دكتور عادل عامر
يعني مبدأ تقيد السلطة منع الاستبداد والتعسف من قبل سلطات الحكم التي تتمتع بنفوذ كبير لذا يعتبر تقيد الحكم شرطا أساسيا لتحقيق الديمقراطية تخوفا من طغيان الأغلبية الذي هي فى الواقع تخوف من طغيان الحكم, فالحكم الذي تنتخبه غالبية الشعب قد يستخدم سلطته أو نفوذه للمس بالمواطنين أو بمجموعات أقلية كذلك يمكن أن يتخذ قرارا يؤجل موعد الانتخابات لبضع سنوات أو حتى يسن قانونا يلغي الانتخابات تماما أو أي قرار أخر من شانه المس بمبادئ الديمقراطية ولهذا الغرض هناك مؤسسات إشراف ومراقبة رسمية وغير رسمية تراقب وتشرف على السلطات وتفحص إذا كانت هذه السلطات تعمل وفقا لمعايير ناجعة الحكومة تتصرّف بمصادر المعلومات، في الشّؤون الدّاخليّة والخارجيّة. والحكومة هي الّتي تعتبر مصدر المعلومات للسّلطة التّشريعيّة، أو وسائل الاتّصال. لذلك، سيطرة الحكومة على هذه المعلومات تمنحها نفوذًا كبيرًا. إن الاعتقال الإداري هو عبارة عن عملية اعتقال تـتم بدون حسم قضائي واضح ، وبدون لائحة اتهام وحتى بدون محاكمة كما هو معروف في القانون الدولي ، وليس هناك أدنى شك أن الطريقة التي تستعمل فيها حكومة الاحتلال الاعتقال الإداري تتناقض وبشكل سافر مع القيود التي وضعها القانون الدولي على الاعتقال الإداري . وإذا علمنا أن من أهم وأبرز القواعد الأساسية لحقوق الإنسان هو الحق في الحرية ، فإن الاعتقال الإداري هو انتهاك صارخ للقانون الدولي ولا بد لنا أن نؤكد أن الاعتقال الإداري هو الوسيلة الأكثر تطرفا التي يسمح بها القانون الدولي للقوة المحتلة بإتباعها تجاه سكان المناطق المحتلة. نظرا لأن الحديث يدور عن وسيلة شاذة ومتطرفة، فإن استعمال هذه الوسيلة خاضع لشروط صارمة.
فقد حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية الفقرة 1 من المادة الثالثة للقانون رقم 162 لسنة 1958 بشان حالة الطوارئ والتي تنص على "أن للرئيس متى أعلنت حالة الطوارئ يجب أن يتخذ التدابير المناسبة للمحافظة على الأمن والنظام العام، وله على وجه الخصوص طبقا للبند المطعون عليه، وضع قيود على حرية الأشخاص فى الاجتماع والانتقال والإقامة والمرور فى أماكن وأوقات معينة والقبض على المشتبه فيهم أو الخطيرين على الأمن والنظام العام واعتقالهم والترحيب بتفتيش الأشخاص والأماكن دون التقييد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية ".وقالت المحكمة التي ضمت عضويتها في جلسة الحكم، كلًا من: المستشارين أنور العاصي وعبد الوهاب عبد الرازق ومحمد الشناوي وماهر سامي ومحمد خيري وسعيد مرعى نواب رئيس المحكمة وحضور المستشار د . حمدان فهمي رئيس هيئة المفوضين، فى أسباب حكمها: "إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن قانون الطوارئ هو محض نظام استثنائي قصد به دعم السلطة التنفيذية وتزويدها بمكنات معينة، تحد بها من الحقوق والحريات العامة بهدف مواجهة ظروف طارئة تهدد السلامة العامة أو الأمن القومي للبلاد، وبالتالي لا يجوز التوسع فى تطبيقه، ويتعين التزام التفسير الضيق لأحكامه، ويجب على السلطة التي حددها قانون الطوارئ ـ وتتمثل فى رئيس الجمهورية أو من ينيبه ـ أن تتقيد بالغاية المحددة من قانون الطوارئ، عند اتخاذ أي من التدابير المنصوص عليها فى المادة (3) من القرار بقانون رقم 162 لسنة 1958 ، وإلا وقع ما اتخذته فى حومة مخالفة الدستور".كما أنه من المقرر أيضاً أن نصوص الدستور لا تتعارض أو تتهادم أو تتنافر فيما بينها، ولكنها تتكامل فى إطار الوحدة العضوية التي تنظمها من خلال التوفيق بين مجموع أحكامها، بما يجعل منها نسيجاً متآلفاً متماسكاً، ذلك إن إنفاذ الوثيقة الدستورية وفرض أحكامها على المخاطبين بها، يفترض العمل بها فى مجموعها. وأضافت المحكمة في الحيثيات، "إذ كان الدستور قد نص فى ديباجته على خضوع الدولة للقانون، دالاً بذلك على أن الدولة القانونية هي التي تتقيد فى كافة مظاهر نشاطها وأيا كانت طبيعة سلطاتها بقواعد قانونية تعلوها، وتكون بذاتها ضابطاً لأعمالها وتصرفاتها فى أشكالها المختلفة، فمن ثم أضحى مبدأ خضوع الدولة للقانون مقترناً بمبدأ مشروعية السلطة، هو الأساس الذي تقوم عليه الدولة القانونية متى كان ذلك، وكان الدستور ينص فى المادة (74) منه على أن سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة" وينص فى المادة (148) على أن " يعلن رئيس الجمهورية، بعد أخذ رأى الحكومة، حالة الطوارئ على النحو الذي ينظمه القانون"، ومن ثم فإن القانون المنظم لحالة الطوارئ، يتعين أن يتقيد بالضوابط المقررة للعمل التشريعي، وأهمها عدم مخالفة نصوص الدستور الأخرى، إذ أن صدور قانون الطوارئ بناء على نص فى الدستور لا يعنى ترخيص هذا القانون فى تجاوز باقي نصوصه وإذ كانت المادة (34) من الدستور تنص على أن:" فيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد ولا تفتيشه ولا حبسه ولا منعه فى التنقل ولا تقييد حريته بأي قيد إلا بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق".كما تنص المادة (39) منه على أن "للمنازل حرمة وفيما عدا حالات الخطر والاستغاثة، لا يجوز دخولها، ولا تفتيشها، ولا مراقبتها، إلا فى الأحوال المبينة فى القانون ، وبأمر قضائي مسبب يحدد المكان والتوقيت والغرض" وبالتالي فإن النص فى البند (1) من المادة (3) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 162 لسنة 1958 على الترخيص فى القبض على الأشخاص والاعتقال وتفتيش الأشخاص والأماكن دون إذن قضائي مسبب، يكون قد أهدر حريات المواطنين الشخصية واعتدى على حرمة مساكنهم، مما يشكل خرقاً لمبدأ سيادة القانون الذي يعد أساس الحكم فى الدولة بالمخالفة لأحكام المواد 34 ، 35 ، 39 ، 81 من الدستور. القواعد القانونية التي يتضمنها النظام القانوني للدولة ليست في مرتبة واحدة وإنما هي مراتب متدرجة،ويترتب على ذلك إن كل قاعدة ينبغي إن لا تخالف القاعدة التي تعلوها في المرتبة وعلى هذا النحو يُمثل النظام القانوني في الدولة بأنه كالهرم الذي تقف على قمته القواعد الدستورية، ومن جانب أخر فان الدستور هو الذي ينشأ سلطات الدولة المختلفة وهو الذي يحدد اختصاصاتها وكذلك طبيعة العلاقة بين كل سلطة والسلطات الأخرى في الدولة، إن هاتين الخاصتين تجعلان منه ذو سمو عُرف في فقه القانون الدستوري بمبدأ سمو الدستور.
ويراد بمبدأ سمو الدستور علو القواعد الدستورية على غيرها من القواعد القانونية المطبقة في الدولة، وهذا يعني إن أي قانون تصدره الدولة يجب إن لا يكون مخالفاً للدستور. ويراد بسمو الدستور أيضا. إن النظام القانوني للدولة بأكمله يكون محكوماً بالقواعد الدستورية، وان أية سلطة من سلطات الدولة لا يمكن إن تمارس إلا من قبل الهيئة التي خولها إياها الدستور وبالحدود التي رسمها.ويعتبر مبدأ سمو الدستور من المبادئ المسلم بها في فقه القانون الدستوري حتى في حالة عدم النص عليه في صلب الوثيقة الدستورية. فقد أقرت الشريعة الإسلامية نظرية الضرورة في وقت مبكر سبقت فيه الشرائع الحديثة بعدة قرون حيث أشارت إليها بوضوح النصوص القرآنية الكريمة والسنة السنة النبوية الشريفة، وتولى فقهاء الشريـعة دراسة هذه النصوص واستنبطوا منها قواعد كلية وفرعية في العبادات والمعاملات، وبنوى أحكامها الشرعية على مستلزمات الضروريات الخمس وهي ( حفظ الدين والنفس والمال والعقل والنسل) وذهبوا إلى أن المحافظة على هذه الضروريات الخمس تبيح مخالفة التكاليف الشرعية بعد أن اشتقوا لها أحكاما وشروطا وقيودا من مصادر الحكم الشرعي وقسموا الحكم الشرعي باعتبار عمومه إلى عزيمة ورخصة. وعرف بعضهم الضرورة بأنها ( خوف من الهلاك على النفس أو المال سواء أكان هذه الخوف علماً أي أمراً متيقناً أو ظنناً يراد به الظن الراجح وهو المبني على أسباب معقولة). أن حالة الطوارئ منعدمة وليس لها تأثير من الناحية الدستورية ولم تستفد منها الحكومة إلا فى أمرين فقط هما: فرض حظر التجول، ووضع مبارك قيد الإقامة الجبرية وما دون ذلك كان يتم وفقا لخطة أمنية وضعتها السلطة لتأمين البلاد .. وذلك وفقا لحكم قانوني صدر بتاريخ 2 يونيو 2013 من المحكمة الدستورية العليا أن المحكمة الدستورية العليا قضت ببطلان الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القانون رقم 162 لسنة 1958 المعروف باسم قانون الطوارئ حيث حكمت بعدم دستورية البند الأول من المادة 3 الخاصة بتخويل الحاكم العسكري ونائبه أو رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة صلاحيات القبض والاعتقال دون التقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية .. ووفقا لهذا الحكم لايجوز القبض على شخص والاشتباه به وتفتيشه واحتجازه إلا بأمر من النيابة العامة .. وهذا ما يفسر انعدام لجوء الحكومة لحالة الطوارئ رغم إعلان فرضها.. ووفقا لذلك فإن كل قرارات الاعتقال والاحتجاز تمت وفقا لقانون الأحكام الجنائية.
و أن هذا يفسر لماذا كانت أيدي حكومة الببلاوى مرتعشة لهذا السبب نظرا لبطلان دستورية المواد المؤثرة فى قانون الطوارئ. أن حالة الطوارئ يتم فرضها فى حالة تعرض استقرار الدولة للخطر وهى تمتد لفترة محددة بحسب الحالة، وفى حالة تحسن الأوضاع وعودة الأمور لطبيعتها يتم إزالة هذه الحالة، لكن لايعنى ذلك تعرض البلاد للخطر، فهناك أولا خطة أمنية متبعة لاتعتمد على قانون الطوارئ ولا تستند عليه مثل محاصرة المظاهرات وإغلاق الميادين وتحجيم نشاط المحظورة فهذا مسألة تعود لرؤية الأمن للأوضاع الداخلية. أيضا هناك العديد من الإجراءات التي تضمنتها بعض القوانين مثل قانون الإجراءات الجنائية الذي تم تعديله فى عام 1992 لمواجهة ظواهر الإرهاب ومواد أخرى فى قانون العقوبات. وهناك أيضا قانون التظاهر رقم 15 لسنة 1923 والذي تم تعديله عام 1977 عقب انتفاضة الخبز. ولا يزال ساريا حتى اليوم. أن حظر التجول مرتبط بحالة الطوارئ وبالتالي يتم إلغاؤه نهائيا مع رفع حالة الطوارئ. كما أنه وفقا لهذا الحالة يصبح الرئيس الأسبق حسنى مبارك طليقا دون أن يخضع مجددا للإقامة الجبرية. كانت الدولة قد وضعت خطة أمنية محكمة فى أعقاب فض اعتصامات الإخوان فى رابعة والنهضة تم بمقتضاها فرض حظر التجول يوميا من الساعة السابعة مساءً إلى الساعة الخامسة من صباح اليوم التالي ثم تم تخفيف الحظر ليبدأ من الواحدة صباحا وحتى الخامسة باستثناء يوم الجمعة الذي يشهد مظاهرات لتنظيم الإخوان هذا بالإضافة إلى إغلاق محطة السادات بالمترو لمنع استغلالها فى الحشد والتجمع بالميدان وإغلاق محطة الجيزة لنفس الغرض. ومن جانب آخر حرص الأمن على إغلاق الميادين الرئيسية التي كانت تشهد مظاهرات من قبل على رأسها ميدان التحرير ورابعة العدوية والنهضة بهدف منع التجمهر والاعتصام بها. وقد ساهمت هذه الخطوات والإجراءات فى سيادة حالة من الاستقرار الجزئي مع غياب المظاهرات والاعتصامات.
كاتب المقالدكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق