عبد الرازق أحمد الشاعر
بعد ود لم يدم طويلا بعد سلفيي تونس وإخوانها، احتدمت المعارك اللفظية بين الجانبين وتحولت المشادات إلى كدمات بعد أن أغلقت قوات الأمن التونسية بوابات القيروان في وجه "أنصار الشريعة" لمنعهم من عقد مؤتمرهم الثالث الذي كانوا قد دعوا لعقده يوم الأحد الموافق التاسع عشر من مايو الجاري. الجدير بالذكر أن معركة الإخوة كرامازوف قد أسقطت قتيلا وعشرات الجرحى من الجانبين، وهو ما يهدد بتصعيد دامٍ بين فصيلين ظنا ذات يوم ظن الجهالة أنهما فيلقان ينتميان لنفس الفصيل وأن اختلافهما رحمة.
من جهتها، بررت وزارة الداخلية التونسية عنفها مع "أنصار الشريعة" بأنهم لم يحصلوا على تصريح مسبق، وأن انعقاد المؤتمر "يمثل خرقاً للقوانين وتهديداً للسلامة والنظام العام". وفي سابقة تعد الأولى من نوعها منذ تفجر الثورة التونسية، اتهم رئيس الوزراء التونسي على العريض "أنصار الشريعة" بأنهم "ضالعون في الإرهاب"، كما وصفهم الشيخ راشد الغنوشي بأنهم "خوارج العصر"، وتعد تلك التصريحات من رجالات حزب النهضة الإسلامي بمثابة القشة الأخيرة التي قصمت ظهر التواد والتراحم بين الجماعتين.
لكن الأمر لم يتوقف عند التصريح الذي بثه التليفزيون التونسي من قطر على هامش زيارة غير عارضة للعريض هناك، بل امتد إلى الضاحية الغربية للعاصمة التونسية التي شهدت شوارعها حالة كر وفر بين الفصيلين. كما قامت قوات الأمن التونسية باعتقال عدد من نشطاء الجماعة من بينهم المتحدث الرسمي باسمها سيف الدين الرايس بعد معركة حامية بالأسلحة البيضاء والعصي والحجارة وقنابل المولوتوف والدخان. ونفت وزارة الداخلية التونسية استعدادها للدخول في أي حوار مع الجماعة "الموالية لتنظيم القاعدة" أو من يمثلها.
من جهتها، أدانت جماعة "أنصار الشريعة" على موقعها ممارسات الحزب الحاكم، واعتبرت ممارساته امتدادا لممارسات الأنظمة القمعية التي لم تدخر جهدا في محاربة الإسلام وأهله ومنع المسلمين من إقامة شعائرهم والاحتكام إلى شرائعهم. كما حذر بعض القادة السلفيين رئيس الحكومة التونسية بمواجهات دامية تطيح به كما أطاحت بسلفه من بني علمان.
وكان النائب القيادي عن حزب النهضة صادق شورو قد أطلق بعض التصريحات الصادمة أثناء انعقاد جلسة عامة للمجلس التأسيسي التونسي يوم الخميس الموافق الثالث والعشرين من مايو الجاري اتهم فيها حزب النهضة بالخضوع لإملاءات صندوق النقد بتضييق الخناق على السلفيين من أجل الحصول على القرض الذي تحتاج إليه الخزينة التونسية للخروج من أزمتها المالية الطاحنة. ولأن الشاهد كان من أهلها، فقد وضعت تلك الكلمات حركة النهضة في مأزق شعبي حرج نال كثيرا من مصداقيتها عند كثير من التونسيين.
وقد يفسر هذا التطاحن العنيف بين فصيلين محسوبين على التيار الإسلامي انصراف كثير من الشباب التونسي عن السياسة وانغماسهم في اللذة المحرمة حسب دراسة تحذر من فتك المواقع الإباحية بشباب تونس نشرتها جريدة البيان الإماراتية بتاريخ الثامن والعشرين من مايو الجاري. أثبتت الدراسة أن 5 مواقع إباحية تحتل الصدارة في تونس وأصبحت من بين أفضل مئة موقع على شبكة الإنترنت من حيث الإقبال والزيارات من مختلف الفئات العمرية المراهقة والشابة ومن الجنسين. كما أكّدت تلك الدراسة أن الموقع الأول الأكثر مشاهدة يحتل المرتبة 13 بأكثر من 150 ألف مشاهد في اليوم، والموقع الثاني بـ100 ألف زائر في اليوم، وبالتالي يفوق عدد الزائرين للمواقع الإباحية في تونس الملايين شهرياً.
وهكذا خلا الشباب بشهواتهم المحرمة يمارسون طقوس الرذيلة العنكبوتية بعدما كفروا بالمتدينين الذين أسلسوا قيادهم لشهواتهم الرخيصة وتركوا واجباتهم الدعوية لممارسة الاستمناء الديني المقيت. وهو ما حدا بفتاة عابثة من حركة فيمن للناشطات أن تعري صدرها أمام مسجد عقبة بن نافع الذي كان مقررا أن تعقد فيه الجماعة مؤتمرا حاشدا لها.
لم يعد اختلافكم رحمة أيها المتقاتلون تحت راية التوحيد، ولم يعد في ممارساتكم الغثة ما تتقربون به إلى الله بعد أن نفرتم بأفعالكم المشينة آلاف المسلمين من دينهم وأخرجتموهم منه أفواجا كما دخله أسلافهم أفواجا. من اليوم فصاعدا، لن يسمع لكم أحد لأنكم لا تسمعون لأحد، وسيقتفي المسلمون أثر دينهم الحق في الكتب والمراجع، ويتعلموا أبجدياته على أيدي المخلصين من علماء الدين بعد أن ضلوا طريقهم باتباع مذاهبكم التي تشرعن استباحة الدماء وتحلل قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. صحيح أن الإسلام قد عاد غريبا بين أهله، لكن بعض الغرباء من أهله سيعضون عليه بالنواجذ حتى الرمق الأخير.
ما دعاني إلى التذكير بمأساة إخوة تونس اليوم إلا ظهور بوادر لصراع مشابه في مصر بعد اعتقال الشيخ ياسر برهامي في مطار برج العرب حال عودته من المملكة العربية السعودية. لهذا، أحذر من تحول رياح القيروان إلى صحن القاهرة لأن ظهر المحروسة لم يعد يحتمل قشة خلاف واحدة.
0 تعليقات:
إرسال تعليق