Ads

قواعد اختيار رئيس الدولة القادم في ميزان الفقه الإسلامي

بقلم : د. عبد الحليم منصور

- تتجه أنظار العالم إلى مصر في الأيام القليلة المقبلة لمتابعة اختيار المصريين لرئيسهم المنتظر في الفترة المقبلة ، ويتابع المصريون عن كثب برامج كلا المرشحين اللذين أقفل عليهما باب الترشيح ، وانطبقت عليها شروط خوض انتخابات الرئاسة وهما : السيد . حمدين صباحي ، والسيد . عبد الفتاح السيسي ، وكثير من الناس ربما لا تتضح لديه قواعد المفاضلة والاختيار بين المرشحين ، وفيما يأتي نضع الضوابط العامة التي يجب أن يبني عليها كل ناخب أساس اختياره ، حتى يتحقق لمصر الأمن والأمان ، والرخاء والاستقرار . 
أولا -  أن يكون قويا أمينا : 
- لا بد أن يكون رئيس الجمهورية  القادم قويا أمينا كما أخبر القرآن الكريم عن موسى عليه السلام على لسان إحدى ابنتي شعيب قال تعالى :" قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ " وما أحوج مصر في الفترة المقبلة إلى حاكم قوي ، نافذ الكلمة ، مسموع الرأي ، ذي هيبة لدى جموع الشعب ، حتى يستطيع أن ينفذ قراراته على الجميع ، من أفراد الشعب ، ومن المسئولين في شتى قطاعات الدولة المختلفة ، ولا تكون قراراته حبرا على ورق لا قيمة لها ، وحتى يستطيع أن يعلي من قيمة القانون وتطبيقة على الجميع بلا استثناء ، وأن يكرس لدولة حديثة ، تسمى دولة القانون ، لا دولة الوساطة والمحسوبية ، والبيروقراطية .
- وقد تحدث ابن تيمية عن اختيار الحاكم القوي ، حتى ولو كان فاجرا ، إذا كان في اختياره تحقيق مصالح المسلمين ، فما بالنا لو انضم إلى القوة الحفظ والعلم ، والأمانة ، والرؤية المستقبليه ، والقدرة على التخطيط والتعامل مع المخاطر التي تهدد البلاد ، فإنه يكون حريا بالاختيار من باب أولى . 
- قال ابن تيمية :" .. فالواجب فى كل ولاية ، الأصلح بحسبها ، فاذا تعين رجلان ، أحدهما : أعظم أمانة ، والآخر أعظم قوة ، قدم أنفعهما لتلك الولاية ، وأقلهما ضررا فيها ، فيقدم فى إمارة الحروب الرجل القوى الشجاع ، وإن كان فيه فجور ، على الرجل الضعيف العاجز ، وإن كان أمينا ، كما سئل الإمام أحمد عن الرجلين يكونان أميرين فى الغزو ، وأحدهما قوى فاجر ، والآخر صالح ضعيف ، مع أيهما يغزى ، فقال : أما الفاجر القوى فقوته للمسلمين ، وفجوره على نفسه ، وأما الصالح الضعيف فصلاحه لنفسه ، وضعفه على المسلمين ، فيغزى مع القوى الفاجر ، وقد قال النبى ( إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ) 
- ولا بد أيضا أن يكون أمينا على جميع المواطنين ، على مصالحهم ، وأرزاقهم ، وأحوالهم المختلفة في شتى مناحي الحياة ، الأحوال الاجتماعية ، والاقتصادية ، والتعليمية ، والسياسية ، يشعر بآلامهم ، وأجزانهم ، ويعلي من قيمة الإنسان المصري .
- وأن يكون أمينا على المال العام ، وأن يحافظ عليه ، وأن يحدث طفرة في العدالة الاجتماعية ، والمساواة بين المواطنين التي تنص عليها كل دساتير العالم ،  ولكنها على أرض الواقع شيء نظري بحت . 
- نريد من الرئيس القادم أن يكون مؤمنا بالعدالة الاجتماعية ، والمساواة بين جموع المواطنين ، قولا وعملا ، وتطبيقا على أرض الواقع ، وأن يكون حاكما وراعيا للجميع كما قال عليه الصلاة والسلام ففي الحديث عَبْدَ اللَّهِ بن عُمَرَ يقول سمعت رَسُولَ اللَّهِ e يقول كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مسؤول عن رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ ومسؤول عن رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ في أَهْلِهِ وهو مسؤول عن رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِهَا ومسؤولة عن رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ في مَالِ سَيِّدِهِ ومسؤول عن رَعِيَّتِهِ قال وَحَسِبْتُ أَنْ قد قال وَالرَّجُلُ رَاعٍ في مَالِ أبيه ومسؤول عن رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ ومسؤول عن رَعِيَّتِهِ " 
