Ads

قمع الحريات الإعلامية في زمن الإخوان


دكتور عادل عامر

أنّ الحملة التي يشنها التيّار الإسلامي على المعارضين لم تتوقف عند حدود «صراع الديكة» عبر وسائل الإعلام، لافتين إلى أنّ الرئيس محمد مرسي والذي يصف نفسه دوماً أنّه رئيس لكل المصريين لم ينأ بنفسه عن كل المهاترات الإعلامية والحرب الضروس التي يشنها الإسلاميون على الإعلاميين. أن الإخوان لا يريدون أي حرية، ولا يحبون النقد ولا يتقبلونه. أنّ  الرئيس مرسي راح يشارك في هذه الحرب من خلال كلمة ألقاها بمؤتمر إطلاق مبادرة حقوق وحريات المرأة، بتأكيده خلالها على أن ما تردّده ما أسماها «الأبواق» في وسائل الإعلام هنا وهناك لن يقبل به، ملمحاً إلى أنّ هناك متهربين من الضرائب يدفعون بمذيعين وقنوات فضائية لهم لتروج ما أسماها الأكاذيب، الأمر الذي لن يكون مقبولاً على حد قوله، لافتين إلى قول مرسي: «من لديه مخالفة قديمة ويخشى أن يأتي عليه الدور يقوم بفعل ذلك ويتصرف بطريقة غوغائية، فهو لا توجد لديه مشكلة، ولكن عندما يكون النيل من رئيس الجمهورية يكون الهدف منه النيل من الوطن فهذا لن يسمح به»، واتهامه عدداً من وسائل الإعلام والصحف بالتطاول عليه بقوله: «هناك جريدة تسبّني، لكني إلى الآن لم أقرّر إغلاقها!».محاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي وإغلاق جميع مداخلها ومنع جميع الإعلاميين من الدخول أو الخروج، من قبل مليشيا الإسلام السياسي وتهديد وترهيب الإعلاميين ومنتجي الأفلام والمسلسلات التلفزيونية والاعتداء عليهم كانت الحدث الأبرز في المعركة التي استهدفت الحريات الإعلامية. الحصار المستمر والمتصاعد تحت سمع وبصر الحكومة التي لم تحاول فك الحصار ومنع إرهاب الإعلاميين والفنانين، واكتفت بوضع الحراسة لمنع اقتحامهم "استيديوهات" مدينة الإنتاج الإعلامي. إن استعانة الحكومة بمليشيا لحصار الإعلاميين والفنانين لا يقل سوءا عن حصار الدستورية والقضاء من قبل المليشيا ذاتها. تذكرنا هذه المشاهد في مصر زمن الإخوان بمشاهد مليشيا الثورة الإيرانية التي تحولت سريعا إلى حرس ثوري واضطلعت بمهمات تقويض الحريات وقمع كل المطالبين بها، مشاهد مشابهة لما تفعله مليشيا الإسلام السياسي المصري هذه الأيام. فكما حرص الإسلام السياسي على الخروج بدستور لجزء من الشعب المصري خلافا لتجربة الإسلام السياسي في تركيا، وعلى حكومة لجزء من المصريين، وكما حرص الإسلام السياسي على استقطاب أقلية من السلطة القضائية وإلحاقها بالسلطة التنفيذية وإدارة الظهر للأكثرية الساحقة من جهاز القضاء، الآن يأتي دور الإعلام والإعلاميين، فالمعركة التي بدأت بحصار مدينة الإعلام مرورا بالاعتداء وبتهديد نشطاء الإعلام، بما في ذلك شبهة قتل ثلاثة من نشطاء الفيس بوك الذين يديرون صفحات ضد الإخوان، وانتهاء باعتقال باسم يوسف وتهديد كوكبة من ألمع مقدمي البرامج التلفزيونية الذين ينقدون سياسات الحكومة والرئاسة. ليس بغريب أن يلجأ نظام الإخوان للغة الاتهام ذاتها التي استخدمها النظام السابق، الاتهام هو التحريض على العنف وتهديد استقرار وامن مصر، والحديث عن مؤامرة وعن دعم المتآمرين بمليارات الدولارات لإسقاط حكم الإخوان. غير انه من اللافت توجيه تهمة " ازدراء الإسلام " للإعلامي المميز والمبدع باسم يوسف. هذه التهمة تنطوي على مفارقة عجيبة، ذلك إن النائب العام ساوى بين الإسلام كدين وبين قيادات إسلامية تتحدث بلغة حجرية وتقع في تناقضات وترتكب حماقات في مواقفها. إن مساواة فقهاء ظلام بالمقدس الديني يشكل استفزازا منقطع النظير، لأنه يكشف عن سياسة احتكار الدين واستخدامه في السياسة ولدواعي الاستحواذ على عقول الناس. لقد نقد برنامج "البرنامج" مواقف هؤلاء البشر من خلال عرضها بالصوت والصورة، وكان يكتفي فقط بعرض المواقف المسجلة التي تكفي لكشف التهافت والتناقض المسيء للدين وللمصريين ولعقل كل من يستمع لهم. هؤلاء مشكلة يجب التوقف عندها، وليس البرنامج ومعده ومقدمه باسم يوسف الذي يسلط الأضواء عليها وينقدها. اعتقال باسم يوسف الإعلامي الساخر الأشهر على صعيد عربي وعالمي، لم يدم طويلا جراء ردود الفعل الجلبة التي أثارها قرار اعتقاله. فقد جاء قرار اعتقاله مفاجئا لعشرات الملايين- 30 مليون- الذين يشاهدون برنامج "البرنامج" الأسبوعي النقدي الساخر المستوحى من برنامج (دايلي شو) للأميركي جون ستيوارت، البرنامج الذي يسخر من الشخصيات السياسية المصرية وبخاصة الرئيس محمد مرسي ومسئولي الإخوان المسلمين. جاء قرار النائب العام تتويجا للحملات والشكاوى المرفوعة ضد صحافيين وإعلاميين مصريين يمارسون النقد ضد الحكومة والرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين التي صعدت للحكم بعد إسقاط الثورة الرئيس حسني مبارك وأركان نظامه. بيد إن المس بأكثر الإعلاميين شهرة وتأثيرا يطرح حرية التعبير في زمن الإخوان على بساط البحث. جماعة الإخوان المسلمين التي عانت الكثير من التضييق على حرية التعبير ومن غياب الديمقراطية، ها هي تحذو حذو النظام السابق فتشرع بممارسة التضييق على الحريات وبإعادة إنتاج النظام المستبد. إن أهم انجازات الثورة المصرية هو انتزاع حرية التعبير وتحقيق ديمقراطية شعبية غير مسبوقة. هذا الانجاز التاريخي الذي دفع الشعب المصري ثمنه دماء وخسائر فادحة جعل الثورة مستمرة ومتواصلة لطالما أن أهدافها لم تتحقق بعد. وأهداف الثورة المصرية هي إنهاء علاقات التبعية السياسية والاقتصادية والأمنية وبناء نظام ديمقراطي على أنقاض النظام المستبد. إن القطع مع الديمقراطية هو قطع مع أهداف الثورة التي هي أهداف الشعب المصري. حقيقة ما يجري بالغالية مصر من قمع للحريات الصحفية وبطش لا حدود له ، لرجالاتها لدلالة أكيدة ، إن جماعة الإخوان المسلمين تحكم كما كررنا مرارا وتكراراً بالحديد والنار فهم قوم كما هم مصرون على تكفير كل من لا يتبع جوقتهم ، هم أيضا يكفرون كل من ينقل حقيقتهم وتلك الممارسات العدوانية والمنهجية الأصيلة في فكرهم ، فتصرفات مثل السحل والضرب بالعصي لا تنتج إلا عن فئة ضالة لا فكر ولا عقيدة لها ! ففي إطار فهمهم الغريب للدين وللديمقراطية هم مستعدون لإصدار أي فتوى من شأنها إن تجيز ضرب الصحافيين وفقع أعين المصورين إذا لزم الأمر حتى لا تظهر للشعب سؤتهم فينكشف زيفهم مهما تغنوا بالحان لا تطربنا عن حرية الفكر والتعبير وادعاءهم المزيف كذلك بأنهم يعترفون بالديمقراطية وليدة هذه الثورة المباركة.فمصر بعد الثورة ، كان من البديهي إن تخرج لشعبها وللأمة العربية كلها باعتبارها الرائدة دائماً ، بإعلام جديد ، إعلام ليس دكتاتورياً ولا مملوكاً لأجهزة السلطة ، يمتاز بالواقعية والموضوعية في إيصال الحقيقة وطرح الفكرة وتحليلها وهذا ما لم يرق لحركة الإخوان المسلمين الذين راحوا يشهرون بالإعلاميين ويتوعدوهم بالقتل بل ووصل الأمر لحد اتهامهم لبعض رجالات الصحافة بالعمالة والخيانة ! ولم يتوقف الأمر عند هذه الحدود بل وأستخدم الإخوان المسلمين أسلوب مبتكر لا يخطر على بال العفاريت أو الجن وهو ما اتفق على تسميته بالدوامة القضائية بحيث كلموا غضبوا من صحفي أو قناة فضائية أدخلوهما في دوامة البلاغات للنائب العام مدعين أنهم الحمل الوديع وان الآخرين يسبونهم ويقذفونهم بالعبارات البذيئة والتي هي في الحقيقة لا تتعدى عن كونها جملاً أو برامج تلفزيونية تعكس واقع مصر اليوم في زمن الإخوان ! أنهم لا يريدون أعلام حر ينير بصيرة الشعب وإنما أرادوه إعلام دكتاتوري متأسلم وفي هذا الإطار لم ولن يحترموا ميثاق شرف هذه المهنة العريقة ، مهنة الصحافة لأنهم وببساطة شديدة وفي سبيل مشروعهم الوهمي "دولة الخلافة" قد يفعلون ما لا يخطر على بال عاقل !


--
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
-->

0 تعليقات:

إرسال تعليق