السبت، 20 يوليو 2013

" لماذا كنت أيها الموت أول من يعلمني كيف أرى الحياة ؟ ".


د. رزان إبراهيم

" لن أفعل شيئاً إذا قيل لي، أو ثبت لي، أن لدي كل ما أريد من الوقت للقيام به" أندريه جيد
يأتي إحساس بالموت أو حتى المرور بتجربته ليحفز كثيراً من الأدباء إلى الإسراع بإسماع الآخرين ما في قلوبهم, يدفعهم إلى هذا خوف من أن تأتي لحظة يسرقهم فيها الموت دون التمكن من قول ما يريدون. والحق أن موقف شخص ما من الموت يحدد علاقاته الكبرى مع سائر اللحظات الكبرى في الحياة, كما يقول فالتر ريم في دراسة عميقة له عن هذا السؤال الوجودي, وهي الدراسة التي يخرج منها بالقول إن الحركات الإنسانية الكبرى ترى أن الموت لم يوجد إلا لجعل الحياة ممكنة, حتى وإن بدا الموت قهراً ومحواً مستمراً؛ فالموت حالٌّ في الحياة.
وإن كانت الحياة تتألف من قضية ونقيضها, فإن الموت يحضر في الحياة, والحياة تحضر في الموت, ومنهما ينشأ ما يدعى بالحقيقة التي تضم الحياة والموت معاً, ويكون هدف الإنسان الأعلى التوصل إلى معرفة هذه الوحدة؛ من ذلك إحساس ينتابنا بأننا لا نملك قدرة على مقاومة الموت إلا بالإصرار على الحياة. وقد يكون الفن شكلاً أو سبيلاً من سبل الرد على ضغوط الموت, وهو ما يتماشى وإعلاء جمالياً للموت رأيناه لدى بعض الروائيين في فترة من الفترات. أو لعله محاولة للروغان من حقيقة الموت بوضعه في إطار جمالي, وقد يكون الرد أيضاً بالانغماس في كتابة تحارب الموت وتتصدى له. بما لا يلغي في جميع الأحوال انشغالاً عميقاً بأمر ذهني عميق يفرضه الموت, ويعادل بالضرورة نظرة عميقة تجاه الحياة نفسها.
يبقى أننا نبقى موزعين بين قطبين متعارضين, مشتتين بينهما( الموت والحياة) حتى إنَّ ما يبدو لنا من لحظات إشراق خالدة تبزغ بين الفينة والأخرى, هي في نهاية الأمر زائلة ستتلاشى أسرع من غيمة تطل فوق البحر. نحن نفنى الواحد بعد الآخر, ولكننا مع ذلك نتواصل, وبهذا المعنى فإن أمواجاً تتلاحق من منظور فيرجينيا وولف في رواية ( أمواج) ترمز إلى استمرارية الحياة, وإلى حتمية فنائها في الوقت نفسه. وهي الكاتبة التي سبحت في متخيل الماء والموت, بما لا ينفصل عن طريقة انتحارها في المستقبل. وكما يقول جيد في ( ثمار الأرض/Fruits Of the Earth): " ما من لحظة تكتسب ذلك الرونق العجيب إن لم توضع على خلفية الموت الحالكة الظلمة".


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق