Ads

خطر الإرهاب


دكتور عادل عامر
". أن "الجيوش لا تجيد التعامل إلا مع عدو واضح وظاهر ومنظم، ولكن التعامل مع خطر الإرهاب الذي يختبئ وسط المواطنين، فهذا هو عمل الشرطة، ويمكنها أن تستعين بالجيش إذا كانت طبيعة الأسلحة التي تستخدمها مجموعة إرهابية عند ملاحقتها لا تستطيع الشرطة مواجهتها".ووفقا لهذه الفلسفة يمكن منع وقوع الجريمة، وهي تختلف عن فلسفة "الأمن العلاجي" الذي تهتم به الشرطة المصرية، وتعني الاهتمام بالقبض على الجناة بعد ارتكابهم الجريمة  أن "اعتماد هذه الفلسفة كان يمكن أن يجنبنا حادث كنيسة الوراق، لأنه من بين مقومات فلسفة الأمن الوقائي انتشار رجال الأمن في التجمعات السكنية، ومن ثم كان يمكن لأحدهم اكتشاف بسهوله وجود شخصين ملثمين يستقلان دراجة بخارية ويتجهان نحو الكنيسة لابلاغ الآخر المتواجد بالقرب من الكنيسة لاتخاذ إجراء يمنع وقوع الجريمة". مع ضرورة تفعيل منظومة الأمن الوقائي، لمواجهة اتساع رقعة الإرهاب وانتقاله للمناطق السكنية.
"المواطن هو أحد أدوات هذه المنظومة، كما كشفت تجربتنا في التسعينيات".كان الشعب المصري كله يتعاون مع الدولة  بإمدادها بالمعلومات ومحاصرة المسلحين بعدم توفير مأوى لهم، حتى نجحنا في القضاء على الإرهاب".ان حالة الانقسام الحاد التي يشهدها المجتمع وتأثيرها على وقوف كل طوائف الشعب خلف الأمن في معركته مع الإرهاب، وقال: " لدينا فئة تساند وتحفز الإرهاب، وشعب رافض له، فلا يوجد شعب في العالم يؤيد الإرهاب"
.ويتهم معارضي الرئيس المعزول محمد مرسي جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف خلف العمليات الإرهابية لإرباك مصر اقتصاديا وأمنيا وهو ما يسمح بإعادته للسلطة مره أخرى، وهو ما ترفضه الإخوان وخرجت بيانات عن أعضائها أدانوا فيها العمليات الإرهابية.
في الجزء الشرقي من مصر، تقع شبه جزيرة سيناء، والتي ارتبط الجانب الشمالي منها ''محافظة شمال سيناء'' بحوادث الإرهاب منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، ثم هدأت بعض الشيء وان كانت لم تختفي تماما إبان عهد الرئيس السابق محمد مرسي، ثم زادت وتيرتها بعد عزل مرسي في يوليو الماضي.
وبينما تركزت الجهود الأمنية المبذولة من جانب الجيش والشرطة للقضاء على العمليات المسلحة في محافظة شمال سيناء خلال الشهور الأخيرة، وسع المسلحون من نشاطهم ليمتد قبل إجازة عيد الأضحى الماضي إلى محافظة جنوب سيناء، في تطور وصفه خبراء، بأنه يسعى لتوسيع رقعه الإرهاب، وبعد فترة من الهدنة خلال إجازة العيد، اتسعت الرقعة أكثر من ذلك وخرجت عن شبه جزيرة سيناء، لتمتد إلى مدينة الإسماعيلية، ومنها إلى القاهرة، التي شهدت أول أمس الأحد استهدف مسلحون لكنيسة بمنطقة الوراق غرب العاصمة، حيث أسفر الهجوم عن مقتل 4 أقباط بينهم طفلة، وإصابة 18 شخصا، بحسب إحصائيات رسمية. فإن اتساع رقعة العمليات المسلحة إلى خارج شبه جزيرة سيناء لا يعني بأي حال من الأحوال انحسارها في سيناء.
وشهدت محافظة شمال سيناء خلال الشهرين الماضي والجاري 3 حوادث انتحارية نفذها مجهولون ضد مراكز للشرطة والجيش، وهى حادث انفجار سيارتين بمقر المخابرات الحربية برفح، وانفجار سيارة بمدخل قسم شرطة الشيخ زويد، وانفجار آخر بسيارة ملغمة في حاجز الريسة الأمني بمدخل العريش. هذا فضلا عن عشرات الحوادث الأخرى، التي يقوم خلالها المسلحون باستهداف حافلات لقوات الأمن بأسلحة آلية متوسطة وثقيلة وزرع عبوات ناسفة على مسارات سير آليات عسكرية أثناء تحركاتها في المنطقة المحصورة من العريش حتى الحدود مع قطاع غزة وإسرائيل. وفي الوقت الذي صار فيه وقوع حوادث عنف بشمال سيناء خبرا شبه يومي، وسع الإرهاب نطاقه ليشمل محافظة جنوب سيناء. ووقع الحادث الذي شهدته محافظة جنوب سيناء، صباح الاثنين 7 أكتوبر الجاري، وأسفر عن سقوط أربعة قتلى وإصابة 48 آخرون، ليعيد إلى الأذهان الحوادث الإرهابية التي شهدتها المحافظة عامي 2004 و2005 في منطقة طابا وشرم الشيخ، حيث لم تشهد المحافظة من وقتها حوادث إرهابية تذكر. ولم تكن جنوب سيناء وحدها هي السبيل لتوسيع نطاق العمليات الإرهابية، فما أن عززت قوات الأمن من إجراءاتها بهذه المحافظة للتعامل مع هذا التطور الجديد، فوجئت بعد عيد الأضحى (وافق الثلاثاء الماضي) بحادثين آخرين شكلا تطور آخر وهو حادث تفجير سيارة مفخخة بالقرب من مبنى المخابرات الحربية بمدينة الإسماعيلية ، وحادث استهداف مسلحين كنيسة بالقاهرة.
