Ads

حـســـن زايـــــد .. يـكـتـب : مـهــنـــة ضـــد الـرصـــاص


في السابق كان يقال عن مهنة الصحافة أنها مهنة المتاعب . ومن كان يقول ذلك من شيوخ المهنة كان يقصد المتاعب العادية التي يلاقيها الصحفي في سبيل القيام بعمله . ونحن في حلّ من ذكر هذه المتاعب لأنها ليست خافية علي أحد . فما يقع من أحداث علي الأرض تجري متابعته من خلال آلة التصوير التي يستخدمها الصحفي ، ومن خلال عينيه يرصد البعد الإنساني الذي لا ترصده آلة التصوير . وهو بذلك يمثل المصدر الذي من خلاله نطل جميعاً علي العالم . فمن خلال الصحفي نري الصورة ونقرأ الخبر ونتعرف علي وجهات النظر في كل مناحي الحياة . فلو تصورنا ـ جدلاً ـ إضراب جميع الصحفيين في جميع أنحاء العالم عن العمل ، فلم تصدر جرائد ولا مجلات لا ورقية ولا الكترونية ، وتوقفت النشرات الإخبارية المتلفزة عن الصدور ، فهل يمكن تصور شكل العالم علي هذا النحو ؟ . وهل يمكن تصور وجود علاقة من نوع ما بين الإنسان والعالم خارجه ؟ . أعتقد أنه يصعب في العصر الراهن تصور الحياة دون وجود تلك العلاقة الحية بين الإنسان وعالمه علي نحو فاعل عن طريق مهنة المتاعب . ومن يمتهن الكلمة يدرك أنها كماء البحر ، لا تروي ظمأً ولا تطفيء أواراً لعطش ، بل إنها تؤتي أثراً عكسياً ، كلما شربت منها كلما شعرت بمزيد من العطش ، الذي يدفعك إلي مزيد من الشرب . ومن هنا ستجد من فرسان الكلمة من يتجشم في سبيل آداء رسالته العناء ، لأن في ذلك محاولة لتحقيق الإرتواء الذي لا يتحقق . بل قد يصل الأمر إلي دفع الحياة ثمناً من أجل الواجب الذي حملوه علي عواتقهم . وقد كانت أخطر المتاعب التي يمكن أن يتعرض لها صحفي منذ أن عرف العالم الصحافة هي القتل . ولم يكن ذلك يحدث إلا مع المراسل الحربي علي جبهات القتال ، وغالباً ما كان يصاب الصحفي أو يقتل قدراً نتيجة تبادل إطلاق النار بين القوي المتحاربة . وفي الغالب يكون الصحفي في مأمن  إذا ما تبين لأحد جانبي التقاتل أنه صحفي من خلال شارة يرتديها علي صدره ، أو صديري يحمل إشارة الصحفي  من الأمام ومن الخلف معاً . ويرجع ذلك إلي أن طرفي النزاع كان مشغولاً بنقل الحقيقة إلي العالم ، ومحكوماً بمجموعة من المعايير والقيم الأخلاقية قبل أن يفقد العالم أخلاقه من قبل ، ويفتقدها اليوم . ليس معني ذلك أن الصحفي لم يكن مستهدفاً بالقتل علي هويته الصحفية ، لا . فقد جاءت فترات علي العالم فقد فيها عقله ورشده ، وعمد إلي فقأ عينه . فعلي مدي فترات الإحتلال الصهيوني لفلسطين سجل التاريخ اغتيالات لصحفيين عرب وأجانب . وإبان الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق عمدت قوات الإحتلال إلي تصفية الصحفيين ، وفي فترات الحروب الأهلية كذلك سواء في لبنان أو العراق كانت تحدث تصفية جسدية للصحفيين . وقد تعرض بعض الصحفيين والكتاب المصريين في فترة التسعينيات للإغتيال ، ومحاولات الإغتيال ، من جانب الجماعات الإرهابية التي حملت السلاح في مواجهة الدولة . ومنذ اندلاع ثورة يناير في مصر ، مروراً بثورة يونيه ، تعرض الصحفيين للإمتهان علي أيدي أعضاء جماعة الإخوان ، سواء أكان هذا في صورة تهديدات أو في صورة احتجاز ، أو احتجاز مصحوباً بإهانات وتعذيب وترهيب ، أو في صورة إصابات مباشرة في مناطق مُعجَزة ، أو في صورة قتل مباشر . وقد كان من أشهر الصحفيين الذين اغتيلوا مرتين ، الصحفي الحسيني أبو ضيف ، الذي جري اغتياله حياً  بإطلاق الرصاص علي رأسه ، وجري إغتياله ميتاً بزعم انتماءه للجماعة . وقد كان آخر الصحفيين الذين جري اغتيالهم مرتين كذلك ، الصحفية الشابة ميادة أشرف فقد جري اغتيالها قنصاً من جانب الجماعة ، ثم زعمت الجماعة أنها صحفية تنتمي للجماعة ، وقد افتضح أمر الجماعة في الحالتين . واليوم جري إطلاق الرصاص الحي علي اثنين من الصحفيين الشبان في مظاهرات طلاب الإرهابية في جامعة القاهرة ، وقد اختلفت الروايات حول من أطلق الرصاص ، وإن كان هناك شهود عيان يرجحون إن إطلاق هذه الرصاصات قد جاء من جانب قوات الداخلية ، الذي يعد إطلاق الرصاص من جانبها محسوباً عليها ويصب في صالح الجماعة الإرهابية  . وإن كان كل ذلك سابقاً علي تحقيقات النيابة . ما يشغلني في هذا الإطار هو الإجراءات الواجب اتخاذها من جانب الدولة ، ومن جانب النقابة ، ومن جانب رجال الأعمال المالكين للصحف التي يعمل بها هؤلاء الصحفيين لحمايتهم ضد مخاطر المهنة ، لأنه يستحيل القول بالإستغناء عن العمل الصحفي في تغطية الأحداث الراهنة ولو مؤقتاً ، خاصة في ظل إمتلاك الجماعة الإرهابية لجهاز اعلامي جبار لا يكل عن العمل ساعة واحدة من ليل أو نهار ، والدولة في حاجة ماسة إلي من يجابه هذا السيل العرم من الأكاذيب المتدفقة بالحقائق التي ينقلها الصحفيون من مواقع الأحداث . فليس من العسير علي رجال الأعمال توفير التمويل اللازم لشراء الأدوات اللازمة للوقاية من الرصاص من سترات ضد الرصاص وخوذ ونظارات خاصة لحماية منطقة الوجه . وليس من العسير علي الشرطة أو الجيش التعاقد علي هذه الأدوات . ويتعين علي النقابة قيد هؤلاء الصحفيين لديها حتي يتسني التأمين عليهم ضد مخاطر المهنة المحتملة . صحيح أن الكلمات لا يغتالها الرصاص ، وإنما يغتال قائلها . والمهنة لا يقتلها الرصاص وإنما يقتلها الإهمال . وقد آن الأوان أن يتم تقديم من يغتال الكلمة والحق في المعرفة والحق في التعبير عن الرأي إلي محاكمة عادلة ناجزة .

0 تعليقات:

إرسال تعليق