Ads

حـســـن زايــــد .. يـكتـب : الغـنــوشــي وحــاضـنـــة الإنــقــــلاب

يُقال أن الإعتراف بالحق فضيلة . وهذا الإعتراف يعني ضمنياً أن الإنسان كان في موقف ما علي باطل ، فلما تبين له الأمر ، لم يركبه العناد ، ولم يستذله الغرور ، ولم يعقه الصلف ، عن الإعتراف بباطله ، وحق الغير . وليس من المنطقي بحال أن يعترف الإنسان بالحق الذي عليه غيره ، ثم يظل مستمسكاً بباطله ، متشبثاً به تحت أي دعوي أو ذريعة . ولو ظل الإنسان متشبثاً بباطله لما كان هناك معني لاعترافه بالحق . لأن المقصود بالإعتراف بالحق هو إفراغ النفس والعقل مما تحتويه من باطل ، فالحق والباطل في موقف واحد لا يجتمعان معاً في عقل ووجدان واحد . فمستحيل أن يؤمن الإنسان بالشيء ونقيضه في آن واحد معاً . فلكي يدخل الحق المعترف به ، لابد أن يخرج الباطل . والواقع أن الإيمان بالشيء ونقيضه قد وقع ، لو صح ما نقلته جريدة الوطن المصرية ، في عددها الصادر الإثنين الموافق الخامس من مايو 2014 م ، عن راشد الغنوشي ، زعيم حزب النهضة التونسي ، في صفحتها الأولي . فقد نقلت عنه قوله ، وهو عضو التنظيم الدولي للإخوان : " إنهم تصرفوا بطريقة صبيانية أفقدتهم الحكم ، ونصحناهم لكن لا حياة لمن تنادي " . وهو توصيف لاذع ، لو خرج من غير الغنوشي ، لاتهم بالكفر والزندقة ، ومعاداة المشروع الإسلامي ، ومناهضته . أما وأنه قد صدر عن الغنوشي ، فلابد من الوقوف عنده ، وتأمله ، لأنه قد وصم تنظيمه ، ومكتب إرشاده ، بالصبيانية في التصرف ، والموات . فمن المعروف أن الصبي هو من لم يبلغ سن الرشد العقلي بعد ، ومن ثم فهو غير مؤهل للحكم علي الأشياء والمواقف ، وإن حكم فلا يعتد بحكمه ، وهو من الأصل غير مسئول عن تصرفاته لا شرعاً ولا قانوناً ، وإن سُئِل فإنه يُسأل باعتباره حدثاً ، ويعاقب بمقتضي ذلك معاقبة الصغار . فإن وصفت تصرفات أناس تجاوزوا العقد السادس والسابع والثامن من العمر بهذا الوصف ، فلا مناص من الحجر عليهم ، ومنعهم من التصرف في ممتلكاتهم ، لفقدانهم الأهلية . والواقع أن هذا الوصف من الغنوشي لتصرفات الإخوان لا يفقدهم الحكم وفقط ، وإنما يفقدهم الحكم والأهلية . ثم يذهب الغنوشي إلي وصفهم بالأموات الذين لا يسمعون ، فقد ناداهم بالنصيحة ، ولكن لا حياة لمن تنادي . وأضافت الصحيفة أنه قال خلال مداخلة مطولة باجتماع قادة التنظيم الدولي في اسطنبول منتصف شهر إبريل 2014 م : " بعد دعوة النظام السابق ـ يقصد نظام مبارك ـ القوي الوطنية للحوار ، عقب انتفاضة 25 يناير ، نصحت الإخوة في مصر بعدم التجاوب معها  ، لأن هبة الشارع تزداد ، وأية حلول وسط هنا أو هناك سيسقطها ميدان التحرير فوراً " . وهذه العبارة تدل دلالة واضحة ، لا تقبل الشك ، علي تدخل التنظيم الدولي للإخوان ، في إدارة شئون البلاد منذ اللحظات الأولي . وهذا يقدح بلا ريب في وطنية الجماعة ، ومدي حفاظها علي الأمن القومي المصري . ثم تضيف الصحيفة أن الغنوشي قد استنكر تراجع الإخوان عن عدم خوض انتخابات الرئاسة 2012 م ، قائلاً : " سارت عكس ما قالوا ، وجرت الإنتخابات وهيمنوا وحلفاؤهم علي الأغلبية ، ولم يراعوا للحظة باقي شرائح الشعب المصري ، ولم يأتمنوا أي طرف وعاشوا جو المؤامرة ، وأرادوا أن يُحكموا سيطرتهم علي مفاصل الدولة " . وما قاله الغنوشي كلمة حق في مواجهة إخوانه ، وليست في مواجهة الجمهور العام . وما ورد علي لسانه هو من دواعي الثورة التي ينكرونها علي الشعب ، ويسعون وسع الطاقة لإسقاطها . فقد استغل الإخوان وحلفاؤهم الدعاية الدينية في الإنتخابات البرلمانية أسوأ استغلال ممكن . واستغلوا استثماراتهم في التفاعل مع الفقراء والمساكين طوال عمرهم إلي أقصي حد . واستغلوا الفقر الذي ضرب بجذوره المتعفنة أطناب الأرض عن طريق المواد التموينية  والنقود التي مدوا بها أيديهم إلي الفقراء وذوي الحاجة . فلما دانت لهم الأغلبية قلبوا للمجتمع المصري ظهر المجن  ، وأقصوه عن المشاركة الفاعلة في الحياة النيابية ، واستغلوا الأغلبية العددية في تمرير أو إيقاف ما يرغبون . وهم كما قال الغنوشي لم يأتمنوا أي طرف وعاشوا جو المؤامرة ، لأنهم بحكم تواجدهم غير الشرعي في المجتمع ، والمطاردات الأمنية المتلاحقة لهم بهذا الإعتبار ، فإنه يصعب عليهم الثقة في غيرهم ، أو إئتمانه علي أسرارهم ومخططاتهم ، ودائماً هم أسري الشعور بالتوجس من الغير ، وأن الكون كله يتآمر علي كيانهم ووجودهم  ، وهذه النفس المريضة يصعب عليها ، إن لم يكن مستحيلاً ، أن تحكم دولة ، وإنما فقط جماعة منغلقة تدير نشاطاتها تحت الأرض ، وفي جنح الظلام . ويستطرد الغنوشي بحسب الصحيفة : " جاءني الخبر ، وكنت في اجتماع مجلس الشوري بحزب النهضة ، فقلت لنفسي وللمجتمعين ، الله يعوض عليكم في إخوانكم في مصر ، قرروا بهذه الخطوة سرعة نهاية تجربتهم ، نصحناهم ولكن لا حياة لمن تنادي ". وقد صحت نبوءة الغنوشي ، وهي نبوءة مبنية علي رؤية واضحة للمشهد السياسي ، فهذه المقدمات تفضي إلي تلك النتائج . ولكن المستغرب مع هذه الرؤية استنكار النتيجة ، وبدلاً من تسميتها ثورة شعب علي نظام بهذه المواصفات سموها انقلاباً علي الإرادة الشعبية . وقد لفت الغنوشي ـ بحسب الصحيفة ـ إلي أنه قال للإخوان خلال جولة الإعادة علي انتخابات الرئاسة : " أتمني عليكم أن تنسحبوا من المعركة ، وافتحوا المجال للرجل الذي حصل علي الترتيب الثالث ـ يقصد حمدين صباحي ـ لينافس مرشح النظام ـ يقصد أحمد شفيق ـ وادعموه بكل قوة وانا علي ثقة بأن النتيجة ستكون ساحقة ، حتي أصبح من الإخوان رئيس ، والرئيس يعمل في مكتب الإرشاد " . دعك مما قد تحمله هذه الفقرة من رسالة مشفرة للإخوان بشأن الإنتخابات الحالية ، فهي لا تخفي علي العين الفاحصة . وانظر إلي الفقرة الأخيرة التي تحمل في طياتها أسباب كفيلة إن توفرت بخلع هذا الرئيس المرؤوس . لأن محمد مرسي لم يكن رئيساً ، وإنما مندوب الإخوان في قصر الرئاسة . فلما النعي علي الشعب المصري ثورته ؟ . وها هي أسبابها تتري . ثم تنقل الصحيفة عن الغنوشي وصفه للجدل المحتدم حول ما حدث يوم 30 يونيه بأنه جدل : " مقيت " . حيث قال : "حصل ما حصل ، لكني أسألهم أليسوا مسئولين عن هذا الإنقلاب ، ألم يحظ الإنقلاب بحاصنة شعبية فاقت أضعاف ما حصلوا عليه من أصوات في انتخابات الرئاسة ؟ " . نعم يا أخ راشد . ولكن هل يليق واقعياً وفكرياً أن تسمي هذا المشهد انقلاباً ، أي انقلاب هذا الذي يحوز تأييد أفراد فاقت أعدادهم أضعاف ما حصل عليه مرسي من أصوات ؟ . إذن فهو انقلاب شعبي قد سُقت أسبابه ، أيده الجيش . الحاضنة الشعبية له تفوق أضعاف الحاضنة الشعبية لنظام الإخوان . ويبدو أن الغنوشي قد اشتم في كلامه رائحة تأييد للإنقلاب ، فاستدرك قائلا : " لا تفهموني خطأً ، أنا ضد الإنقلاب ، وأطالب بالرجوع عنه ، لكن هذا  من الماضي  ، وعلي الجميع استخلاص العبر ، خاصة علي ضوء محاولتهم اللجوء لتنظيمات جهادية وسلفية لمساعدتهم في مواجهة العسكر" وهكذا جمع الغنوشي بين المتناقضات انتصاراً لتوجهه الأيديولوجي ، فقال بالحاضنة الشعبية ، وقال بالإنقلاب ، وهما لا يجتمعان معاً . كما قال أنه ضد الإنقلاب الذي يتمتع بالحاضنة الشعبية ، ومع شرعية إخوانه الفاقدين للحاضنة الشعبية ، وهما أيضاً لا يجتمعان معاً .  ويبقي السؤال : كيف يتسني لكم إطلاق مصطلح الإنقلاب علي حركة جماهيرية عارمة احتضنها الجيش وحماها من بطش جماعتكم وهمجية تصرفاتها ودموية تفكيرها وسُقم وجدانها وعجز إدراكها ؟ .

0 تعليقات:

إرسال تعليق