Ads

مصالح الكبار لا تعرف الأخلاق



مصالح الكبار لا تعرف الأخلاق



بقلم الصحفية والإعلامية هيام محى الدين 

حين تتصور أي قوة عظمى أن هناك أمراً أو دولة أو حاكماً يهدد مصالحها وأهدافها في السيطرة التي تحفظ لها كيانها كقوة عظمى فإنها لا تتورع عن استخدام أحط الأساليب وأكثرها لا أخلاقية للتخلص مما يهدد نفوذها ؛ وقد عانت دول العالم الثالث بعد الحرب العالمية الثانية تحديداً ، من صراع القوى العظمى على مناطق النفوذ ورغم اتفاق المنتصرين على تقسيم مناطق النفوذ بينهم تجنباً لصراع الكبار إلا أن الدول التي دخلت في هذه المناطق التابعة لم تستسلم لمصيرها الذي حاول الكبار فرضه عليها فظهرت في بعضها نظم وطنية ناضلت طويلاً ضد الاستعمار القديم الذي كان يقوم على الاحتلال العسكري وفرض حكومات عميلة واستطاعت تحقيق استقلالها وجنى ثمار نضالها بعد انتهاء الحرب كالهند وأندونيسيا ويوغوسلافيا ومصر ، وكانت مصر بموقعها الأسطوري العبقري وتاريخها العريق ، وبنيتها الاقتصادية وثرواتها الدفينة جوهرة يتنافس عليها الكبار وتخطط أمريكا للحلول محل حليفتها بريطانيا في السيطرة عليها ، ولم يحسبوا حساب الثورة الوطنية التي غيرت نظامها الملكي إلى النظام الجمهوري والطموح الوطني لهذه الثورة وزعيمها لتحقيق الاستقلال الكامل واستعادة الدور التاريخي لها في إقليمها وفي العالم ، وكان لابد من تصادم مصالح القوة العظمى الطامحة للسيطرة مع آمال وأحلام النظام الوطني في الاستقلال واستعادة المكانة والكرامة وبلغ الصدام بين المعسكر الغربي ( الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ) والنظام الوطني القومي في مصر ذروته حين عقدت مصر صفقة الأسلحة السوفيتية عام 1955 وحين أممت قناة السويس عام 1956 ، واعتبرت هذه الدول الزعيم جمال عبد الناصر شخصياً المسئول عن فشل سياساتهم في السيطرة على مصر وإخضاعها لنفوذهم فبدأت أجهزة المخابرات في الدول الثلاث العمل للتخلص من جمال عبد الناصر ولو بتصفيته جسدياً ، وتشير الوثائق الأمريكية والإنجليزية والفرنسية التي تم الإفراج عنها إلى الخطط التي وضعتها مخابرات هذه الدول للتخلص من عبد الناصر ففي الثامن من يناير 1956 رأس الرئيس الأمريكي أيزنهاور اجتماعاً لمجلس الأمن القومي لبحث أوراق العمل لمحادثات بعد أيام بين أمريكا وبريطانيا للتعاون معاً للتخلص من ناصر وبين أيزنهاور لرئيس مخابراته أن أهداف أمريكا تختلف عن أهداف بريطانيا في مصر والمنطقة العربية ثم أضاف " لابد أن نجد حلا لمشكلة ناصر " وعقدت المخابرات الأمريكية اجتماعاً تضاربت فيه الآراء التي انتهت إلى اتخاذ سياسة تؤدي إلى تحجيم نفوذ عبد الناصر في المنطقة غير محاولة تدبير انقلاب أو اغتيال له في ذلك الوقت على الأقل بعد أن ثبت لهم أنه لن يدخل في مشروعات الغرب الدفاعية عن المنطقة ولن يقبل الصلح مع إسرائيل.
أما بريطانيا التي كان يرأس وزراءها " أنتوني إيدن " الذي كان يكن كراهية عميقة لناصر ويحمله مسئولية انهيار نفوذ بريطانيا في المنطقة وفشل حلف بغداد في ضم أي دولة عربية أخرى غير العراق له فقد كان له رأي آخر ، وعقدت اجتماعات مشتركة بين المخابرات المركزية الأمريكية وإدارة المخابرات البريطانية  " MI6 " ، وكان الإنجليز مصممين على التخلص من عبد الناصر باغتياله ولديهم خطة كاملة للعمل ضده وإنشاء نظام موال للغرب في مصر اعتمادا على حلفائهم القدامى في مصر الذين تمثلوا في بقايا الباشوات الإقطاعيين وجماعة الإخوان المسلمين وهما أكثر الفئات في مصر عداء لناصر في ذلك الوقت ، أما الفرنسيون فقد رأوا أن قتل عبد الناصر بالتحديد هو الهدف الذي سيمنع المساعدة المصرية لثورة الجزائر ، ولم يكن يعنيهم ما الذي يحدث في مصر بعد ذلك فقد كلف الجنرال " بروسيكو " رئيس إدارة الأمن القومي الفرنسي بوضع خطة لتصفية ناصر ، وتقرر إرسال فرقة اغتيالات خاصة مدربة من ثلاثة أفراد وسبقتهم إلى القاهرة شحنة أسلحة وقنابل داخل حقيبة دبلوماسية إلى السفارة الفرنسية بالقاهرة ، ولم يتمكن الثلاثة الذين قضوا أسبوعين في القاهرة من عمل شيء وظلت شحنة الأسلحة مخبأة في السفارة حتى 1958 حين جاء قائم بالأعمال هو السفير " فورمان موريس " وأرسل يستغيث بوزارة خارجيته لتخلصه من شحنة الموت المخزونة بسفارته وكانت إسرائيل والإخوان المسلمون " وهم في السجون ، وفي الخارج " بعد فشل محاولتهم لاغتيال ناصر في أكتوبر 1954 في السباق أيضاً إلى القتل فقد جندت إسرائيل رئيس خدم يوناني اسمه " أندرياس " يعمل في محلات جروبي بأن يضع جرعة من السم في شيء يأكله ويشربه جمال عبد الناصر ولكن أعصابه خانته في اللحظة الأخيرة واعترف من أول سؤال ، أما الإخوان فحاولوا تجنيد أربعة من حرس عبد الناصر الشخصي عن طريق بعض عملائهم في سويسرا " سعيد رمضان " صهر حسن البنا ، وجاراهم الحراس بعد أن أبلغوا المخابرات المصرية التي كشفت الخلايا المتعاونة معهم في الداخل.
واليوم يكرر التاريخ نفسه ، فقد دمر الجيش المصري بقيادة الفريق عبد الفتاح السيسي المخطط الأمريكي لتفتيت المنطقة ونشر الفوضى والصراعات العرقية والدينية والمذهبية وتحويلها إلى دويلات لا قيمة لها ولا قوة تحت مسمى الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد ، وأعاد جيش مصر للوطن حرية قراره واستقلالية اختياره وقضى على حلفاء أمريكا من تيار الإسلام السياسي وأبعدهم عن الحكم ، مما أربك السياسة الأمريكية فارتكبت نفس الأخطاء التي ارتكبتها في خمسينيات القرن العشرين ، وأسفرت عن وجهها القبيح الغبي الذي يماثل وجه من أختارتهم حلفاء لها ، وكما انتصرت مصر في الخمسينيات وأحبطت خططهم سوف تنتصر اليوم وتضيف إلى فشلهم التاريخي فشلا جديداً ، وسوف تتخلى عن حلفائها الأغبياء المعاصرين ، كما تخلت عن حلفائها القدامى ، إنهم لا يتعلمون من دروس التاريخ والتاريخ لا يرحم من لا يحترمونه ، ولا يعرفون قدر هذا الشعب العريق الذي أنار طريق الحضارة وعلم البشرية ، ورحم الله أمير الشعراء حين خاطب الرومان المنتصرين عند احتلالهم لمصر سنة 30 ق.م.
قسما ما فتحتمو مصر لكن .. قد فتحتم بها لرومة قبراً
                                      هيام محي الدين


                                    

0 تعليقات:

إرسال تعليق