Ads

أزمة المياه وآليات المواجهة


دكتور عادل عامر

تظل مياه النيل هي الشغل الشاغل لأهل القارة الإفريقية. وقد لفت غياب معظم وزراء مياه دول حوض النيل عن المشاركة في فعاليات المؤتمر الإفريقي للمياه الانتباه إلى حقيقة في غاية الأهمية تعكس الأزمة الحقيقية التي تشهدها العلاقات بين دول المنابع ودولتي المصب. أن حجم الاستثمار مع إفريقيا لا يتعدي 15% ويقل عن مثيلاتها مع الدول العربية.للانتا نستخدم فقط 6% من الموارد المتوافرة في إفريقيا، كما أننا لا نستغل سوي هكتارات قليلة من الأرض برغم المساحات الشاسعة في القارة الإفريقية وأن دخل المواطن الإفريقي لا يزيد علي دولار واحد في اليوم. أن مصر عانت ندرة المياه، حيث لا يتعدى نصيب الفرد 700 متر مكعب سنويا بالرغم من احتياجاتنا لكميات أكبر من ذلك مع ضرورة التعاون والتعامل مع دول القارة الإفريقية باعتبارها مستقبل التنمية المشتركة بين مصر ودول القارة.

للأنة يجب البحث عن موارد بديلة للمياه في المرحلة المقبلة والاهتمام بالمزارع البسيط من خلال توفير المياه اللازمة لكل فدان من الأراضي الزراعية في الوقت المناسب واستكمال البرنامج القومي لتطوير الرى، بما يحقق زيادة إنتاجية الأرض وزيادة دخل المزارع. كما أن مصر بحاجة إلي المزيد من الموارد المائية ولديها الكثير لتقديمه لدول إفريقيا من خلال التعاون والمساندة والدعم لدي شركاء التنمية والمؤسسات التمويلية الدولية والقدرة علي توفير احتياجات إفريقيا من تقديم وتنفيذ الحلول لتخفيض أعداد المحرومين من مياه الشرب والصرف الصحي والري وحصاد الأمطار ومشروعات مواجهة التغيرات المناخية وتوفير المياه للزراعة. ، فإن المخاطر كبيرة لأن أكثر من مليار شخص محرومون من المياه الصالحة للشرب، فيما تفتقر حوالي 1.4 مليار نسمة يفتقرون إلى الكهرباء، وهي التي يمكن توليدها من خلال الطاقة الكهرومائية.

 ومع توقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 9 مليارات نسمة بحلول عام 2050، فمن المقدر أن يتزايد الطلب على المياه بمعدلات عالية خلال العقود المقبلة. وتتوقع الأمم المتحدة زيادة الطلب على المياه بنسبة تصل إلى 50 في المائة خصوصاً في البلدان النامية،

 كما أن أكثر من 40 في المائة من الدول - ومعظمها من البلدان المنخفضة الدخل أو من جنوب صحراء إفريقيا الكبرى ومن آسيا - قد تواجه ندرة شديدة في المياه العذبة بحلول عام 2020. شير مشهد التفاعلات بين دول حوض النيل، وفي القلب منها قضية المياه، إلي الكثير من الآمال، والكثير من التحديات التي تعكسها مفارقة تحسن العلاقات علي المستوي العام، وتعثرها على مستوي التعاون المائي، فلا يزال هدف الوصول إلى اتفاق قانوني ومؤسسي ينظم عملية إدارة المياه بين دول الحوض بعيد المنال.انطلاقا من هذه المفارقة، وبحثا عن سبل مواجهة التحديات المرتبطة بتهديد مصالح مصر التاريخية والقانونية في مياه النيل، بدأت أعمال المائدة المستديرة "مصر وقضية مياه النيل .. ما العمل .

فالمشهد الداخلي يعكس الكثير من التفاعلات  بالغة الحساسية والخطورة، نظرا لحالة الاحتقان السياسي التي تسود البلاد الآن،  في الوقت نفسه الذي تتعدد فيه التحديات الخارجية، وفي مقدمتها ملف مياه النيل.وقد انعكس هذا التشابك نفسه بين الأبعاد المختلفة على الرؤية المصرية في تناولها لمسألة مياه النيل من عدة جوانب تمثلت في الأفكار الفنية، وطرح بعض الصياغات القانونية، والرسائل السياسية لرؤساء دول حوض النيل، حتى اتخذت مسألة مياه النيل البعد السياسي منذ عام 2007، تسليما من وزراء الموارد المائية والري بأن معالجة وتجاوز الصعوبات القائمة تتطلب معالجة سياسية. وقد استمر الوضع على هذا النحو حتى قيام ثورة 25 يناير، حيث أصبح التقارب المصري - الإفريقي، خاصة مع دول المنابع، عاملا داعما ومساهما في معالجة سلبيات المرحلة السابقة، وتحديد ما سيترتب على توقيع دول الحوض اتفاقية عنتيبي، في ضوء المقترحات المصرية، أو مبادرات من كينيا، أو أوغندا، فضلا عن التنسيق الكامل مع السودان لإيجاد مخرج من الأزمة.للان الأزمة بأنها إستراتيجية وسياسية ترتبط بمصير الشعوب ومستقبلها، في حين أنها تمثل لمصر مسألة مصيرية، يصعب معها اختزالها في أبعاد سياسية أو غيرها.

 مع أهمية النظرة الشاملة، وتغيير المفهوم من وادي النيل إلى حوض النيل. و أن الاضطرابات الكثيرة التي تشهدها المنطقة تظهر كبر حجم التحديات، وخطورة الخيارات للجميع، خاصة بالنسبة للسودان ومصر، التي تشهد تراجعا في دورها في حوض النيل، في وقت تعددت فيه الأدوار الخارجية، وظهرت قوي أخري مثل الصين، إيطاليا، وقطر، والهند، وماليزيا، حتى أصبح من الضروري دراسة جدول استثمارات المنطقة بكاملها، حتى يمكن الوقوف على نمط المصالح القائم حاليا في حوض النيل.

 ومن الناحية الإستراتيجية، اتخذت مصر موقفا استراتيجيا في بناء السد العالي، تعددت فيه الأدوات والوسائل حتى حققت بناء السد، حينها كان التدخل من الولايات المتحدة الأمريكية. أما في حالة إثيوبيا الآن، فإن الوصول إلى المنطقة أصبح غاية الكثير من الدول التي حركت الاستثمارات في إثيوبيا (التي لم ينقل منها حجر منذ 1962 وحتى 2003)، تزامنا مع غياب مصري كامل عن العلاقات المصرية - الإفريقية.

 أن التوصيف الاستراتيجي للقضية هو التوصيف الدقيق، فالقضية أبعد من مجرد خلاف سياسي، أو مجرد توظيف لمياه النيل، اتبعته مصر أو إثيوبيا في فترات معينة، وأن المشكلة الفنية أصبحت ذات أبعاد سياسية، تمثلت في عدم قدرة البدائل التنموية في حوض نهر النيل على توفير الطاقة، أو تلبية الاحتياجات من المياه، أو بناء السدود، وذلك لعدم توافر الموارد والقدرات التي يمكن أن توفر بناء تصور كامل لمسألة التنمية، وبالتالي يظل العجز الفني عاجزا عن تلبية هذه الاحتياجات.

 أنه يجب التركيز على العلاقة الثلاثية المتمثلة في مفهوم الأمن المائي، وعلاقته بالأمن الغذائي والأمن الإنساني ثلاثية الأمن تلك من الممكن أن توضع في خطة مشروعات متكاملة مستقبلية لمدة 50 عاما لمنطقة حوض النيل، ويمكن من خلالها  تعزيز مشروعات "التكامل بين توفير المياه وتوليد الطاقة"،

 وأن تستند هذه الخطة أو المبادرة على رؤية كاملة لطبيعة المشروعات التكاملية التي يمكن تنفيذها، والجداول الزمنية الخاص بها، ومصادر تمويلها، وهو ما يساعد على إعادة الربط بين ما هو استراتيجي وما هو فني

وفي البعد السياسي المتمثل في تفعيل الدور المصري، في إطار التنافس الموجود في المنطقة التي تشهد الكثير من الاضطرابات، للان الحاجز النفسي بين مصر ودول حوض النيل هو لب المشكلة. فهناك رغبة في تجاوز الميراث التاريخي، ورؤية تسعي فيها دول حوض النيل إلى الانفصال عن أي تصورات مصرية يمكن أن توفر دورا قياديا لمصر. يضاف إلى ذلك الطموح في لعب أدوار على المستوي الإقليمي للعديد من دول الحوض، حتى تلك التي كانت توصف بالهامشية، مما يطرح فكرة الاصطدام بين المصالح وزيادة درجة التنافس في حوض النيل. وبالتالي، تبرز هنا أهمية الرؤية الإستراتيجية لمصر واتساعها لتشمل القوي العربية أو الأوروبية أو الآسيوية المتنافسة في منطقة الحوض، بما يضع تحدي الأمن القومي المصري على المحك.

 أن المقصود بأزمة مياه النيل هي أزمة محتملة الوقوع بين دول النهر أو بعض منها، نتيجة الخلافات على توزيع المياه، أو رغبة هذه الدول في زيادة مواردها، فضلا عن المشروعات التي تقام على مجري النهر في بلدان حوض النيل، وتقلل من كمية المياه التي تصل إلى مصر، في الوقت الذي تحاول فيه الحفاظ على حصتها من المياه لحسابات مستقبلية متصورة ومتوقعة.

وأن هناك إطارا قانونيا لعلاقات مصر النيلية يشمل المصدر الرئيسي للمياه وروافده موزعة، كما ينظم الانتفاع المشترك من المياه. ولفت إلى أنه توجد ثلاث نظريات هي: الارتسام العادي للمياه، واحترام الحقوق التاريخية، ثم الامتناع عن أي عمل من شأنه الإضرار بالمصالح المقررة لبعض الدول تجاه الدول الأخرى.





كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

0 تعليقات:

إرسال تعليق