Ads

لا أحد يبقى جميعهم يرحلون


اسلام رمضان

حاسس انى هتجنن يا اسراء .
اهدى بس كده يا محمود واشرب قهوتك وسيجارتك وخلص وتعالى معايا .
هنروح فين ?
عندى البيت
ليه ?
لما تيجى هتعرف .
طيب ووالدتك ووالدك .
أيه يا فندى أنت مش عارف ان أهلى كلهم فى كندا وأنا عايشة لوحدى هنا فى القاهرة .
اه نسيت أنا آسف بس هنعمل أيه عندكوا.
بطل كلام ولما تيجى هتفهم .
أنتهيت من قهوتى حينما شارفت الساعة على الحادية عشرة مساءً ، ركبنا سيارتى متجهين إلى منزلها القابع بالمعادى وكان الطريق نوعاً ما خالياً من آى زحام مرورى وقد تجاوزت الساعة منتصف الليل حينما وصلنا الى منزلها.

يحمل طابع التراث العالمى ، باب أسود اللون ضخم لا يحمل جرس او مقرعة ، مليئ بالخدوش والتشققات الغائرة والتى ترسم صورة بسيطة لإسراء على الباب ، دخلنا حينما فتحت الباب ليزحف بصرى على أثاث قمة فى الرقى والفخامة ذى لون رمادى وحوائط رصاصية اللون ، وأطل بنظرى إلى الداخل لأجد غرفة ، باب أزرق اللون كتب عليه معمل ، وبسرعة سحبتنى من يدى إلى المعمل وفتحت الباب وقد كنت أعتقد أنه معمل بدائى بقوارير غريبة الشكل تحوى بداخلها سوائل ملونه وليس إلا ولكنى دخلت على معمل غاية فى الحداثة والتطور وميكرسكوب ذى قوة تكبير هائلة لم اراه من قبل وثلاجات وقوارير تحمل بداخلها مواد كيميائية عديدة وأجهزة تبخير وتعقيم وتقطير وأجهزة لا اعرفها.
لقد كان لها سراً هى الأخرى وبسرعة أعلمتنى به ولم يأتى فى بالى يوماً ان تتوطضد صداقتنا بهذه السرعة ولا تكون بهذه القوة حيث تفصح لى عن أحد أهم أسرارها فى مدة لم تتجاوز  الشهرين ، ولكى تفصح سر قوى لشخص يجب ان يكون هناك سبب من ثلاث :
أما أن يكون لك عاشقاً وهذا ما أعتقد او أفكر فيه فنظاراتها لى تحمل بداخلها طابع الرومانسية الصامتة ، وثانيهما ان تكون صداقتنا قوية جداً وكلانا يعرف الأخر جداً وعلاقتى بها لم تتجاوز العام بأى حال من الأحوال ، وثالثهما ان نكون من أقارب الدرجة الاولى وهذا مستحيل الحدوث .
القيت ما فى رأسى فى أقرب مقلب قمامة وتمسكت بالسبب الأول ومزقت حبل أفكارى بصوتها الناعم وكأن صوتها سمفونية تعزفها أحبالها الصوتية وهى تقول:
ايه رأيك ؟
لا حاجة فخيمة والله أنتى عملتى المعمل ده امتى وليه؟
عملته عشان أنا بعشق الكيمياء وبحب أعمل تجارب كتيرة وأكتشف مواد جديدة وعملته أزاى عادى خالص نزلت أشتريت اللى إحتاجته وبابا بعتلى الاجهزة من كندا ودفعت الجمارك هنا وبس .
حلو جدا ربنا يوفقك.
معاك الكبسولة بتاعتك دى .
اه .
طيب هاتها نشوف ونحاول نعرف كل حاجة عنها.
أخرجتها من جيبى بيد مرتعشة وأنا أفكر فى ثمنها ومحتواها وتأثيرها وأعطيتهلها،  نظرت لها نظرة أستفهام يبحث عن إجابة ، نظرة عالمة وبدأت فى فحصها تحت الميكرسكوب بعدما أجلستنى على طاولة عجيبة الشكل وقدمت لى عصير ليمون وبدلت ملابسها لترتدى ثوب حريرى الملمس، أسود اللون يظهر من خلفه كل تفصيل فى جسدها ، حقيقة هيفاء هى بتلك المقاييس والتضاريس الطبيعية التى وهبتها لها هرموناتها وتأثيرات الطبيعة عليها ،جعلتها فى نظرى بجمال أفروديت ونفرتارى وزليخة أجمل نساء الكون واكثرهن أنوثة ودلال.  
حقيقة أذهلتنى طلعتها حقاً حتى أننى ظللت جالساً أحدق بها ولم أنتبه أن هاتفى يشتعل عويلاً وضجيجاً ويعلن أسم دكتور إيهاب صديقى وهو دكتور بشرى لم يتخصص بعد أمسكت الهاتف واجبت :
الو ايهاب ازيك:
أزيك يا محمود بيه عامل أيه يعنى لو مسألناش عليك متسألش انت ولا الشهرة والمعجبين نسوك إيهاب .
حبيبى يا إيهاب والله بس انا فعلاً مشغول جداً ومش عارف أتصل بحد معلش سامحنى المرة دى .
ولا يهمك ياسيدى عايزك اشوفك يا حوده بيه.
عنيه الاتنين يا ايهاب بيه امتى وفين.
لو فاضى بكرة نتقابل فى كوستا اللى فى المعادى على 8 كده.
ماشى يا برنس هكلمك أنا بكرة يا إيهاب عشان كمان عايزك فى موضوع مهم ماشى ?
ماشى يا ريس سلام.
سلام.
لم ألحظ ان إسراء تركت ما فى يدها وظلت محدقة بى طوال المكالمة وحينما انتهيت سألتنى:
ايهاب مين ده
ولتعلم أنت ايضا عزيزى القارئ ان دكتور ايهاب ودكتور عبدالله ودكتور أحمد سعيد ودكتور عبد الرحمن ودكتور محمد هم أصدقائى من خلال عملى بصيدلية ومنهم تعلمت الكثير عن الأدوية وتأثيرها وتركيزاتها بجانب ما درست من الكلية نفسها فهم يعتبروا أساس علمى لا الكلية .
رويت لها قصتى مع ايهاب وجلست أراقبها وهى تعمل منهمكة فى فحص وتحليل الكبسولة حتى شعرت أنى مرهقا بعض الشئ وأغمضت عينى قليلاً من أجل بعض الراحة النفسية والجسدية ولراحة عينى أيضا ويخيل إلى أنى غفوت قليلاً حتى أنى شعرت بظهرى يحترق ألماً ، وكأنى وقعت من فوق الكرسى الذى أجلس عليه ولكنى الآن على الفراش فى غرفة عجيبة الشكل لها جدران سماوية اللون رسم عليها الكثير من الروسمات مثل حديقة وضباب  ، وغمام وكثير منها تقبع على الحائط وفى نهاية الغرفة على الجدار الرابع تقبع إسراء بدون ملابس تقف مبتسمة وتفرد ذراعيها على استقامتهما بجسدها الثلجى وخصلاتها الذهبية وجمالها الآخاذ ، قمت من مرقدى ولم ائبه لإحتراق ظهرى الذى يعتصره الألم ، أحاول السيطرة على قدمى وأشعر بتتار نمل إجتاح خلايا رأسى وأعلنها منطقة عسكرية ، ألملم شتات نفسى وأقترب خطوة بخطوة من إسراء ولازالت تمد ذراعيها على هيئتها وخيل إلى أنها صامته وبكماء،  أحاول أن أخرج بعض الأصوات المشتتة من بين أحبالى الصوتية والتى سيترجمها عقلها إلى أسمها حينما تمر على أذانها ولكن لا شئ , شعرت أنى اشتهيها حقاً وأسرعت خطواتى ومددت ذراعى لأحتضنها ولكنى اصطدمت برأسى وأنفى فى الجدار وسقطت على الأرض وأنفى تنزف دماً وتبكى الماً وعينى ترغرغت بالدموع ، وأحاول أن أجمع شتات عقلى بعد تلك الصدمة ، وأنظر لها فإذا هى صورة ثلاثية الأبعاد لإسراء , وفجأة وجدت أرض الغرفة بذلك البورسلين عالى الجودة تنشق وتتحول لخندق يشتعل ناراً وكأن بركان فيزوف عادت له ثورته من جديد وأنا أحاول الصمود والإبتعاد عن تلك النيران ، ولكنى لا أستطيع ، جهازى العصبى لا يبعث بأى سيلات عصبية إلى جسدى وعقلى لا يستطيع قيادة جسدى ووجدت نفسى أغرق فى أعماق هذا الخندق العظيم أتشبث بيدى فقط فى أحد طرفى الخندق أحاول جاهداً أن أرفع نفسى وتأبى عضلات يدى الإنقباض وقدمى تشتعل وتتآكل من النيران، وصلت ألى أنفى رائحة شواء قدمى وأنا أصرخ وأنادى لينقظنى أحد :
النجدة النجدة ، ولا أحد يجيب ، أحاول مرة أخرى إرغام عضلات يدى على الإنقباض وبدأت تنقبض رويداً رويداً وبدأت أرفع قامتى وقدماى مازالا يحترقان ويعتصراننى الماً وتذكرت قول الله سبحانه وتعال (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب بما كانوا يكسبون) أصبحت على منحدر الخندق وأتفكر فى تلك النيران وأنا أقارنها بنار الأخره وأنظر إلى قدماى النصف مشويتين ، لا أستطيع لمسهما من فرط الالم ووجدت الخندق يضيق بجوانبه ويغلق مرة اخرى ورجعت أرض الغرفة كما كانت وأرى قدامى كما هما لا أثر لإحتراق او لرائحة شواء ومازالت صورة إسراء تطالعنى عارية ، مالذى يحدث لى أهو تأثير تلك الكبسولة الشيطانية ، أتذكر أن عينى مغلقة تماماً ،أحاول إخضاعها لعملية جراحية حتى تفتح جفونها ولا أستطيع ،هل هذا كله حلم ؟ ولكن كيف أتذكر كل تفاصيل الحلم ومتى متى نمت حتى أحلم ؟
لقد استيقظت للتو هل يخيل لى أن عينى مغلقة ولكن كيف أشاهد كل شئ أمامى أتحسس وجهى ولا أثر لنظارتى هل عاد بصرى قوياً كما كان ؟ أم كل ذلك محض خيالات ولا شئ حقيقى بالمرة ، قمت من مكانى أتحسس آى مفتاح لمصباح فى تلك الغرفة الغريبة او لعلى أجد باب أفتحه يخرجنى مما أنا فيه من قصة الرعب تلك وعينى التى تأبى ان تفتح جفونها وأنفى التى لا يوجد عليها اى أثر لدماء ورأسى التى تركها تتار النمل وغادر وقلبى الذى أنتظمت دقاته وقدمى التى تحملنى الآن ويدايى التى لا يظهر عليها اى أثار لاجهاد , وجدت مرادى اخيراً مزلاج الباب شعرت ببصيص من الأمل يجتاح كل خلية بجسدى،  أدرت المزلاج لأفتح الباب لأجدنى فى بيتى هو بكل تفاصيله الردهة قرمزية اللون والمقاعد الفوتيه أوربية الصنع والتصميم وجدران الغرف رمادية اللون والمدخل الدائرى إلى شقتى والمصابيح والسجاجيد والمطبخ والحمام والبانيو وكل شئ ولكن متى جاء دكتور  عبدالله الى هنا ؟ ولماذا يجلس على اريكتى ويشاهد تلفازى؟  أتذكر أنى كنت فى معمل إسراء وأن عبدالله لا يعرف عنوان لبيتى وأن عينى مازالت مغلقة ، أدار عبدالله رأسه ونظر إلى وقال لى لقد قامت القيامة يا محمود وذاب مثلما يذوب السكر فى الماء لا أثر له ، تحركت بضع خطوات أبحث عنه ولا أثر له ، أبحث هنا وهناك ولا شئ نظرت من النافذة وقد كان الجو ملبد بالغيوم والحر الشديد يجتاح المدينة ، نزلت مسرعاً أشاهد هلع الناس والفزع يحيط بى وأنظر الى النيل فأجد المياه فيه متجمده والبيوت تهدمت على عروشها والموقف كان شديد الغرابة حر شديد وماء مثلج وبييوت تتهدم وأناس فزعه وكل شئ من حولى كان على أغرب مايكون وفجأة تدور بى الارض وكل شئ من حولى ويختلط كل شئ ببعضه الأصوات والأشكال والكوارث جميعها تختلط كما يختلط الماء والسكر وبدأت ملامح آثار أشياء اخرى تحلق امامى وتبرز لى رويداً رويداً زجاجات وروائح عجيبة وجسد خمرى اللون...........

0 تعليقات:

إرسال تعليق