لم يخطئ الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا القول، حين صرح في محاضرته التي ألقاها بمناسبة تلقيه لجائزة أدورنو، بأنه لا يعتقد البتة بالبراءة السياسية لأحد فيما يتعلق بجريمة 11 من سبتمبر. ولم يجانب الصواب حين تابع قائلا: "وإذا كان تعاطفي مع كل الضحايا هو بلا حدود، فذلك لأنه لا يتوقف فقط عند أولئك الذين قضوا نحبهم في 11 من سبتمبر بالولايات المتحدة، إن هذا هو تأويلي لما نسميه منذ أمس، حسب تعبير للبيت الأبيض "عدالة لا نهائية": أن لا يتبرأ المرء من أخطائه وأخطاء سياسته، حتى في اللحظة التي يتوجب عليه فيها أن يدفع ثمنا رهيبا، يتجاوز كل المقاييس". إن دريدا لا يريد إلصاق جريمة نيويورك بحفنة من الإرهابيين كما تفعل وسائل الإعلام الأمريكية، بل هو يشير أيضا إلى مسؤولية الإدارة الأمريكية عن الأحداث. وهو رأي يتقاسمه العديد من المفكرين الأحرار الذين لم تلجم مناصب المؤسسة وأموالها روحهم النقدية. وسمير أمين، أحد هؤلاء الذين كتبوا بأن: "الرعب الغريزي الذي يشعر به كل آدمي لمرأى مقتل أعداد كبيرة من الناس الأبرياء، ينبغي أن لا يجعلنا ننسى الدور الذي لعبته في الأحداث سياسة الولايات المتحدة وسياسات حليفاتها..." وهو يشير أيضا إلى العلاقات الوطيدة التي جمعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بالإسلام السياسي، والدعم المادي والإيديولوجي والإعلامي الذي قدمته لهذه الحركات، ليس فقط في حربها ضد الشيوعية، ولكن أيضا لأن هذه الحركات من شأنها أن تخلق الظروف الملائمة لسيطرة الرأسمال الأمريكي على المنطقة العربية ـ الإسلامية. ذلك: "أن الإسلام السياسي يلقي بالشعوب في مصيدة تجعلها عاجزة أمام تحديات العولمة الرأسمالية الليبرالية" لا غبار إذن عن المسؤولية المشتركة، والأصوب عن المسؤولية المباشرة للإدارة الأمريكية عن أحداث 11 من سبتمبر، بما أن هذه الإدارة هي التي وقفت ولعقود طويلة إلى صف الإسلام السياسي، وهي التي جنت ولعقود طويلة أيضا ثمار جرائمه. وفي مقالنا هذا، لا نريد التعرض لهذه السياسة، ولا للأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تقف خلف الإرهاب وتشعل فتيله، بل نريد تفكيك البنية الرمزية للإرهاب. الإرهاب في بنيته الثقافية الأحادية البعد، الإمبريالية المعنى. الإرهاب المؤسساتي وإرهاب الأفراد أو الجماعات المتطرفة، بما أنهما وجهان لعملة واحدة، إذ كما كتب إدواردو غاليانو: "هنالك الكثير من الأرض المشتركة بين إرهاب التقنية الرديئة وإرهاب التقنية الفائقة، بين إرهاب متطرفي الأديان وإرهاب متطرفي الأسواق، بين اليائسين والمتجبرين، بين المختلين المنفلتين من العقال والمحترفين الذين يرتدون الزي الرسمي ويقتلون بدم بارد. كلهم يشتركون في احتقار الحياة الإنسانية" إن ادواردو غاليانو يمدنا بالكلمة ـ السر: احتقار الحياة الإنسانية. ويرى بأن الرأسمالية، أو أصولية السوق شأنها في ذلك شأن الحركات الدينية الدوغمائية تدوس على الإنسان وعلى كرامته وحقوقه إذا ما كان ذلك يخدم مصالحها المادية أو يتوافق مع مبادئها الطهرانية المريضة. ولنبدأ الآن بتفكيك البناء الرمزي لهذا الغول الميتافيزيقي الجديد الذي يسميه غاليانو بأصولية السوق، دون أن نغفل عن الوجه الآخر أو التوأم الشقيق لهذا الغول: الأصولية الدينية، أو ما يمكن أن نطلق عليه سوق الأصولية. أصولية السوق أو إمبريالة العقل، إذا استعملنا لغة عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو، الذي لم يتوان مرارا عن توجيه سهام نقده لكلاب الحراسة الجدد، والذي كان من الأوائل الذين أشاروا إلى همجية العقل الغربي في تعامله مع الأطراف، أو بالأحرى إلى إنتاج العقل للاعقل، وإخراسه للآخر المختلف، متخفيا خلف ستار العلمية والعالمية والحرية وحقوق الإنسان. يقول بورديو في محاضرة ألقاها سنة 1995 بمعرض الكتاب بفرانكفورت:

كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

0 تعليقات:

إرسال تعليق