أقصد بحمزاوي هنا عمرو حمزاوي . وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعةالقاهرة وباحث أول بمؤسسة كارنيجي للسلام سابقا وباحث في مؤسستي (واشنطن وبيروت) التي يدير بها مشروعي الأحزاب والحركات السياسية العربية وفرص التحول نحو الديمقراطية في العالم العربي . ظهر علي سطح الحياة السياسية المصرية بعد ثورة يناير 2011م . والخلفية الفكرية للرجل ومرجعياته أمر لا يصح إهماله عند النظر في أقواله . حتي يتسني معرفة وإدراك منظومة القيم التي يحاكم الواقع المصري من خلالها . كتب هذا الرجل في الشروق المصرية يوم الخميس 15 مايو 2014 م مقالاً تحت عنوان : " ناخبات استقرار أم تغيير .. المسكوت عنه بشأن النساء " . ويقسم مقاله وفقاً للعنوان إلي ثلاث محاور . المحور الأول : السيسي والمرأة ، والمحور الثاني : حمدين والمرأة ، والمحور الثالث : المسكوت عنه بشأن النساء . ويبدأ مقاله بكلمات ذات مغزي يستفز فيها المشاعر الثورية لدي المرأة باعتبار أن ما حدث منها من مشاركة في 30 يونية ، و3 يوليو ، و26 يوليو لا علاقة له بالثورة . يقول حمزاوي : " بعد مشاركتهن الواسعة فى الحراك الثورى والاحتجاجى منذ ٢٥ يناير ٢٠١١ وبعد تصويتهن فى الاستفتاءات والانتخابات خلال السنوات الماضية، يستحوذ نساء مصر على مساحة معتبرة فى النقاشات العامة وحملات الانتخابات الرئاسية الدائرة اليوم " وقد سكت عن عمد عن المشاركة في ثورة يونيه وما تلاها ، رغم أن المشاركة فيها كانت أكثر عدداً من جانب المرأة ، وأعلي مضموناً . ثم يستطرد حمزاوي قائلاً : " أسجل هذا لأن المضامين التى يخاطب بها النساء تستحق التحليل والمسكوت عنه يستحق الرصد، " . وإذا بالسيد حمزاوي يمارس ما ينتقده ويزعم وجوده في جانب المرشح السيسي وهو الوصائية . وفي محاولة للتنصل من انحيازه ضد ثورة يونيه أثناء تحليله للمضامين التي يخاطب بها النساء ، يقول : " أسجله بعيدا عن قناعتى بكون المشهد الانتخابى القادم منقوص الجدية والتنافسية " ولم يذكر علة منقوصية الجدية والتنافسية في الإنتخابات الرئاسية سوي أنه صاحب موقف مسبق من الثورة ، وكل آراءه اللاحقة علي هذا الموقف مريضة بهذا الداء . وفي إطار تحليله للمضامين تناول في المحور الأول : السيسي والمرأة ، خطاب السيسي للمرأة ، حيث يقول : " يخاطب النساء من قِبَلِ المرشح عبدالفتاح السيسى كناخبات استقرار يتوزعن على جميع الطبقات والشرائح المجتمعية " وهو يأخذ عليه ذلك ، باعتبار أن الإستقرار ضد الحراك الثوري والإحتجاجي ، وهو ما يتعارض مع الموقف الثوري للمرأة التي ينبغي أن تظل ثائرة ، وكأن الإستقرار نقيصة يتعين أن يتخلص المرء منها . ثم يمضي السيد حمزاوي في تبيان مثالب الإستقرار الذي يدعو إليه السيسي قائلاً : " يقترح المرشح السيسى على المصريات أن خلفيته العسكرية ومقولات مرشح الضرورة/ مرشح الدولة/ مرشح الإنقاذ الوطنى التى تحيطه بها النخب الاقتصادية والمالية والإعلامية ستمكنه من تحقيق الاستقرار الذى يعرف سلطويا كالخبز والأمن وتماسك الدولة والمجتمع والتنمية التى يقودها الحكم وفرض الصوت الواحد والرأى الواحد وتجاهل متطلبات الديمقراطية " أي أنه يريد أن يقول للمصريات انتبهن ، هناك مخاطر وراء ترشح السيسي ، فهو باعتباره صاحب خلفية عسكرية ، محاط بمقولات مرشح الضرورة / الدولة / الإنقاذ الوطني ، تحيطه صفوة نخبوية من رجال الإقتصاد والمال والإعلام ، بهذه الإعتبارات يمكنه تحقيق الإستقرار . ولكن أي استقرار : إنه استقرار الخبز والأمن ، وتماسك الدولة والمجتمع والتنمية ، ولكنه يأتي علي حساب التعددية السياسية ، ومتطلبات الديمقراطية ، حيث يتم فرض الصوت الواحد والرأي الواحد . وهذا يعد مناقضاً لأهداف الثورة وغاياتها ، وعودة إلي الوراء برعاية الصفوة النخبوية المشار إليها . وأكاد أجزم أن هذه الرسالة هي الأصل وما عداها من طنطنات هوامش عليها . أما المحور الثاني للمقال : حمدين والمرأة ، فنجد أنه يرجح كفة حمدين علي كفة السيسي في مضمون خطابه إليها ، ليس لأن ذلك يمثل الواقع ، ولا حباً في حمدين ، ولا إمتداحاً لموقفه من المرأة ، وإنما لتصور مرضي بأن امتداح حمدين في هذا الجانب يعد انتقاصاً من قدر السيسي ، والدليل أنه يعتبرأن مشاركة حمدين في الإنتخابات هو مجرد استكمال للشكل في تلك الإنتخابات الديكورية التي تجمل من شكل الإنقلاب في تصوره . يقول حمزاوي : " ومن قِبَلِ المرشح حمدين صباحى كناخبات يطلبن التغيير والعدالة الاجتماعية وينتمين أيضا لجميع الطبقات والشرائح " . لاحظ الإشارة إلي طلب التغيير ، يعني الثورة . ثم يستطرد : " يقترح المرشح صباحى على الناخبات أن همومهن المعيشية ومعاناة أسرهن اليومية ستتراجع ما أن تطبق برامج العدالة الاجتماعية التى يعد بها، وأن الباحثات عن الديمقراطية وحقوق الإنسان سيجدن لديه ــ صاحب التاريخ النضالى ــ ترجمة سريعة لأهداف العدالة الانتقالية وإطلاق سراح المعتقلين والمحتجزين والمسجونين لأسباب سياسية ووقف جميع انتهاكات الحقوق والحريات " لاحظ هنا المفردات المستخدمة ، وكأنه يعمد إلي القول بأن هذه المفردات لا وجود لها مع السيسي . وهي مغازلة للمصريات بكلام حمدين لاحساسه بالتأييد الكاسح للمرأة المصرية للمشير السيسي . وهو قد أقر بذلك مرغماً حين قال : " وعلى الرغم من محاولات المرشح صباحى للمزج فى خطابه بين التغيير وبين تحقيق الاستقرار الإيجابى، إلا أن هيمنة المرشح السيسى على المضامين المرتبطة بالاستقرار تكاد تكون شبه كاملة - وهى الهيمنة التى صنعها الصوت الواحد خلال الأشهر الماضية والترويج لسياسات وممارسات الحكم / السلطة كالبديل الوحيد لتحقيق الاستقرار وتخوين جميع الأصوات والمجموعات المعارضة " . ورغم إقراره بالهيمنة إلا أنه لم يرجعها إلي الأسباب الحقيقية ، التي تعود إلي الإيمان والثقة التي انبثقت مع موقف السيسي من ثورة يونيه ، وأرجعها إلي أسباب لا تخلق الهيمنة ، وإنما النفور والتضجر . ثم يستطرد حمزاوي إلي القول بأن النساء قد اختزلن في موقفين وهما المشار إليهما آنفاً . ثم يدلف حمزاوي إلي المحور الثالث : المسكوت عنه بشأن النساء . وفي هذا المحور يدفع حمزاوي المصريات إلي تبني وجهة نظره في السيسي ، وثورة يونيه ، ويدفعهم إلي العمل عليها باعتبارها خيارهن / النموذج حتي لا يقعن فريسة سهلة لدولة السيسي كما يراها . يقول حمزاوي : " والمسكوت عنه، هنا، هو أن النساء (وعلى امتداد الطبقات والشرائح المجتمعية المختلفة) أقدر من غيرهن على تفكيك المقايضات السلطوية وإدراك أن المظالم والانتهاكات لن تحقق لا الاستقرار ولا التنمية، وأن جغرافيا الحزن والعقاب والإقصاء التى تنتشر اليوم فى مصر تهدد تماسك الدولة والمجتمع، وأن التغيير لا يعنى التهاون مع ضرورات مواجهة الإرهاب والعنف فى إطار من سيادة القانون وضمانات الحقوق والحريات. هن أقدر من غيرهن على ذلك لمعانتهن المستمرة من التهميش إن من الحكم/ السلطة أو من مؤسسات الدولة أو قوى المجتمع " . وهذا الكلام التحريضي الطافح بكل ألوان الحقد ، البعيد عن التحليل العلمي لمضامين خطابات المرشح السيسي لا يتسق مع واقع الحال ، وحالة الهيمنة التي يتمتع بها السيسي علي قلوب المصريين بغض النظر عن الإختلاف في تفسير أسبابها . ثم يختتم حمزاوي كلامه بقوله : " المسكوت عنه أيضا بشأن النساء هو وضعية حقوقهن وحرياتهن الشخصية والمدنية. فقد عانت المرأة المصرية بين ٢٠١١ و٢٠١٣ من وصائية اليمين الدينى، والآن يعرض عليها المرشح عبدالفتاح السيسى وصائية من نوع آخر تريد التدخل فى الحياة الخاصة والعامة (القيم والأخلاق والتقاليد والعادات والفكر والدين) ويصمت المرشح حمدين صباحى عن الأمر وكأن المرأة لم تبحث إلا عن الحقوق والحريات العامة (خاصة الاقتصادية والاجتماعية) وتناست وضعيتها الخاصة فى دولة تهمشها ومجتمع يضغط عليها باستمرار" . وهو في هذا الختام ينصب نفسه مدافعاً عن حقوق المرأة وحريتها الشخصية والمدنية ، فيرصد ـ دون خجل ـ معاناتها من وصائية اليمين الدين / حلفاء الأمس / المدافع عن مدنيتهم ضد الإنقلاب اليوم . محذراً إياها من عرض السيسي الذي ينطوي علي وصائية من نوع آخر . وصائية مفترضة استقاها من حوار السيسي عن القيم والأخلاق والتقاليد والعادات والفكر الديني . وهو بذلك قد أفصح عن نفسه بلا مواربة ، لأن ما تحدث به السيسي تحدث به الدستور سواء الإخواني الملغي أو دستور ثورة يونية ، فنحن مجتمع له تراث هائل من هذه القضايا ، وليس مجتمع متفلت تحت عناوين الحرية والديمقراطية بالمفاهيم الغربية التي تبيح التحلل من مثل هذه الأمور .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق