![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjnntWBFg4jeU8ZfJuYDAU3exor9hzmd8wc2KRs9K6SVb9ZJKPYHDs3PMjsv5cTLdhtBBF6M1QM8y2UUmBXRtOBMne28OaurRmEtLtmaTfGu47HZDU8vI2LRosgXECARRg3VVXcwQc9bLRG/s1600/601078_185466571580246_866138013_n.jpg)
د. عبد الحليم منصور
رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بالدقهلية – جامعة الأزهر
تحرير محل النزاع :
أولا ـ اتفق الفقهاء قاطبة على أن كل مصافحة بين الرجل والمرأة الأجنبيين يصحبها شهوة أو لذة فهي محرمة حتى ولو كانت بين المحارم سدا لذريعة الوقوع في الحرام
ثانيا ـ مما لا خلاف فيه أيضا بين الفقهاء أن القواعد من النساء والعجائز اللاتي لا رغبة لهن في الرجال ولا يرغب فيهن الرجال لا جناح في مصافحتهن ما دامت المصافحة لا تؤدي إلى محظور شرعي ، وقد خفف القرآن الكريم عليهن بقوله ( والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن ) ويلحق بهن الصغيرات اللاتي لا شهوة لهن
ويؤيد هذا ما ورد أن أبا بكر رضي الله عنه كان يصافح العجائز ، وورد أيضا أن عبد الله بن الزيير استأجر عجوزا تمرضة فكانت تغمزه وتفلي رأسه
ثالثا ـاختلف الفقهاء في حكم مصافحة من سوى ذلك من الرجال والنساء على رأيين :
الرأي الأول :
يمنع المصافحة منعا باتا بين الرجل والمرأة الأجنبيين
ويستدلون على ذلك بما يلي :
الدليل الأول
ـ قول النبي عليه الصلاة والسلام ( لأن يطعن في رأس أحدكم بِمخْيَط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له)
مناقشة هذا الاستدلال
أولا ـ إن هذا الحديث لم يصرح علماء الحديث بصحته وإنما قالوا عنه رجاله رجال الصحيح
ثانيا ـ يناقش أيضا بما يراه الحنفية من أن التحريم لا يثبت إلا بدليل قطعي مثل القرآن الكريم ، والسنة المتواترة التي رواها جمع عن جمع تحيل العادة تواطؤهم على الكذب ويسندونه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا ليس متوافرا في الحديث
ثالثا - سلمنا بصحة الحديث فهو على فرض صحته لا ينهض حجة في التحريم أيضا وذلك لأن قوله عليه الصلاة والسلام ( لأن يطعن في رأس أحدكم بِمخْيَط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له)
يراد به الجماع فالمس في القرآن الكريم والسنة يراد بهما الجماع على ما فسره ابن عباس وغيره وآي القرآن الكريم تدل على ذلك منها مثلا :
قوله تعالى ( لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ) وقوله ( يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها )
وغيرهما من الآيات كثير ، وكذا في السنة ، كل هذا يدل على أن المراد بالمس هو الجماع ، وليس مرادا به المصافحة .
الدليل الثاني :
ـ ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما بايع النساء يوم الفتح لم يأخذ البيعة بيدة ، وورد عن السيدة عائشة أنه لم يصافح امرأة قط
مناقشة هذا الاستدلال :
يمكن أن يناقش هذا الاستدلال بما يلي :
إن عدم أخذ البيعة مصافحة لا يدل على الحرمة ، لأن ترك النبي لشيء من الأشياء يحتمل أن يكون للحرمة ، او للكراهة ، أو لأنه خلاف الأولى ،أو لأنه لا يميل إليه كما ترك أكل الضب لأن نفسه تعافه والقاعدة ( أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال )
وما ورد عن السيدة عائشة معارض بما رود عن أم عطية بأن البني عليه الصلاة والسلام أخذ البيعة مصافحة .( بيعة النساء )
الدليل الثالث
ـ سدا للذريعة وخوفا من الفتنة التي يمكن أن تحدث من جراء هذه المصافحة لاسيما إذا لم تؤمن الفتنة
ونحن نقول بذلك أيضا فلا تجوز المصافحة إذا لم تؤمن الفتنة ، حتى ولو بين المحارم ، والصغيرات ، بل والصبيان .
الرأي الثاني :
يرى القائلون به جواز المصافخة بين الرجل والمرأة إذا أمنت الفتنة وانتفت الشهوة
ويستدلون بما يلي :
الدليل الأول
ما رود عن أم عطية أن البني عليه الصلاة والسلام أخذ البيعة يوم الفتح مصافحة ( بيعة النساء )
الدليل الثاني :
1 ـ ما رواه البخاري في( كتاب الأدب المفرد) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة، لتأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتنطلق به حيث شاءت".
2 ـ وفي رواية للإمام أحمد عن أنس أيضًا قال:."إن كانت الوليدة يعني الأمة من ولائد أهل المدينة لتجيء، فتأخذ بيد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فما ينزع يده من يدها حتى تذهب به حيث شاءت". وأخرجه ابن ماجة أيضًا.
الترجيح
بعد العرض السابق لآراء الفقهاء وأدلتهم في هذه المسألة يبدو لي أن الأولى هو الاحتياط بعدم المصافحة ، أمنا من الفتنة وسدا للذريعة ، لكن إن دعت إلى ذلك حاجة كأن يصافح الرجل الغائب ، إحدى قريباته أو المرأة الغائبة ، أحد أقاربها ، كابن خالها ، أو بنت خاله أو عمته ، أو ما شابه ذلك ، فلا بأس إن أمنت الفتنة ، وانتفت الشهوة ، فإن لم تؤمن الفتنة ، ووجدت الشهوة ، فالمصافحة حرام ، حتى ولو كانت بين الرجل ومحارمه .
وبالجملة فالأولى أن الرجل وكذا المرأة إن لم يُصَافح لا يُصافِح ، وإن صُوفح صافح مع أمن الفتنة ، وانتفاء الشهوة . والله أعلم .
0 تعليقات:
إرسال تعليق