Ads

أزمة الدواء إلى متى؟!

الناقد والباحث: وائل النجمي

في كل يوم تزداد أزمة الدواء شراسة وضراوة، لقد بدأ الأمر بمجموعة من الأدوية ذات الأسعار المرتفعة، والتي تتوفر لها بدائل كثيرة، لكن شيئا فشيئا طال الأمر البدائل، ثم طال الأمر أدوية ليس لها بدائل، وفي كل يوم تقريبا وبعد متابعة مع العديد من الأصدقاء الصيادلة يختفي صنف جديد ليدخل ضمن قائمة طويلة اسمها (النواقص). قد يكون ابنك او ابنتك او أمك او أخوك أو أنت من يحتاج لصنف ما من هذه القائمة الطويلة، وفي الوقت نفسه، يزداد الأطباء ضراوة في كتابة هذه الأصناف دون غيرها، وحث المريض على الذهاب لأخر الدنيا بحثا عن هذا الدواء دون أي بديل آخر، بدءا من حقن القيء، انتهاء بمسكنات الروماتيزم، كل داء له في قائمة النواقص دواء.لماذا لدينا أدوية ناقصة غير موجودة في الصيدليات؟ لماذا اذا ما رغبت في شرائها بأي ثمن فلن تجدها؟ ولماذا يستمر الأطباء في كتابة هذه الأصناف دون غيرها، بعد فحص ومحص وتدقيق عرفت أن الأمر يرجع لسببين، الأول أن يكون هناك عجز في المادة الخام لهذا الدواء دون غيره، وهو ما يجعل خط الانتاج يتوقف لدى الشركة القائمة بالتصنيع، وهو أمر خارج عن الارادة ولا نقول فيه شيئا سوى محاولة العمل على توفير هذه المواد الخام ومراعاة أن يكون لدى مصر مخزون أمان من المواد الدوائية الخام، لكن العديد من الصيادلة أكد لي أن مثل هذه الحالة ليست منها مشكلة، فبمجرد توفر المادة الخام تعوض الشركة الانتاج، وتنته الأزمة، لكن المشكلة في الحالة الأخرى.
الحالة الأخرى أن يقوم أحد سماسرة الدواء بشراء كامل انتاج خط دوائي معين، بل أحيانا يقوم بجمع هذا الدواء بأكبر قدر ممكن من مندوبي الأدوية والصيدليات نفسها، ومن هنا يصبح هذا الصنف غير موجود في سوق الدواء، وفي الوقت نفسه، يتم دفع الأطباء من خلال مندوبي الأدوية بوصف هذا الصنف دون غيره بكثافة في روشتاتهم، فتنهال الطلبات على الصيادلة، فيضطرون لتوفير هذا الصنف بأي شكل كان، فليجئون لهذا الشخص الذي خزن الدواء، وهنا تبدأ المساومة، حتى يصل الأمر أحيانا لشراء الدواء بالمبلغ نفسه الذي سيتم بيعه للجمهور، على أمل أن يَقْنَع الصيدلي بالمكسب الذي سيعود عليه من باقي أصناف الروشتة، وقد قال لي أحدهم: كان هذا الأمر مقبولا مع صنف أو صنفين، لكن القائمة كل يوم في اتساع، وأحيانا تقوم الشركة نفسها بتعطيش صنف معين في السوق حتى تساوم وزارة الصحة على توفيره مقابل رفع ثمنه.
وبعيدا عن انزعاجي الشديد من معرفتي أن المتحكم الأساسي في الدواء الذي يتم كتابته للمريض هو العلاقة بين مندوب الأدوية والطبيب، وليس احتياج حالة دون أخرى لنوع معين، وهي الأمور التي لن تحل إلا إن طبقنا المتبع في العديد من البلدان المتقدمة من تسمية الدواء بالاسم العلمي لا التجاري، وإعادة دور الصيدلي في وصف الدواء بعد التشخيص، لكن ربما هذا له مقال لاحق، المهم الآن، واضح جدا أن ما لدى أجهزة الدولة من رقابة على سوق الأدوية غير كاف، خاصة أنني اعتقد أن النظام المتبع في رقابة سوق الأدوية لا يحقق فصل المنفعة عن الممارسة، فأغلب المنوط بهم تحقيق هذه الرقابة هم أساسا أصحاب صيدليات أو مساهمين في شركات أدوية، ويبدو أن قائمة (النواقص) تزيد كل يوم عن قبله دون رادع أو ضابط، وقد اشتريت بنفسي أحد منتجات الأدوية بسعرين مختلفين (بزيادة جنيه لاحد مراهم العيون) من صيدليتين على مقربة من بعضهما، فإلى متى هذه الأزمة؟ هل يمكن تشكيل لجنة لإدارة أزمة الدواء في مصر والانتهاء من هذا بتعديل او تغيير في تشريعات ما؟ أو في وسائل وأشكال الرقابة على السوق؟ اعتقد أننا بحاجة ماسة للاهتمام بهذه القضية الآن قبل الغد.

0 تعليقات:

إرسال تعليق