المكفهرة جرت الإنتخابات المصرية باعتبارها الإستحقاق الثاني في خارطة المستقبل . وانتخبت مصر رئيساً لها ، رغم التحديات والمراهنات والمزايدات ، انتخابات في ظل رقابة دولية ومحلية ،  ومتابعة لحظة بلحظة بكاميرات التلفزة في مرحلتي التصويت والفرز . والغناء والرقص أمام اللجان بعفوية تنفي مزاعم الإضطهاد والقهر والتسلط التي تطلقها أبواق الإخوان والقوي المناوئة . دون ضغوط مادية من خلال الزيت والسكر والمواد التموينية . ودون ضغوط معنوية من خلال التخويف بالجنة والنار . اختار رئيسه بملء إرادته عن قناعة بأن الرئيس السيسي هو رجل المرحلة القادر علي قيادة البلد محلياً وعربياً وإقليمياً ودولياً .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق