دكتور عادل عامر
إن قضية الأطفال المشردين في الشوارع ليست قضية فقر لأنه في المجتمعات الإسلامية القديمة كان فيها فقر لكن لم يكن فيها متشردين لأن الإسلام شريعة تكافلية. وإذا أردنا أن يشب أطفالنا أسوياء فعلينا أن نهتم بتربيتهم على أسس نفسية سليمة من ذلك اعتدال الآباء و الأمهات و المعلمين في معاملة الطفل فلا يسرفون في تدليله و تلبية مطالبه و ترك الحبل على الغارب له لأن الحرية المطلقة هي في النهاية فوضى، و من شأن هذا النمط من التربية أن يخرج لنا شخصية مدللة أنانية لا تهتم إلا بإشباع حاجاتها و دوافعها، و سرعان ما يصطدم الطفل مع المجتمع الخارجي عندما يفشل في تحقيق رغباته على النحو الذي تعود عليه في المنزل فيشعر بالفشل و الإحباط و السخط و التبرم أما الإسراف في القسوة على الطفل و محاصرته بالعديد من الأوامر و النواهي و القيود فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تكوين شخصية عدوانية حاقدة أو قد يتقمص الطفل العدوان منهجا لتحقيق رغباته و قد ينشأ خائفا مترددا غير واثق من نفسه، يكثر من لومها ، و قد تؤدي كثرة الضغط إلى الانفجار، فيثور ضد هذه القيود لذا فإن الموقف المثالي هو الاعتدال و التوسط، فحماية الأطفال و العناية بهم لقي في التربية الإسلامية درجات عالية من التأكيد و الحرص، ظهرت في اتجاه العطف و الحنو و المعاملة الطيبة لهم، و إن الأطفال الذين نهمل تربيتهم و نتركهم لحياة الصدف و المغامرات يعيشون في عناء تتقاذفهم الأمواج، و الهالك منهم خسارة فادحة و الناجي منهم يكون عبئا و ثقلا على المجتمع، و من جميل كلام فقهاء الإسلام في تربية الكبار للصغار و واجبهم نحوهم ما قاله ابن قيم الجوزية:” فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم، فمن أهمل تربية ولده و تركه سدى فقد أساء إليه غاية الإساءة و أكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء و إهمالهم إياهم و ترك تعليمهم فرائض الدين و سننه، فأضاعوهم صغارا، فلم ينفعوا أنفسهم و لا نفعوا آباءهم كبارا”
يمارس التسول أكثر من نصف عينة الدراسة (60% بعدد 238 طفل) وهو ما يرجع لكونه الوسيلة الأولي لتكيفهم مع حياة الشارع بما يوفره من دخل يساعدهم علي الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، أقل من خمس هولاء بعدد 69 طفل تم الاتجار بهم في التسول لحساب الغير، معظمهم من الذكور في الفئة العمرية من 11 إلي أقل من 15 سنة، الذين لم يلتحقوا بالتعليم. يتاجر بثلثي هؤلاء الأطفال معلم التسول في معظم الأحوال ثم بلطجي الشارع، والثلث الباقي يتاجر به أحد أفراد أسرة الطفل في مقدمتهم أم الطفل، فأحد أخوته والأب ثم أحد الأقارب. يتعامل مع المخدرات تعاطياً واتجاراً أقل من نصف عينة الدراسة، كما يتعاطي فقط حوالي ربع تلك العينة وهي نتيجة ايجابية بالنظر إلي وجود هؤلاء الأطفال في وضع الخطورة بدون رعاية أو رقابة. تم استغلال 25 طفل منهم بنسبة 6.3% من عينة الدراسة كضحية للاتجار من جانب الغير في توزيع المخدرات أو في تغليفها أو تقديمها للتعاطي، ولا يستطيع أغلبهم البعد عن النشاط إما بسبب إدمانهم أو بسبب الإكراه والخوف من عقاب المتاجر.صور الاتجار بالبشر الأكثر إنتشارا
وللاتجار بالبشر صوره المتعددة و التي تشيع ويكون لها الآثر الأكبر في هذه القضية العالمية ومنها :
(1) البغاء.. من أهم و أخطر صور الاتجار بالبشر و الاكثر انتشارا فى دول العالم لما تحققه من ثروات ضخمة و قلة خطورتها و تعمير السلعة المستخدمة لفترة طويلة مما يقلل من تكلفة الجريمة. ومن أهم الأشخاص المستهدفة : الأطفال (ذكور و إناث) – الفتيات – السيدات
(2) الاتجار فى الأطفال ..و هو من صور الإتجارفى البشر المربحة جدا حيث يمكن استغلال الطفل فى التجارة الجنسية،العماله الغير مكلفة، العماله الخطرة، التجنيد فى المناطق المسلحة، الجنس الالكترونى دون إكتراث بادمية الطفل و دون الاهتمام بحياته.
(3) تجارة الأعضاء البشرية .. تحت وطأة الحاجة المالية ، و تحت وطأة أساليب الاتجار فى البشر يمارس العاملون بتلك التجارة احد أهم صورها التي تدر عليهم المال الوفير و هي تجارة الأعضاء البشرية التي تمارس بيسر و سهولة تحت وطأ القسر أو التهديد أو الحاجة المالية له كالكلى، القرنية، القلب، الكبد
أكثر من مليوني طفل مشرد يسكنون شوارع القاهرة!! هكذا تقول الإحصائيات فهؤلاء الأطفال الذين يفترشون الأرصفة ويقتاتون من التسول أو السرقة أو من أكوام القمامة... هؤلاء الذين تتشابه ملامحهم بفعل الفقر والمرض وسوء التغذية، لا يصارعون الموت جوعاً فقط، ولا تطاردهم الشرطة فحسب، بل هم يتعرضون أيضاً لأبشع أنواع الاستغلال الجسدي، ينتهك الشارع آدميتهم ويتعرضون للاغتصاب "المادي" كما سبق وتعرضوا للاغتصاب بمعناه النفسي والاجتماعي؟!.ما زلت مع الأرقام التي تقول إن 80% من أطفال الشوارع تعرضوا للاغتصاب الجنسي مرة واحدة على الأقل خلال رحلتهم التي تبدأ عادة بالفرار من المنزل لسبب أو لآخر، إما للظروف الاقتصادية السيئة، أو لتفكك الأسرة بانفصال الوالدين أو حتى لحظة مجنونة يتوه خلالها طفل صغير من والده أو والدته وسط الزحام لتتغير إلى الأبد حياته وحياة من حوله و اكتشفنا في الشارع أيضاً فتيات انتهكت براءتهن وهن على أعتاب الطفولة، هل تصدق.. لم يكن اليأس ترفاً متاحاً ولم يكن من الممكن لأي سبب التخلي عن "أمهات" لم يتجاوزن الثالثة عشرة ليواجهن مصيراً بلا ملامح، خصوصاً بعد أن كشفت الجولات الميدانية عن تحول الأطفال الذين تنجبهم أمهات الشوارع إلى "مصدر" لتجارة الأعضاء وتجار البشر.
كاتب المقالدكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق