بقلم / سهام عزالدين جبريل
يوافق 18يونيو 1956م ذكرى الاحتفال بعيد الجلاء وخروج اخر جندى بريطانى من مصر حيث تأـتى هذه المناسبة لتذكرنا بتاريخ مصر العظيم والمواقف التاريخية والاحداث الجثام التى مرت بهذ الوطن ، فهى تذكره للإجيال التى لم تقرأ التاريخ واتصور أنها فرصة ايضا لإعادة قراءة للتاريخ حتى نكتسب الخبرات والتجارب السابقة والمستفاد منها، فمعظمنا لم يعش هذا الحدث وما تلاه من أحداث وانما قرأناه من خلال كتب التاريخ و ذكريات الاباء والاجداد الذين عاشوا هذا المرحلة ، واصبح علينا حق للإجيال الشابة ان ندعوهم لإعادة قراءة التاريخ وخاصة هذه المرحلة المضيئة من تاريخ مصر، فلا شك إنها مرحلة مشرقة فى تاريخ الوطن الحافل بالمواقف والاحداث العظيمة والمواقف القوية والتى جعلت مصر القلب النابض التى تتمع بمقومات القوى الاقليمية الشاملة والتى جعلت مصر لها دورها الرائد فى منطقة الشرق الاوسط وافريقيا.
ففى 19اكتوبر 1954م وقعت مصر وبريطانيا إتفاقية الجلاء والتى نصت على :
*إلغاء إتقاقية 1936م، وجلاء الجنود البريطانيين قبل تاريخ 18/6/1956م ، ولسبع سنين لاحقة من هذا التاريخ العودة إذا حصل إعتداء على الأقطار العربيه وتركيا، كما شددت الاتفاقيه على حرية الملاحه فى قناة السويس وفقالإتفاقية القسطنطينية الموقعه سنة 1888م
وعن زكريات الجلاء ومراحلها، يذكر(محمد حافظ اسماعيل) مستشار الرئيس للأمن القومى المصرى فى الفتره من 1971 :1974م ورئيس جهاز المخابرات عام 1970م ، فى كتابه
(أمن مصر القومى فى عصر التحديات ) أن الثورة المصرية عندما قامت سنة 1952م كانت لديها اهداف ومبادئ هامة تسعى لتحقيقها ومن أهمها هو جلاء الجنود البريطانيين عن مصر حيث كانت مصر تواجه العديد من التحديات وتعدد جبهات المواجهة ، فقد قدرت الثورة منذ الايام الاولى الأهمية الخاصة للتوصل إلى إتفاق مع بريطانيافى هذا الشأن
وقد كان الموقف البريطانى بخصوص هذا الموضوع مشروط بمستقبل السودان حيث كان يرى الجانب البريطانى أن مستقبل السودان لايمكن أن يرتبط بمصر ، وأن الجلاء عن قاعدة قناة السويس يجب أن يتحقق فى إطار خط دفاعى عن منطقة الشرق الأوسط ، وكانت مصر ترفض دائما التسليم بغير وحدة مصر والسودان ، أو القول بغير الجلاء المشروط .
وفى اواخر عام 1952م ، قررت الثورة الفصل بين مسألتى السودان والجلاء والتى كانت بمثابة الصخرة التى تحطمت عليها جولات المفاوضات السابقة الخاصة بالجلاء عن مصر وأن تقبل مصر حق السودان فى تقرير مصيره ، وعلى هذا بادرت بالإتفاق مع الأحزاب السودانيه وبريطانيا ، حيث كان اول يناير 1956م اختيار شعب السودان الاستقلال .
وتعثرت المفاوضات المصريه البريطانيه حول الجلاء منذ أوائل مايو 1953م فقد طالبت مصر بأن يكون الجلاء غير مشروط لكل القوات البريطانيه وخلال بضعة أشهر ، مع وضع قاعدة قناة السويس تحت إشراف القيادة المصرية ، وقد واجهت مصر العديد من الضعوط والمحاولات الغربية لإقامة تحالفت لصالحها بالمنطقة والتى فشلت معظمها ، حيث لم تنجح جهود أمريكا لإقامة حلف غربى/عربى ، لمقاومة التهديد السوفيتى ، كما لم يلق إقتراح بريطانيا بإنشاء حلف دفاعى تسانده تركيا قبولا لدى مصر ، فلقد كانت مصر ترى أن يستند الدفاع عن المنطقة الى دولها على أن تدعمها الدول الغربيه بالتسليح والتدريب وبتعزيز مشروعاتها الإقتصادية وذلك بأن تصبح إتفاقية الدفاع المشترك العربية البديل للحلف المقترح .
ومن المرجح أن بريطانيا حاولت استغلال مرحلة عدم الإستقرار الذى ساد الجبهة الداخلية فى مصر عام 53/1954م والى كان سببا جوهريا فى تباطؤ إيقاع التفاوض بين مصر وبريطانيا ، حيث كانت تأمل بريطانيا على الحصول على تنازلات جوهرية من القيادة الراهنة فى مصر وقتها ، أو إنتظار إستقرار الاوضاع والتعرف على القيادة التى سيسفر عنها ذلك الصراع الذى كان دائرا حينها ،
وعن هذه الآزمة وكما يسرد محمد حافظ اسماعيل فى كتابه :
(أمن مصر القومى فى عصر التحديات)
أنه فى فبراير 1954م كاد ينهار الاستقرار فى القوات المسلحة عندما قرر عدد من ضباط الفرسان تأييدا لموقف الرئيس محمد نجيب ، الإعتصام فى ثكناتهم مطالبين بعودة نجيب ووضع دستور ينظم لجمهورية برلمانيه ، وخلال ليلة 25/26-1954م تمزق الموقف عندما اعترض ضباط الصف الثانى على قرار مجلس الثورة بعودة نجيب ، وتعيين خالد محى
الدين رئيسا للوزراء ، وعودتهم إلى وحداتهم العسكرية .
ومع خيوط الفجر الاولى اصبحت منطقة كوبرى القبة أشبه بساحة قتال ، تحتشد فيها المشاة والمدفعية ، وتحوم من فوقها المقاتلات إستعدادا للتدخل بالقوة إذا لم يستسلم ضباط الفرسان قبل الثامنة صباحا ، لكن ضباط الفرسان قرروا إنهاء إعتصامهم فى صباح 26فبراير حيث غلبت حكمتهم فى النهاية وأثروا تجنب المواجهة .
غير أن تحرك ضباط الفرسان اصبح مفجرا للوضع الداخلى ، حيث ألقى عبد الناصر عنئذ بكل ثقله فى معركة ضد قوى اليمين واليسار على حد سواء ، ومع منتصف ابريل1954م
عاد مجلس قيادة الثورة لكى يحكم قبضته على الموقف ، بتولى عبد الناصر رئاسة الوزراء وإصدار قانون حماية الثورة .
وبتأكيد الثورة سيطرتها على الموقف ، وبقبولها إلتزام بريطانيا تجاه تركيا فى وثيقة الجلاء ، أمكن التوصل فى 27يوليو 1954م إلى إتفاق حول المبادئ العامة للإتفاقية تضمن :
1- إنقضاء العمل بمعاهدة التحالف 1936م .
2- جلاء القوات البريطانية عن الأراضى المصرية فى مراحل خلال عشرين شهرا من تاريخ توقيع الإتفاقية .
3- بقاء قاعدة قناة السويس فى حالة صالحة للإستعمال ومعدة للإستخدام ويتولى أمر صيانتها 1200فنى بريطانى يرتدون الملابس المدنية .
4- فى حالة وقوع هجوم مسلح من الخارج عل أى دولة تكون عند التوقيع طرفا فى معاهدة الدفاع المشترك بين دول الجامعة العربية أو على تركيا تلتزم مصر بتقديم التسهيلات لبريطانيا لتهيئة القاعدة للحرب .
5- يجرى التشاور فورا بين مصر وبريطانيا فى حالة التهديد بهجوم مسلح من دولة من الخارج عل أى دولة عضو فى معاهدة الدفاع المشترك المذكورة .
6- مدة فعالية الإتفاقية سبع سنوات من تاريخ التوقيع عليها .
7- وفى اكتوبر 1954م تم التوقيع النهائى على هذه الإتفاقية ، وفى 18يونيو 1956م تم جلاء القوات البريطانية من مصر .
-----------------------
تحياتى _إعلامية / سهام عزالدين جبريل
0 تعليقات:
إرسال تعليق