احمد انعنيعة
المقهى لوحة جميلة تتألف من عدة فصول ... في انصهار تام...كل الأشياء مرتبة ترتيبا سكونيا ... من يتدخل في تغيير وضعها إما أحمق ...أو ماسح أحذية فقط بإمكانه إثارة انتباهك ...او عابر سبيل... تتناسل الأسئلة بين الناس الى أسئلة أخرى:ارايت يوما هدا؟...لا...انه ربما جديد...ويقول اخر:قد يكون انزله القطار امس..اسئلة تجعل ذاكرتي تتمثل بعض الصور المتباينة...في كل الطاولات كؤوس منتصبة...كارسون:قهوة عادية من فضلك...إنها دوش في الفم والمعدة ...قهوة قاسحة لا تقدر بثمن أتلددها...يدوم لسعها في فمي طويلا .
كنت انفث دخانا يغذي رئتي بسم دافئ...دخان ينعشني وهو يحترق في كل الخلايا...أخدت جريدة ...جريدة المقهى طبعا... وبدأت اقرأ العناوين الكبيرة ....إنها ثقافة الجورنال...ثم اهتدي الي الكلمات المتقاطعة مع بعض أصدقائي في معجم خاص تكثر فيه المقالب عن المثاقفة...ثم تمتد عيني بعيدا لأقرأ بعض الأخبار العاجلة على التلفاز... وأتحادث معهم عن جديد الأخبار العارضة هنا وهناك... انصرف أحيانا عن الكلام نهائيا لأنظر الى وجوه ملتبسة من حولي توحي بعدة أشياء... مفارقات تزعج وضعي المريح الذي أنا عليه لأقول: الحمد لله...ثم أصيح بصوت خافت :هل من جديد...؟ لا ..لا شيء...والو...سوى رؤوس أناس معلقة فوق الطاولات ...أناس لا يفقهون في النشرات الإخبارية لأنها بالعربية الفصحة ...سماسرة...حرفيون... يفهمون في مقدمات ونهايات الأفلام المطولة المصرية او التركية...اويفتحون أفواههم وهم يتابعون افلام توثيقية تعنى بالحيوانات...او مباريات في كرة القدم... كرة العجم...كل منهم يرفع رأسه إلى أدناه... انك إن رايتهم،حسبت ان أجسادهم مدفونة تحت الأرض كأنهم في جلسة عمل يرأسها نادل المقهى لساعات طوال...لا عمل.... يتنافسون بالألقاب والمناصب في زمن الخيبات ...في زمن الحرية والمواطنة والحكامة...في زمن الديمقراطية والانتخابات...الزرود... العلاقات المقنعة ...شراء الذمم وكراء الأشداق المفتوحة...انهم أناس تسكنهم الوساوس ...لا يخفق قلبهم عند الكذب :لا نهاية او بداية لذاكرتهم...
تتكرر مواضيعهم لعدة مرات ...وينسى البعض انه ذكرها يوما فيعاود ذكرها ان لم يقاطعه احد أصدقائه...تواتر هده المواضيع جعل كل واحد منهم يعتمد على منطق الجماعة فقط :كل منهم يعمل على تنفيذ نصائح مجموعته وتوجيهاتها.. .
كانت الشمس توشك على المغيب...وفجأة،بدأت الوفود تتكاثر على المكان... أحسست ان المقهى امتلأت عن أخرها بشبان يافعين وأطفال صغار.وإذ بصوت عال يرن داخل القاعة:آه...إنها البارصا...فناديت أصدقائي بالانصراف لان أهل قشتالة قد اقتحمونا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق