دكتور عادل عامر
إن النخب المعاصرة هي عبارة عن شيء شبيه بنادٍ دولي مغلق ذي أخلاق فئوية لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بالأخلاق السياسية والأهلية العادية, التي تلزم الفرد بخدمة بلده وشعبه ودولته. وبما أن هذا من المستبعد أن يعجب الشعوب, فإن إيديولوجية العولمة المعاصرة تضم, حتماً, مفاهيم مستورة, وتتصف بباطنية تعيد إلى الذاكرة في بعض جوانبها تعاليم الطوائف الغنوصية الغابرة. وللغنوصية العولمية وجهان. يعكس جانبها الخارجي كليشيهات عصر الحداثة السابقة كلها - أي التقدم والرخاء العام وحقوق الإنسان, أما الجانب الداخلي المعبَّر عنه بلغة النخبة السرية, والمفهومة من قبل المتنورين فقط, والتي ستنكشف لاحقاً, فهو قادر على التسبب بتشويش حقيقي للوعي. في الواقع, ومع أول نظرة يتبين أن غالبية المكتسبات الجماهيرية في عصر الحداثة العظيم لا تتفق مع منطق العولمة. هذا يخص في المقام الأول مفهوم الديمقراطية المقدس, أو سيادة الشعب السياسية. تعني الديمقراطية أن ينفِّذ وظيفةَ السلطة أولئك الذين انتخبهم الشعب في أثناء تعبيره الحر عن إرادته. والمنتخَبون من قبله ملزمون بأن ينفِّذوا إرادته وأن يخضعوا لرقابته خضوعاً كلياً. وعلم سياسة العولمة لا يمت إلى هذا بأية صلة. فهو يفترض أن مراكز السلطة ومراكز اتخاذ القرار الحالية لا تقيم وزناً لتوصيات الناخبين المحليين وتعبر عن الاستراتيجيات المتوافق عليها بين التروستات الدولية - الاقتصادية والسياسية. لقد وضع عصرُ العولمة النخبَ الوطنية في منتصف المسافة بين شعوبها ومراكز السلطة العالمية. مع التأكيد على أن منحى التبدلات محدد تماماً: فبقدر ما تنمو نظريات العولمة يقل أكثر فأكثر إنصات النخب الوطنية السياسية والاقتصادية إلى صوت ناخبيها, وتربط نفسها أكثر فأكثر بقرارات الأممية الجديدة المتخذة من وراء ظهر الشعوب. يخيل لنا أن الأخلاق والمنطق المعتاد يفرضان أن تشرح النخب هذا الأمر للناخب, معلنةً إعلاناً مباشراً أنها ما عادت تحتاج إلى خدماته, لكنها, عوضاً عن ذلك, تستمر في التزلف إليه كما من قبل, مسمية إياه صاحب السيادة السياسية, ومنبع المشروعية الديمقراطية للسلطة. على هذا النحو, تتكون أخلاق مزدوجة, ولغة مزدوجة. قسم من المصطلحات الموروثة عن المرحلة الليبرالية الكلاسيكية, ليس له الآن عملياً سوى أن يلعب دوراً احتيالياً لتنويم يقظة الشعوب الأهلية, والقسم الآخر يُنظَّم في صف مواز للقسم الأول, ويعبر عن الواقع الجديد, الذي يعتبرون أن من المفيد إخفاؤه عنا. يكفي أن نقابل بين هذين الصفين حتى ينكشف على الفور عدم توافقهما المشئوم. امتاز عهد التنوير الكلاسيكي بوعي مختلف تماماً, فلم يكن يعرف المعايير المزدوجة, والأخلاق المزدوجة, ولم يخف اكتشافاته عن الجماهير. بل على العكس, كانت جهود ذلك العصر كلها, وحماسته كلها, موجهة كي تكون منجزات النخبة المتنورة في متناول الجميع بأسرع وقت ممكن. لقد دُفن في أيامنا هذه الانفتاح النبيل لعصر التنوير على يد كهنة العولمة, الذين شيدوا غنوصيتهم الباطنية, مموهين إياها جيداً عن أعين غير المتنورين. لقد قدم العصر الكلاسيكي منوِّرين عظماء, بينما ينجب عصرنا محتالين ونصابين عظماء. والاحتيال على الأغبياء وغير المتنورين أسهل؛ لهذا تطوى في عصر العولمة برامج التنوير الجماهيري بحجة أنها "ليست مربحة" اقتصادياً. وكما ينتج مما قلناه أعلاه فإن عصر العولمة من الناحية السياسية هو عصر الإقطاعية الجديدة: إنه يدفن الديمقراطية بمعناها المباشر كتعبير عن السيادة السياسية للشعب, الذي ينتخب سلطته ويراقبها, ويستبدل بهذه الديمقراطية سلطة وجهاء دوليين. غير أن منطق العولمة الاقتصادي غير مختلف أيضاً في نكوصه عن الحداثة باتجاه السلفية القروسطية.
أن على الإدارة السياسية "أن تتدخل بحزم وقوة لإجراء الإصلاحات وإعادة السيطرة على آليات السوق" كما أكد أن ضعف الإدارة يجعل المسؤولين يهتمون بمصالحهم الخاصة أولاً، بدلاً من الاهتمام بالصالح العام. حالات الفساد وفرصه الاقتصادية: من خلال الإلمام بالتعريفات السابقة للفساد، وكونه يحدث من خلال خطوط التماس بين القطاعين (العام والخاص) فإن الرشوة تنتشر، ويعم الفساد في حالات ثلاث: الأولى: من أجل الحصول على منفعة حكومية، والسيطرة على النظام. والثانية: من أجل تجنب دفع تكاليف أو تخفيض أسعار أو تكاليف بضاعة أو خدمة حكومية. والثالثة: من أجل الحصول على مناصب رسمية. الرشوة من أجل الحصول على منفعة حكومية والسيطرة على النظام: تقوم الحكومات بتقديم بعض الخدمات للمواطنين، كما تقوم بوظائف أخرى تتسع أو تضيق حسب مستوى تدخل الدولة بالشؤون الاقتصادية. وكلما اتسعت دائرة تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي، كلما ازدادت فرص تسرب الفساد، إذا لم يكن هناك آلية تمنع ذلك. ذلك أن بعض الأفراد، يميلون إلى منح الرشى للمسؤولين لتخطي القواعد والنظم والإجراءات العامة، كما أن بعض المسؤولين لتخطي القواعد والنظم والإجراءات العامة، كما أن بعض المسؤولين الحكوميين، لا يستطيع الصمود أمام الإغراء المادي، لأسباب مادية أو أخلاقية. ويبرز هذا النوع من الفساد، خاصة في حالات المناقصات والمزاودات، من أجل الفوز بها، حيث تدفع الرشى في مرحلة وضع الشروط، وفي مرحلة الإعلان وفي مرحلة فض العروض وإرساء العطاء. وتتناول حالة الفساد موضوعي السعر والجودة، أي النواحي المالية والفنية من حيث المواصفات. وفي حال بيع المؤسسات الحكومية بعض السلع والخدمات، فإن فرص الفساد تتسع، خاصة إذا ما كانت أسعار وتعرفات هذه السلع من حيث المواصفات. وفي حال بيع المؤسسات الحكومية بعض السلع والخدمات، فإن فرص الفساد تتسع، خاصة إذا ما كانت أسعار وتعرفات هذه السلع والخدمات تقل عن التكلفة. وعندما يكون منح القروض وأسعار الفائدة، خاضعين لتعليمات حكومية، فإن الرشاوي تدفع مقابل الحصول على الائتمان. كما أن أسعار الصرف المتعددة، تفرز حوافز لدفع الرشاوي للحصول على النقد الأجنبي الشحيح بأسعار تقل عن الأسعار السائدة. وقد كشفت مذكرة تفاهم للبنك الدولي بشأن (بارجواي) على سبيل المثال، على أن نظام سعر الصرف المتعدد الذي كان قائماً في هذا البلد، أدى إلى ظهور الفساد. إضافة إلى هذا، فإن هناك فرصاً أخرى للفساد من خلال نظم التجارة الخارجية، خاصة عندما يكون هناك قيود على الاستيراد والتصدير، وفي هذه الحالة فإن فرص الفساد تزيد في حالات المنع أو الحصر أو وضع القيود الكمية، وعند توزيع حصص الاستيراد، أو وضع القيود على التصدير وفي هذه الحالات ترتبط الرشاوى بقيمة المنافع (الاحتكارية) الممنوحة للمستفيد. وتزيد فرص الفساد أيضاً، عندما يكون مستوى الدعم والمنافع والخدمات المقدمة من الحكومة، أقل بكثير من أن تلبي حاجة جميع المستوفين لشروط الحصول عليها. أو عندما يتوجب على المسئول الحكومي استخدام تقديره الشخصي، عند اتخاذ قرار بشأن من يحق له الحصول على استحقاق ما. وكشفت عمليات الخصخصة التي جرت في معظم البلدان عن عمليات فساد كبيرة ذلك أن تحويل أصول الدولة إلى القطاع الخاص، يخلق بحد ذاته حوافز للفساد. جرى ذلك في الأرجنتين وتايلند. فضلاً عن دول الكتلة الاشتراكية السابقة بما فيها الاتحاد السوفياتي السابق. لكن ما حدث في دول الاتحاد السوفياتي خلال وبعد انهيار النظام الاشتراكي، خاصة في روسيا يعتبر نموذجاً فريداً لحالات تتداخل فيها قضايا النهب واللصوصية والفساد والعمليات الإجرامية التي تديرها المافيات ومؤسسات الجريمة المنظمة
--
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
عضو والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

0 تعليقات:
إرسال تعليق