Ads

المصريون محتاجين العودة لروح أكتوبر


دكتور عادل  عامر

إن مصر والعرب قد سارا جميعا على طريق عبد الناصر حتى كانت حرب أكتوبر، وانتصرت الأمة على هزيمتها السابقة وكسرت أسطورة التفوق العسكري الإسرائيلي واستعادت زمام المبادرة في حربها التحريرية، واستعادت أيضا السيطرة على ثرواتها البترولية المنهوبة، وفتحت أبوابا للتنمية والتقدم كانت مغلقة لوقت طويل

إن الآمال كانت معقودة على إن يكون نصر أكتوبر هو البوابة نحو عصر عربي جديد تتحرر فيه كل الأرض وتعود فيه الإرادة المستقلة، وتترسخ فيه دعائم النهضة، وتسقط فيه الحدود المصطنعة والخلافات الموروثة بين الأقطار العربية لتدخل العصر الجديد وهي كيان قوي سياسيا واقتصاديا وعسكريا.

لا يُنكرُ أحدٌ ما للمال اليوم من سطوةٍ وقدرة ، فهي اللسانُ لمن أرادَ فصاحةً وهي السلاحُ لمن أرادَ قتالا .. غير أننا اليوم نجد كيف أضحى ضعفُ وشحةُ وقلّةُ وندرةُ وانعدامُ الإمكانيات المادية شمّاعات مريحة يُعلّقُ عليها كلُّ ضعفٍ وكلُّ نقصٍ وتهاونٍ وكلّ كسلٍ وفشل في كثيرٍ من نواحي حياتنا لا سيما في الحياة العامّة ومرافق الخدمات العامّة في بلادنا ، ، وليست الإمكانيات الماديّة هي العائق الوحيد أمام الإنجاز والنجاح فيها ، ولكنه الضعف الشديد في (روح القيادةِ والإدارة) ، فحُسنُ القيادةِ والإدارة هو الذي يصنع الفرص ويوجدُ الموارد ويبتكر الحلول ويستخدم المتاح من الإمكانيات استخداماً رشيداً تتحقق به الأهداف والمنجزات وفقاً والإمكانات .. وعلى قدر الارادة

وما إن أتى الربيع العربي وبدأت زهوره تتفتح في كل ركن من وطننا الحبيب وانفرطت حبات عقده الثوري اللؤلؤي التي نبتت من تونس الخضراء وترعرعت في مصر الكنانة وتناثرت في ليبيا المختار ومازالت تتلألأ وتشتعل في سوريا الحلبية واليمن الذي سيظل بشعبه بطل وسعيد؛ إلا وتنفسنا هواءً لم نذق طعمه من قبل، وتفتحت أعيننا على عالم عربي جديد قالوا عنه يوما إنه عالم نائم... خانع... يسير خلف الجدران... ولا يحرك ساكناً لقضاياه... متناسيين ماضيه وتاريخه العريق.ولكن للأسف ظهرت علامات التراجع التي قادت بعد ذلك إلى انهيار كل هذه الآمال بعد أن انفض تحالف أكتوبر، وبدأت الولايات المتحدة حربها لضرب كل مصادر القوة العربية. وذهب السادات إلى كامب ديفيد لعقد الصلح المنفرد، وقادت واشنطن تحالف الأقوياء للاستيلاء مرة أخرى على سوق البترول العالمي، وتوالت الصراعات العربية ـ العربية، وتبددت القوة العربية في حروب اهلية أو صراعات قطرية، وكان طبيعيا إلا يستطيع احد إن يملأ الفراغ الذي أحدثه خروج مصر من الصراع مع إسرائيل فضاعت روح أكتوبر وغاب النصر.وأنه في ظل غياب هذه الروح جاءت لحظة التحول العالمي في نهاية الثمانينات بانهيار الاتحاد السوفيتي واستفراد الولايات المتحدة بالقوة والنفوذ العالميين، وكان العرب وقتها في اسوإ حالاتهم، وعندما وقعت كارثة الغزو العراقي للكويت كان العرب اعجز من إن يواجهوا الموقف ويفرضوا الحل العربي، وعندما دخل الفلسطينيون نفق أوسلو لم يكن ذلك فقط لخطأ في الحسابات الفلسطينية، بل أيضا حصيلة الخلل الذي حدث في موازين القوى العربية الإسرائيلية، وحصيلة تسليم أوراق اللعبة لأمريكا التي لم تخف يوما انحيازها الكامل لإسرائيل وضد العرب.

 إن الظروف الخطيرة التي تمر بها المنطقة التي فتحت العيون لكي ترى الحقيقة التي كانت لا تريد إن تراها على مدى سنوات طويلة بعد انتصار أكتوبر فالحرب التي أعلنتها أمريكا على العراق واحتلالها منذ 2003 وحتى الآن ثم ضغوطها على من تريد من العرب كشفت القناع كاملا عن سياسة أمريكية استعمارية تريد الهيمنة الكاملة على الأرض العربية، والسيطرة الشاملة على الثروات والمقدرات العربية.للان المستقبل القادم مظلم لأنه يحمل معالم إرساء خريطة جديدة تتحول فيها الدول العربية إلى شظايا متناثرة وتصبح فيها إسرائيل هي الكيان الأكبر والأقوى في المنطقة من اجل استكمال السيطرة وإخضاع المنطقة وإسكات أي صوت يعارض أو يتحفظ أو يطلب الحد الأدنى من الحقوق المشروعة والمسلوبة.للانها لحظة فارقة في عمر المنطقة والعالم، أمريكا تبني إمبراطوريتها في ظل حكم يميني عنصري متعصب حتى لو جاءت الإدارة الديمقراطية أو استمر حكم الجمهوريين والليكود يستعد لأحكام قبضته علي إسرائيل بعد انتهاء عصر كاديما ويتطلب الأمر المراجعة الشاملة للسياسات التي أدت إلى هذه الأوضاع واستعادة الروح من الإرادة الغائبة والعودة إلى استلهام أسباب نصر أكتوبر والتحلي بروحه بدلا من روح الانهزام التي تملأ قلوبنا وعقولنا. " لقد عشنا ولا نزال نعيش مرحلة العجز العربي الذي حل محل القوة التي تحققت من نصر أكتوبر، ووصل العجز إلى احتلال العراق بعد فلسطين ووصل بنا السلام الاستسلامي إلى مستوى ترك الشعب الفلسطيني يذبح وحيدا أمام العيون الزجاجية والضمائر النائمة، إن أهمية استعادة روح أكتوبر مجددا، وهي الروح التي مازالت تدب في صدور المقاومة التي تواجه المحتلين بكل ما تملك من أسلحة".إن أهم ما في حرب أكتوبر هو روحها التي تخلينا عنها بكل أسف وكانت ترفرف في كل بيت مصري وعربي لأنها كانت حربا شارك فيها الجميع كما كانت المأساة التي أعقبت نكسة عام 1967 يعيشها ويكتوي بنارها الكل.للأنة إذا كانت الحرب العسكرية على أرض الميدان انتهت إلا إن هناك حروبا متعددة مطروحة على الساحة في الميادين الأخرى، وهو الأمر الذي يستدعي الروح الواحدة في أي حروب قادمة حتى لو كانت الآن مجرد نوايا. تأتي هذا العام غير متناسية للبطولات الحقيقية التي صنعت النصر الذي ظل محصورا في ضربة جوية يتيمة طيلة عقود مضت، ومزيلة لكل الأقلام السوداء التي حذفت وزيفت التاريخ وجعلته محصوراً في شخص واحد لا ثاني له. كنت أحلم وأحلم أن أرى مصر عالية وضاءة بين الأمم قائدة للعالم العربي كما كانت، وكنت أؤمن بأن نهضة مصر هي نهضة الأمة الإسلامية؛ فإن ماتت ماتوا بجوارها ولن يسير أحد في عزائهم، وسرعان ما استيقظت على واقع مر وهو أن قدري وقدر جيلي أننا أتينا في وقت لم يعد فيه أي حافز للنهضة والانتصار ولم يعد فيه للزعامة مكان، فأبيت محملة بالهموم. غياب الإستراتيجية الموحّدة للموقف الرسمي العربي، وبغياب الموقف الشعبي الداعم والمقرر ايضًا، تحوّل الوطن العربي بكافة دوله دون استثناء، إلى حقل تجارب لمشاريع الغرب المبنية على دراسات علمية، وإحصائيات ومراقبة لتطور الأحداث والمجتمع، ورصد مستمر لانهيار المنظومة القيمية الاجتماعية، وتفكك الحلقات الأساسية في مجتمعنا وبعد تحول الأنظمة العربية إلى أنظمة مستبدة، ومستأثرة بخيرات البلاد وثرواته، توسعت الفجوة بين السواد الأعظم من الناس والشرائح الضيقة الحاكمة، فزاد الاغتراب في نفسية كل مواطن، وارتفعت البطالة وأصبح رغيف العيش عزيزًا، ناهيك عن منع الناس من ممارسة حقهم الطبيعي في المشاركة في الحكم ومراقبة توزيع الثروة بعدل. وهكذا تركزت الثروة بأيدي القلة، بينما حُرم منها غالبية الأفراد مما زاد نقمتهم على الحكام والأنظمة الذين ينعمون بثروة البلاد بينما هم محرومون منها لذا فهناك حاجة ماسة إلى خطاب عروبي صادق وليس كلامًا يقال، بل ممارسة عملية يلتحم بها كل المطالبين بالتغيير، والنهوض بالأمة وفق إستراتيجية عربية موحدة تشمل الحفاظ على وحدة الوطن العربي



كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

0 تعليقات:

إرسال تعليق