Ads

القيمة الدفترية للتيارات الإسلامية

محمود التونسي


بعد سقوط نظام مبارك بأقل من شهرين كان استفتاء مارس أو "غزوة الصناديق" بمثابة إعلان واضح وصريح عن انحياز غالبية المصريين للتيار الإسلامي سواء كان الدافع زجاجة الزيت وكيلو السكر أم كان تعاطفًا لطالما تأخّر، لكن علينا الجزم بأن تلك الفترة كانت الأكثر أهمية للتيارات الإسلامية لتتوالد وتتكاثر في أفضل مواسم التزاوج والتلقيح.
لم يكن خفيًا حتى على الإسلاميين أنفسهم أن الشارع المصري قبل الخامس والعشرين من يناير كان يحمل الكثير من النفور والريبة تجاههم، وكانت الجماعة "المحظورة" تكافح من أجل عودتها أكثر بكثير من كفاحها من أجل دعوتها، وكان التيار السلفي يعاني منم الصورة المظلمة التي تصدر عنه أو رغمًا عنه لكنه لم يفعل شيئًا ليغيرها واكتفى ببقائه في الظلّ لسنوات.
سقط النظام ليكون الإسلاميين أول المتمردين، حيث أصرّ الإخوان أن تتحول الجماعة إلى "المحظوظة"، واستطاع التيار السلفي أن يخرج من الظلمات ليتّخذ النور اسمًا، وارتفعت أسهم الإسلام السياسي إلى السماء، ولأن قادة الإخوان أغلبهم من التُّجّار ففطنوا إلى ارتفاع القيمة الدفترية لجماعتهم نتيجة لهامش الربح الذي تحقق معظمه بصفقات عسكروانية أضافت إلى قيمتهم الاسمية مزيدًا من البسطاء، لتبقى مسألة التوزيع على حملة الأسهم هي الأكثر جدلًا في تلك المرحلة، فلم يدرك طرفيّ الصفقة أن سياسة إطعام الجوف ربما ستُسكت الهتاف لكنها لا تكفي أبدًا لحملهم على الأكتاف.
ضحّى طنطاوي بالشعب فضحّى به الإخوان ثم ضحّى الشعب بالاثنان، وكان رهانه على نفسه فقط حيث كان مكتب الإرشاد قد صدّر للشارع مسبقًا ميول السيسي الإخوانية منذ حلفه لليمين خلفًا لطنطاوي، فكان موقفه في واقع الأمر مفاجأة سارّة  لدى معظم متمرّدي يونيو وإن كان الكثير منهم قد تخوّفوا قليلًا من فكرة الحكم العسكري الانتقالي بذكرياته غير السارّة لكنهم كانوا قد أدركوا بوضوح من خطاب مرسي الأول أن البديل سيكون أكثر دموية.
لم يستطع الإخوان استيعاب عزل رئيسهم، لم يتوقعوا أن التحرير أكثر من المقطم ارتفاعًا قبل أن ينزلوا من هضبته في محاولة لإنقاذ ما يمكن انقاذه بدعوى الحب من غير أمل أسمى معاني الغرام أو في قول آخر الهبل، فبدأ البكاء على أول رئيس مدني منتخب وكأن ضلال المدني أقلّ وقعًا من العسكري أو أن الانتخابات بالنسبة لنا مثل نهائيات كأس العالم في مشقّتها وعلينا أن نفكّر مرارًا وتكرارًا قبل التضحية بهذا المدني المنتخب أو تكرار التجربة، وبعدها انتقلنا إلى تصنيف الثورة كانقلاب وبثّه بلغات عدة طمعًا في ضغط دولي من هنا أو هناك يعيد المعزول، وأخيرًا وليس آخرًا وصلوا لثورة الفلول.
لم ولن أشكك أبدًا في دور التيارات الإسلامية لإسقاط مبارك في ثورة الخامس والعشرين من يناير، كما لا أستطيع إنكار دور الفلول في إنجاح ثورة الثلاثين من يونيو، لتبقى في النهاية جبهة ثورية وحيدة هي من ثارت على مبارك ومن بعده طنطاوي ثم لحقهما مرسي، وكانت دومًا صاحبة النصيب الأكبر من الشتم واللعن والتخوين منذ يناير 2011 إلى الآن، هؤلاء فقط هم من أراهم ثوارًا، وأيًا من كانوا سواهم فهم مصريين فقط.
ربما أعطى الثوار الإسلاميين ثقة ممزوجة بارتياب في بدايات الثمانية عشر يومًا ثم ازدادت في النهاية قليلًا، لكنهم في حقيقة الأمر قد أعطوا للفلول ثقة أكبر بكثير في أوائل الاستعدادات للثلاثين من يونيو وأزعم أن تلك الثقة عززها كثيرًا غباء الإسلاميين في تعاطيهم مع تلك الثقة لاحقًا، وعززها قليلًا الاحساس بالذنب تجاه الفلول نتيجة لتعميم حكم التهميش والمقاطعة الذي كان قد انجرف إليه الثوار وراء الإسلاميين في غفلة، وعلى الجانب الآخر نرى الفلول تعجبهم الحفلة، فمعظمهم تغيب بقصد أو دون قصد عن تلك الأجواء التي تلهب حماسة مشاركي المرة الأولى، وهو ما انعكس ايجابًا على روح الميدان التي استرجعت ذكريات يناير لتغطّي حرارة يونيو بشتائه.
إن كان الإسلاميون ممن يفترشون الشوارع والميادين منذ عزل مرسي يؤمنون بعقيدة تدفعهم إلى الثبات ما يكفي من وجهة نظرهم، فالجيش عقيدته أصلًا هي الثبات، والفرصة الوحيدة لإندماجهم مرة أخرى مع الشارع باتت على المحك فلينتهزونها الآن قبل أن تختفي.
إن كان الثوار قد بدأوا يعانون من هلاوس الحكم العسكري من الآن فقد لُدغوا من الجحر مرتين، وإن كان الفلول قد بدأوا في استرجاع اتهامات الثورة الأولى فليعودوا لصورتهم الأولى، وعليهم تقسيم أنفسهم على رابعة والنهضة حتى ينهضوا من غفوتهم الاختيارية قبل أن يضعهم الشارع قيد الإقالة الجبرية.


0 تعليقات:

إرسال تعليق