Ads

الملامح العامة للاقتصاد المصري

الدكتور عادل عامر
مما لا شك فيه أن ثورة الخامس والعشرين من يناير، وما أحدثته من تغيرات بالمجتمع المصري، سوف تؤدي علي المدي الطويل إلي نقل مصر اقتصادياً إلي آفاق أوسع وأعلي عن طريق حسن إدارة الموارد المتنوعة لمصر سواء كانت بشرية، أو مادية، أو مالية أو معرفية، وذلك بإتباع أساليب الحوكمة الرشيدة. هذا ويتطلب وضع رؤية مستقبلية للاقتصاد المصري وما ينبغي أن يكون عليه، التطرق أولاً لأهم المراحل التي مر بها الاقتصاد المصري وذلك علي النحو التالي:
أولا: الإصلاح الاقتصادي والتحول في الاقتصاد المصري:
بدأت محاولات الإصلاح الاقتصادي، والتي شكلت ركائز التحول في الاقتصاد المصري منذ فترة زمنية طويلة، إلا أن هذه المحاولات قد تعرضت لعدد من التقلبات، وفيما يلي عرض لأهم المراحل التي مر بها الاقتصاد المصري خلال فترات الإصلاح الاقتصادي:
المرحلة الأولي. بداية التحول في الاقتصاد المصري خلال الفترة (1974-1982):
بحلول عام 1974 كانت مصر قد توجهت نحو الانفتاح الاقتصادي، وحدث تحول جذري في النظم والسياسات الاقتصادية بها، وكانت أبرز ملامح هذه المرحلة هي التحول عن نظام التخطيط الشامل، والاستعانة برأس المال العربي والأجنبي في التنمية في ظل قوانين الانفتاح الاقتصادي. فقد وصل معدل النمو خلال تلك الفترة إلي 9.8% إلا أنه ارتبط بالنمو في القطاعات الخدمية دون الإنتاجية. هذا وقد حقق الاقتصاد المصري نمواً بمعدل حوالي 6% سنويا خلال السنوات العشر التي تلت عام 1975 إلا أن هذا المعدل المرتفع ربما يرجع لظروف عارضة مر بها العالم، وتأثرت بها مصر- وليس نتيجة لمقومات داخلية - ومن هذه الظروف علي سبيل المثال:
1- الزيادة الكبيرة في أسعار النفط بعد حرب أكتوبر 1973، والتي استمرت حتى عام 1979.
2- ارتفاع عائدات قناة السويس بعد معاهدة كامب ديفيد والسلام في المنطقة وإنهاء الحرب وإصلاح القناة وإعادة فتحها.
3- المساعدات الخارجية لمصر.
4 - زيادة تدفق تحويلات المصريين العاملين بالخارج نتيجة لتحسن أداء اقتصاديات الدول الخليجية، والذي أدي إلي زيادة الطلب علي العمالة، وبالتالي تدفق أعداد كبيرة من العمالة المصرية نحوها.
هذا وقد وصلت الطفرة النفطية إلي قمتها في عامي 1980 و1981، ثم تراجعت أسعار النفط بشكل كبير عام 1982. وهكذا بدأ الاقتصاد المصري يعاني من أوجه القصور والضعف الهيكلي والتمويلي به، وسعت مصر إلي محاولة استمرار توجيه استثماراتها إلي البنية الأساسية باعتبارها ضرورة للنمو والتقدم خلال المراحل التالية، وقد تم تمويل ذلك بالاقتراض الخارجي وبنهاية الثمانينيات بدأت تظهر ملامح ضعف الأداء والانخفاض الشديد في معدلات النمو الاقتصادي، والاختلالات في هيكل الاقتصاد الكلي المصري؛ فقد زاد الاعتماد علي العالم الخارجي في تلبية احتياجات مصر من السلع الاستهلاكية والوسيطة والاستثمارية، الأمر الذي أدي إلي زيادة المديونية الخارجية لمصر من حوالي 1.6 مليار دولار عام 1971 إلي حوالي 28.6 مليار دولار عام 1982. كما تفاقم العجز في الموازنة العامة للدولة خلال نفس الفترة، لذا كان من الضروري أن تبدأ الحكومة في تبني برنامج محدد المعالم للإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي.
المرحلة الثانية: التثبيت الاقتصادي والتكيف الهيكلي ( برنامج الإصلاح الاقتصادي 1991- 1997)
كان من أهم ملامح هذه المرحلة التحول إلي إعمال آليات السوق واتخاذ السياسات اللازمة لتصحيح الاختلالات النقدية والهيكلية، والاتجاه نحو خصخصة النظام الاقتصادي، بمعني فتح مجال أوسع أمام وحدات القطاع الخاص في مجالات الاستثمار والإنتاج والتشغيل في مقابل تراجع دور الدولة في هذه المجالات.
في أوائل عام 1991 أبرمت الحكومة المصرية اتفاقها مع صندوق النقد الدولي، والذي تمثل في برنامج للتثبيت الاقتصادي والتكيف الهيكلي بهدف علاج الاختلالات الداخلية والخارجية التي يعاني منها الاقتصاد المصري.
و تمثلت أهم دوافع تبني هذا البرنامج فيما يلي:
الدوافع الداخلية:
1- عجز الموازنة العامة للدولة، عجز ميزان المدفوعات، ضعف معدلات النمو الاقتصادي، والضغوط التضخمية.
2- تفاقم المديونية الداخلية للدولة وارتفاع أعبائها.
3- الاختلالات الهيكلية وتدهور الأداء الاقتصادي للقطاع العام، وتدهور البنية الأساسية والخدمية.
4- عدم ملاءمة المناخ الاقتصادي والاجتماعي في مصر لجذب المزيد من رؤوس الأموال العربية والأجنبية.
5- ارتفاع معدلات التضخم إلي مستويات غير مسبوقة.
6- ارتفاع معدلات البطالة وعدم قدرة مشروعات الدولة وحدها علي استيعاب الوافدين الجدد علي سوق العمل
الدوافع الخارجية:
1- تفاقم المديونية الخارجية وتضاؤل القدرة علي الاستمرار في السداد وإعراض الجهات المانحة عن تقديم المساعدات لمصر دون إصلاح.
2- فقدان مصر لمعظم الأسواق التقليدية لصادراتها السلعية نتيجة للتغييرات المتلاحقة في النظام الدولي ، لذا فقد تم التوصل من خلال المشاورات بين الحكومة المصرية وكل من صندوق النقد والبنك الدوليين إلي أن جوهر المشكلة الاقتصادية في مصر يتمثل في اختلال التوازن بين جانبي العرض والطلب في الاقتصاد القومي، بمعني زيادة الطلب عن العرض. ووفقاً لهذا التشخيص، فإن الإصلاح الاقتصادي لن يتحقق سوي من خلال اتخاذ عدد من الإجراءات الأساسية وهي:
ـ تحرير الأسعار.
ـ تخفيض سعر صرف الجنيه المصري.
ـ تحرير سعر الفائدة وسعر الصرف.
ـ إتباع سياسة مالية ونقدية انكماشية، مما يؤدي إلي تراجع الطلب الكلي في الاقتصاد المصري، الأمر الذي يترتب عليه انتقال عناصر الإنتاج من قطاع إنتاج سلع الاستهلاك المحلي - حيث ينخفض الطلب عليها - إلي قطاع إنتاج سلع التصدير، إذ يزداد الطلب عليها في الخارج نظراً لتخفيض قيمة الجنيه المصري. وهكذا تزداد الصادرات المصرية وتتراجع الواردات بسبب ارتفاع سعرها في ظل تخفيض قيمة الجنيه - ومن ثم ينخفض العجز في ميزان المدفوعات.
أن دول الخليج العربية، خاصة الإمارات، سوف تسهم في تنفيذ برنامج إصلاح الاقتصاد المصري، ويتم الاتفاق على الإجراءات الخاصة ببرنامج الإسكان الاجتماعي، الذي يستهدف بناء 50 ألف وحدة سكنية بمختلف المحافظات لمحدودي الدخل، وكذلك برنامج استصلاح الأراضي الذي يهدف إلى إدخال البنية الأساسية الداخلية لتصل إلى 23 ألف فدان. إضافة إلى برنامج الطرق والكباري وبرنامج مياه الشرب والصرف الصحي، وبرنامج تدعيم شبكات الكهرباء والإنارة ورصف الطرق الداخلية بالمحافظات، وبرنامج تحسين البيئة، والانتهاء من المرحلة الثانية للخط الثالث لمترو الأنفاق، علاوة على برنامج سداد مستحقات المقاولين والموردين، وبرنامج أعمال الصيانة على مزلقانات السكك الحديدية.
 أن الموقف الاقتصادي الحالي مطمئن، أن الاستقرار الذي يشهده سوق سعر الصرف يعكس الوضع الداخلي للاقتصاد، ويؤكد على مدى قابلية الاقتصاد المصري إلى التحسن للخروج من الأزمة الراهنة، بالإضافة إلى زيادة الاحتياطي النقدي، وكلها مؤشرات إيجابية تسهم في جذب الاستثمارات المحلية والخارجية. ضرورة تبنى آليات من شأنها زيادة كفاءة برنامج الإصلاح الاقتصادي، ومنها:
 وضع خريطة استثمارية لمصر، مع إنشاء المشروعات بالإخطار.
 فرض الضريبة التصاعدية والعقارية بأسلوب علمي مدروس وطريقة عادلة، مع استحداث الضريبة على الثروة؛ لتحقيق العدالة الاجتماعية.
 إجراء حوار مجتمعي حقيقي حول مجموعة القوانين الخاصة بالضرائب، حتى يكون دافعو الضرائب على دراية حقيقية بحجم الأعباء الجديدة ومدى تأثيرها على عملهم وأنشطتهم الاقتصادية.
 استبدال الدعم النقدي المقترح بالدعم العيني الحالي؛ لفاعليته وتوصيله للمستحقين.
 ترشيد الإنفاق الحكومي البذخى.
 تطوير منظومة النقل النهري والأتوبيسات النهرية، للخروج من الأزمة المرورية الخانقة في القاهرة الكبرى؛ لتعظيم مورد الوقت اقتصاديًا، وللكلفة القليلة نسبيًا مقارنةً بالنقل البري.
 حتمية الإسراع في إدخال العاملين في مجالات الاقتصاد غير الرسمي من ذوي أصحاب الورش الصغيرة وخلافه في القطاع الرسمي، مع مراعاة عدم احتساب الضرائب بأثر رجعي.
 العمل الجاد نحو الحد من العشوائيات وعدم زيادتها، ثم تخفيضها من خلال مجموعة من الحزم العلمية المدروسة والقابلة للتطبيق، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: طرح أراضٍ مرفَّقة، وتفعيل دور الجمعيات التعاونية بديلًا عن مشروع "ابنِ بيتك".
 تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية المبرمة مع الكوميسا وأمريكا؛ للاستفادة المثلى من تطبيقها.
 تفعيل تطبيق الحد الاقصى للدخل
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

0 تعليقات:

إرسال تعليق