ثانيا – أن يكون حفيظا عليما : 
- طلب يوسف عليه السلام أن يكون على خزائن أرض مصر لا بنبوته وتقواه وإنما بعلمه وحفظه وأمانته قال تعالى " قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم " فهاتان صفتان تعمان وجوه المعرفة والضبط .
- ومن ثم فلا بد أن يكون الرئيس القادم عالما بمتطلبات المرحلة المقبلة ، ولديه الرؤية الكافية لتقديم الحلول ، لحل المشكلات التي يعاني منها المواطن المصري ، مثل البطالة ، والعشوائيات ، والدخل ، والكهرباء ، والمياه ، ورغيف الخبز ، والعدالة الاجتماعية ، والمساواة بين المواطنين ، وتطبيق القانون على الجميع ، وتحقيق الأمن والأمان للمواطنين ، والحفاظ على هيبة وكرامة المواطن المصري، والحفاظ على مياة النيل ، وحل مشاكل الزراعة ، والصناعة ، ومشاكل الاستثمار ، وغير ذلك من المعضلات التي تواجه الرئيس القادم ، والأهم من ذلك كله ضبط الشارع المصري من الفوضى التي ألمت به ، وإزالة العشوائيات والتعدايات على المال العالم ، وعلى هيبة الدولة ، وأن يكون حريصا على أموال الشعب بحيث يصل حق كل مواطن إليه على النحو المنشود .
- لابد للرئيس القادم من أن يكون لديه فكر وتخطيط استراتيجي قريب المدى ، وبعيد المدى ، وأن يتعاون مع الخبراء في كل المجالات المختلفة ، دون نظر إلى توجهه السياسي وإنما النظر الأول والأخير هو الكفاءة ومصلحة الوطن أولا وآخرا . 
ثالثا – الكفاية البدنية الإدارية : 
- لابد أن يكون الرئيس القادم ، لديه من الخبرة العلمية والإدارية ما يؤهله للقيام بمهام منصبه على النحو الأمثل ، ولقد تحدث القرآن الكريم عن ذلك ، لما طلب الملأ من بني إسرائل من بعد موسى أن يبعث الله لهم ملكا كي يقاتلوا في سبيل الله ، أرسل الله لهم طالوت ملكا ، كي يحقق لهم ما أرادوا ، وبين لهم أن أسس الاختيار تكمن فيما يتحلى به طالوت مما اجتباه الله به من البسطة في العلم ، والجسم ، وهما الكفاية العلمية والإدارية والجسمية بحيث يقدر على القيام بالمهمة التي كلف بها ، دون نظر إلى ما سوى ذلك من مال ، أو جاه أو سلطان ، كما زعم بعض المشككين في اختياره ، يحكي القرآن القصة قائلا :" وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " وكانت نتيجة الاختيار الصحيح ، تحقيق النجاح ، وإنجاز المهمة على الوجه الأمثل ، والانتصار على العدو قال تعالى أيضا :" فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ "
- ولهذا كان النبى يستعمل خالد بن الوليد على الحرب منذ أسلم وقال ( ان خالدا سيف سله الله على المشركين ( مع انه أحيانا قد كان يعمل ما ينكره النبى حتى إنه مرة قام ثم رفع يديه إلى السماء وقال ( اللهم إنى أبرأ اليك مما فعل خالد ( لما ارسله إلى بنى جذيمة فقتلهم واخذ اموالهم بنوع شبهة ولم يكن يجوز ذلك وانكره عليه بعض من معه من الصحابة حتى وداهم النبى عليه الصلاة والسلام ، وضمن أموالهم ومع هذا فما زال يقدمه في إمارة الحرب لأنه كان اصلح في هذا الباب من غيره وفعل ما فعل بنوع تأويل . 
- وبالجملة فالرئيس القادم ، لابد أن يكون أمينا على شعب مصر ، عالما بمشاكله ، وقادرا على التعامل معها ، قويا في تطبيق القانون على الجميع ، ولديه الرؤية والقدرة على التخطيط ، والتطبيق على أرض الواقع ، وتحقيق الحد الأدنى للآدمية ، والكرامة الإنسانية ، والعدالة الاجتماعية ، وأن يكون رئيسا لكل المصريين . 
- حمى الله مصر ، ووقاها شر الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، اللهم آمين .

0 تعليقات:

إرسال تعليق