الاثنين، 17 فبراير 2014

مفهوم العدالة الانتقالية على هامش الاحتفال باليوم العالمى للعدالة الاجتماعية


بقلم / سهام عزالدين جبريل 
  يوافق يوم 20 فبراير اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية والذى صدر عن  منظمة الامم المتحدة تحت بند  (قرار رقم 62/10 ) حيث اعتمد كتاريخ عالمى لاحتفال الشعوب بهدذ المناسبة الانسانية النبيلة  وقد تطورت مفاهيم العدالة الاجتماعية مع تطور ودعم المنظمات العالمية لها وطالما ارتبطت اهداف وقيم العدالة الاجتماعية بالثورات ومطالب الشعوب فالحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية هى مطلب للثوار في كل زمانٍ ومكان وتحقيق العدالة الاجتماعية فى المراحل الانتقالية من تاريخ الدول الحرة هو الترجمة الصحيحة لكون الثورة عملا ً تقدمياً ، لذلك كان منطقياً أن تتصدر العدالة الاجتماعية مطالب ثوار فى كل انحاء العالم ومنها المنطقة العربية .
ولقد  ظهرت مصطلحات جديدة ومتطورة لمفاهيم العدالة الاجتماعية واقترنت بأحداث انساانية من منطلق الحقوق والواجبات والتى اقرتها المبادئ العالمية لحقوق الانسان ، ومنها ذلك المفهوم الذى تم تداولة فى السنوات الاخيرة وهو مفهوم العدالة الانتقالية ،
 والسؤال هنا ماهى عناصر العدالة الاجتماعية ومامدى اقترانها بمفهوم العدالة الانتقالية  واهميتها وعناصرها واستخداماتها وماهى المراحل التى يستوجب فيها تطبيق هذا المفهوم .
وتتمثل عناصر العدالة الاجتماعية فى :
*التوزيع العادل لناتج النمو العام.
*القضاء على سياسات التمييز والإقصاء والتهميش الاجتماعي.
*المساواة بين الجنسين.
*تعزيز حقوق المهاجرين والأقليات.
*تكافؤ الفرص.
اولا : مفهوم العدالة الانتفالية :-
تُشير العدالة الإنتقالية إلى مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من إنتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية،ولجان الحقيقة،وبرامج جبر الضرر وأشكال متنوّعة من إصلاح المؤسسات.
وليست العدالة الإنتقالية نوعًا "خاصًّا" من العدالة، إنّما مقاربة لتحقيق العدالة في فترات الإنتقال من النزاع و/أو قمع الدولة. ومن خلال محاولة تحقيق المحاسبة والتعويض عن الضحايا، تقدّم العدالة الإنتقالية اعترافاً بحقوق الضحايا وتشجّع الثقة المدنية، وتقوّي سيادة القانون والديمقراطية.
ثانيا : ما أهمية العدالة الإنتقالية:-
على أثر انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، يحقّ للضحايا أن يروا معاقبة المرتكبين ومعرفة الحقيقة والحصول على تعويضات ، وذلك لأنّ الإنتهاكات المنتظمة لحقوق الإنسان لا تؤثّر على الضحايا المباشرين وحسب، بل على المجتمع ككلّ، فمن واجب الدول أن تضمن، بالإضافة إلى الإيفاء بهذه الموجبات، عدم تكرار تلك الإنتهاكات، وبذلك واجب خاص يقضي بإصلاح المؤسّسات التي إما كان لها يد في هذه الإنتهاكات أو كانت عاجزة عن تفاديها.
وعلى الأرجح أنّ تاريخاً حافلاً بالإنتهاكات الجسيمة التي لم تُعالج سيؤدي إلى انقسامات اجتماعية وسيولّد غياب الثقة بين المجموعات وفي مؤسّسات الدولة، فضلاً عن عرقلة الأمن والأهداف الإنمائية أو إبطاء تحقيقهما. كما أنّه سيطرح تساؤلات بشأن الإلتزام بسيادة القانون وقد يؤول في نهاية المطاف إلى حلقة مفرغة من العنف في أشكال شتّى ، وكما يبدو جليًّا في معظم الدول حيث تُرتكَب إنتهاكات لحقوق الإنسان، تأبى مطالب العدالة أن "تتلاشى .
ثالثا : عناصر سياسة شاملة للعدالة الإنتقالية :-
ليست مختلف العناصر المكوَّنة لسياسة العدالة الإنتقالية عبارةً عن أجزاء في لائحة عشوائية، إنّما هي تتصل الواحدة بالأخرى عمليًّا ونظريًّا. وأبرز هذه العناصر الأساسية هي:
*الملاحقات القضائية، لاسيّما تلك التي تطال المرتكبين الذين يُعتَبَرون أكثر من يتحمّل المسؤولية.
*جبر الضرر، الذي تعترف الحكومات عبره بالأضرار المتكبَّدة وتتّخذ خطوات لمعالجتها. وغالباً ما تتضمّن هذه المبادرات عناصر مادية (كالمدفوعات النقدية أو الخدمات الصحيّة على سبيل المثال) فضلاً عن نواحٍ رمزية (كالإعتذار العلني أو إحياء يوم الذكرى).
*إصلاح المؤسسات ويشمل مؤسسات الدولة القمعية على غرار القوى المسلّحة، والشرطة والمحاكم، بغية تفكيك – بالوسائل المناسبة – آلية الإنتهاكات البنيوية وتفادي تكرار الإنتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والإفلات من العقاب.
*لجان الحقيقة أو وسائل أخرى للتحقيق في أنماط الإنتهاكات المنتظمة والتبليغ عنها، وللتوصية بإجراء تعديلات وللمساعدة على فهم الأسباب الكامنة وراء الإنتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.
رابعا : تجربة جنوب أفريقيا كننموذج حى فى بناء العدالة الإنتقالية:- 
 كانت جمهورية اتحاد جنوب إفريقيا مثال من أسوأ أمثلة التفرقة العنصرية البغيضة، حيث حكم أربعة ملايين من العناصر البيضاء، حوالي 29 مليون من غير البيض، هذا الاتحاد الذي فقد وحدته قبل أن يولد، وأصبح جنة الأقلية، وجحيم الأغلبية، وقلعة التفرقة العنصرية، فقد سلكت الأقلية البيضاء سياسية عزل الأغلبية غير البيضاء في مناطق تتسم بالفقر والجدب حيث المعازل، ويسخرون في خدمة البيض، وأمعنت سلطات البيض في جنوب إفريقا في سياسة التفرقة العنصرية، وتمادت في تطبيقها مما جلب عليها سخط العالم واستنكاره، أصدرت هيئة الأمم المتحدة عدة قرارات لمقاطعة اتحاد جنوب إفريقيا في سنة 1962م، والسنوات التالية لها، كما قاطعت دول العالم الثالث اتحاد جنوب إفريقيا بسبب التفرقة العنصرية.
أ-التركبية العرقية
يتكون سكان جنوب إفريقيا من عناصر عديدة، وكانوا ينقسمون حسب نظم التفرقة العنصرية إلى مجموعتين: البيض «الأفركانيز» وغيرالبيض الذى يتكون من الإفريقيون وهم الأغلبية من قبائل البانتو، ويتكونون من مجموعات عديدة منها مجموعة نجوني، ومجموعة تسونجا، والسوازي، وشعب الزولو وقبائل تسونجا، ورنجا وتسوا، وجماعات فندا، والسوتو، الى جانب العناصرالملونة فتشكل من خليط نتج عن تزاوج بين الهونتنوت وهم عنصر إفريقي/اختلط بالأوروبين الأوائل، وخليط نتج عن تزاوج بين الآسيويين أو الأوروبيين، وتتكون العناصر الآسيوية من المهاجرين إلى جنوب إفريقيا تحت سخرة العمل من الماليزيين والهنود والباكستانيين،
ب-مسيرة التحرر
اتبعت حركة مناهضة سياسات التمييز العنصري في جنوب إفريقيا طوال الخمسينات عددًا من أساليب الكفاح الوطني؛ ففي عام 1952م أعلن المؤتمر الإفريقي عن شنِّ «حملة تحد»، نظم خلالها عددًا من هذه الأساليب طوال حقبة الخمسينات، وقد تضمنت هذه الحملة حملة لمقاومة سياسة التمييز العنصري في مجال التعليم في الفترة من (1953ـ 1955م)، وحركة مقاطعة الحافلات في الفترة من عام (1955 وحتى عام 1959م) احتجاجًا على انخفاض الأجور، وقد أحرزت حركات مقاطعة الحافلات في مقاطعات إيفاتون وألكسندرا وجوهانسبرج نجاحًا شجع مواطني جنوب إفريقيا على الاستمرار في الاحتجاجات الوطنية.
جـ-تجربة نيلسون مانديلا
يعد نجاح حزب المؤتمر الإفريقي بقيادة المناضل نيلسون مانديلا، وإجبار حكومة الأقلية على الاعتراف بالحقوق الدستورية الكاملة لكل المواطنين ، خطوة جادة فى طريق تحقيق العدالة والمساواة حيث أصبح لكل مواطن بغض النظر عن لونه أو عرقه أو دينيه حق التصويت والمشاركة في الانتخابات على أساس «one vote one man».
ففى أبريل1994م أجريت أول انتخابات برلمانية غير عنصرية، شارك فيها 86 بالمائة من الناخبين، وفي مايو من تلك السنة، اجتمع البرلمان الجديد لأول مرة بصفته جمعية تأسيسة، وفي أوساط التسعينات من القرن الماضي أصبحت العملية الدستورية في جنوب إفريقيا المثال الكامل لعمليات الدساتير القائمة على  مشاركة المواطنين.
الخلاصة
كل ما سبق يُعتبر محاولات جادة من قبل دولة جنوب افريفيا لدعم الاندماج الوطنى للنسيج الاجتماعى لمجتمع جنوب أفريقيا ، بهدف تجاوز متاعب الماضي والإبحار نحو المستقبل بقوة وثبات، حيث حققت نموذج يحتذى به فى تحقيق العدالة لجميع مواطنيها حيث  قدمت تجربة دولة جنوب أفريقيا دروس إنسانية مفيدة للشعوب والأمم التى تحاول بسط العدالة الإجتماعية والإقتصادية على ربوعها، وبين مواطنيها ، فحققت نهضة تنموية مسبوقة فى كافة المجالات عادت بالخير والتفدم لجميع فئات مجتمع دولة جنوب افريفيا 
 فهل من الممكن أن نعتبرهذه التجربة نموذجا يمكن ان نستفيد منه فى منطقتنا العربية .
---------------------
تحياتى / سهام عزالدين جبريل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق