Ads

قانون تنظيم التظاهر ما له وما عليه



بقلم هيام محى الدين

بالغت جماعة الإخوان والمتحالفين معها من تيار الإسلام السياسي المتطرف في استخدام حق التظاهر بصورة شديدة الفجاجة لفظاً وسلوكاً وتخريباً وتدميراً ، واستغلوا عدم وجود نص قانوني يمنع وينظم ويحدد ، فقانون العقوبات لا يمكن تفعيله إلا بعد حدوث العنف أو التدمير ، وليس فيه نص يحقق مبدأ الوقاية خير من العلاج ، مما يجعل مهمة الشرطة في التعامل مع تظاهرات الإخوان ، شديدة الصعوبة وتجعل الحد من تخريبهم وعنفهم أو منعه قبل وقوعه يكاد يكون مستحيلاً.
وفي جميع دول العالم تقريباً المتقدم والنامي والمتخلف أيضاً قوانين تنظم حق التظاهر وعقد الاجتماعات والمؤتمرات الجماهيرية وكلها بلا استثناء تشترط الإخطار المسبق للأجهزة الأمنية وتحديد الزمان والمكان والهدف من التظاهر ؛ كما تشترط الاستجابة الفورية لأجهزة الأمن حين توجههم إلى عدم قطع الطرق أو تعطيل المرور أو استخدام العنف المادي أو اللفظي أو الهتافات المسيئة ؛ وتضع عقوبات واضحة ومحددة لمن يخالف نصوص القانون تتراوح بين الغرامة والتعويض الكامل عن الأضرار المادية والأدبية وتصل إلى تطبيق مواد قانون العقوبات التي تنص على عقوبة السجن والأشغال الشاقة والتي تصل إلى عقوبة الإعدام عند ارتكاب ما يوجب تطبيقها من خلال التظاهر.
وبالنسبة لمصر فهناك قوانين قديمة مضادة لحرية التعبير والرأي ومانعة للتظاهر والتجمهر والنشر بشكل لا يتوافق مع الحقوق الديمقراطية ، وحرية التعبير صدر بعضها عام 1905 ، 1913 ، 1923 وكلها معطلة ولا يمكن العمل بها ولا تصلح للتطبيق في القرن الحادي والعشرين ، ولا يمكن تفعيلها بعد ثورات عظيمة قام بها الشعب المصري للحصول على حريته وكرامته.
فكان ضرورياً في الظروف الحالية التي تمر بها مصر التي تعيش حرباً فعلية ضد إرهاب حقيقي يتاجر بالدين ويقتل جنود وضباط الجيش والشرطة بوحشية لا سابقة لها في تاريخ مصر الممتد في عمق الزمن ويخرب المنشآت ويقطع الطرق ويفخخ السيارات ويعطل القطارات ويوقف العملية التعليمية بالجامعات ، أن يصدر قانون ينظم حق التظاهر السلمي ويضع العقوبات المناسبة لمن يخرج عليه بشكل معاصر يتسق مع القوانين المشابهة في كل دول العالم.
وصدر قانون تنظيم التظاهر ، فاستغل الإخوان وحلفاؤهم مواده التي تهدف إلى الوقاية من أضرار عنف مظاهراتهم لإثارة بعض النشطاء الثوريين من الشباب واستخدامهم للاشتباك مع الشرطة التي لا تملك إلا تطبيق القانون ويقف الإخوان بعيداً يشاهدون مسرورين عودة الفوضى ، والوقيعة بين الثوار والأجهزة الأمنية بمنطق فليقاتل الثوار بعضهم بعضاً وينهار الجهاز الأمني مرة أخرى لكي نضرب ضربتنا القاضية ونستعيد سيطرتنا على الشعب الذي أسقطنا في 30 يونيو ، فهل هذا ما يريده الثوار ؟! أما اتهام القانون بأنه يعارض الديمقراطية ويقيد الحريات وينتقص من الحق في حرية التعبير فجميع الدول الديمقراطية في العالم لديها قوانين تنظم التظاهر فيها من الشروط والقواعد ما هو أشد قسوة وأكثر قيوداً من القانون المصري ومع ذلك تتعدد فيها مجالات التعبير الحر الكامل عن الرأي والرؤية داخل إطار قانوني يقي المجتمع من إساءة استخدام هذه الحرية وتصل غرامات المخالفة إلى ملايين الدولارات واليوروهات والجنيهات في الولايات المتحدة وكل الدول الأوربية ، لمجرد التجاوز اللفظي أو القذف الشخصي أو إهانة مؤسسات الدولة أو جيشها أو علمها ، أما استخدام أبسط أنواع العنف المادي فيواجه بقسوة بالغة حاسمة من أجهزة الأمن ، وهو ما حدث في فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة من خلال احتجاجات متفرقة خلال الشهور الأخيرة.
ولكني أعترض على السلوك الشرطي مع الشباب في ميدان طلعت حرب بالقاهرة وفي ساحة القيادة البحرية بالإسكندرية فالقانون الجديد خاصة بعد ثورتين كانت المظاهرات الحاشدة سلاحها للتغيير ، كان ينبغي التدرج في تطبيق القانون ومحاولة تفعيل روح القانون قبل نصوصه ، والصبر على الشباب الثائر ، والتمييز بين المحرض والمتعاطف والمخدوع بحيث يستخدم الحسم مع المحرضين والحوار مع المتعاطفين وتنوير المخدوعين وأن تقوم الحكومة بحملة إعلامية لشرح بنود القانون وبيان ضرورته للمرحلة واستعادة الحشد الشعبي والرأي العام إلى جانب تفعيله والاستجابة لما يطلب من تعديلات لا تضر بجوهره أو هدفه وتحقق بعض مطالب شباب الثورة إلى جانب تعميق قيم الوطنية والانتماء وغرس الثقة بين الشعب وحكومته والإسراع بالانتهاء من صياغة الدستور وتحديد مواعيد لخطوات خارطة الطريق إلى الديمقراطية لاستكمال مؤسسات السلطات التشريعية والتنفيذية.
كما أن واجب الإعلام في هذه الفترة الحاسمة من تاريخ مصر أن يخفف من انتقاداته القاسية لحكومة الفترة الانتقالية التأسيسية ويدعمها لاستكمال أهدافها وأن يكون نقده بناء وداعماً وليس قاسياً ولا ساخراً ولا هداماً ولا انتقامياً أو مصفيا لحسابات فالإعلام من أهم الوسائل المؤثرة التي نحتاج المرحلة الحالية إلى دعمها وموضوعيتها وحيادها لكي تنتصر مصر على الإرهاب والمؤامرات التي تستهدف تدميرها ، وتسير في طريق الحرية والديمقراطية بوحدة شعبها وجيشها وشرطتها وبوضوح أهداف أحزابها وسياسييها وإبداع مثقفيها وعلمائها وطهارة ونزاهة قضائها وجهد وإنتاج فلاحيها وعمالها إنها مصر بارك الله فيها ، وطن يعيش فينا ، فلا تمزقوه ، أرض نعشقها فلا تخربوها ، جيش يضحي بدمه في سبيلها فلا تخذلوه ،
وأنا واثقة أن المشاعر الوطنية سوف تنتصر على دعاوى الفوضى والتمزيق والإرهاب فهذا الشعب يعرف طريقه وسوف يسير فيه ويضحي بكل غالٍ ونفيس لتستعيد مصر قوتها وتمارس دورها المستحق في تقدم الإنسانية.
                        هيام محي الدين




0 تعليقات:

إرسال تعليق