Ads

المظاهرات وقطع الطرق في ميزان الفقه الاسلامي


 بقلم دعبد الحليم منصور 
أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون – جامعة الأزهر 

1 - الحق في التظاهر والاعتراض على الممارسات التي يراها البعض خطأ ، حق كلفته كل الدساتير والقوانين في العالم ، وكفلته الشريعة الإسلامية ، قال تعالى ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ) وقد اعترضت المرأة على سيدنا عمر عندما أراد تحديد المهور ، وهي قصة معروفة ومشهورة في التاريخ الإسلامي ، ويتناقلها العلماء والخطباء كدليل على جواز الاعتراض على الحكام .
2 – نحن ندين ما حدث في المدينة الجامعة لطلاب الأزهر ، من حدوث التسمم لما يزيد على 500 طالب وهذه كارثة بكل المقاييس يجب أن يقدم فيها المقصرون للعدالة ، وأن يعاقب كل مقصر ، حتى يتحقق الردع الخاص للجاني ، والردع العام لكل من تسول له نفسه في ممارسة هذا السلوك .
3 – ما حدث من طلاب الازهر ، وما يحدث من كل المعترضين في كل ربوع مصر من قطع الطرق وإغلاق الميادين وتعطيل حركة السير من قطارات وسيارات ومترو ، وإحداث حالة من الشلل التام للبلاد ، وتعطيل الناس عن ممارستة حياتهم اليومية بشكل طبيعي أمر يخرج عن إطار المشروع شرعا وقانونا ، بل أقول إنه عمل محرم شرعا ويمكن تأصيل ذلك وفقا لما يأتي :
أولا - في قطع الطريق إيذاء لمن تعطلت حياتهم على مدار الوقت الذي قطع فيه الطريق قال تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)
ثانيا - فيه إضرار بمصلحة المواطنين ، والمرضى ، والمسافرين ، والوطن . والنبي عليه الصلاة والسلام يقول :" لا ضرر ولا ضرار " 
و عن أبي صِرْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قال من ضَارَّ ضَارَّ الله بِهِ وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ الله عليه " 
ثالثا - فيه تعريض لنفوس المرضى للتلف والهلاك ، لعدم قدرة المرضى على الذهاب للمستشفيات تارة ، ولعدم قدرة الأطباء على الوصول لمعالجة مرضاهم تارة أخرى والله عز وجل يقول :" ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " ويقول :" ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما " 
ويقول أيضا :" مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ " 
رابعا - الأدلة الدالة على وجوب كف الأذى عن الطريق ومنها :
1 - ما روي عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عن النبي e قال إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ في الطُّرُقَاتِ قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ ما لنا بُدٌّ من مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فيها قال رسول اللَّهِ e فإذا أَبَيْتُمْ إلا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ قالوا وما حَقُّهُ قال غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عن الْمُنْكَرِ" وأعتقد أن قطع الطريق من أكبر الأذى .
2 - عن أبي ذَرٍّ عَنِ النبي e قال عُرِضَتُ عَلَىَّ أمتي بِأَعْمَالِهَا حَسَنَةٍ وَسَيِّئَةٍ فَرَأَيْتُ في مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا إِمَاطَةَ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ وَرَأَيْتُ في سيء أَعْمَالِهَا النُّخَاعَةَ في الْمَسْجِدِ لاَ تُدْفَنُ "
3 - عن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قال اتَّقُوا اللَّاعِنَيْنِ قالوا وما اللَّاعِنَانِ يا رَسُولَ اللَّهِ قال الذي يَتَخَلَّى في طَرِيقِ الناس أو ظِلِّهِمْ " فإذا كان من يتخلى في طريق الناس يستحق اللعن فما بالنا بمن بقطعه عليهم ، ويؤذيهم .
4 - عن أنس قال كانت شجرة على طريق الناس فكانت تؤذيهم فعزلها الرجل عن طريق الناس قال قال النبي e فلقد رأيته يتقلب في ظلها في الجنة " 
5 - عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام قال كان علي طريق غصن شجرة يؤذي الناس فاماطها رجل فأدخل الجنة " 
6 - عن أبي ذر عن النبي e قال عرضت علي أمتي بأعمالها حسنها وسيئها فرأيت في محاسن أعمالها الأذى ينحى عن الطريق ورأيت في سيء أعمالها النخامة في المسجد لا تدفن .
7 – من شأن قطع الطرق بشكل مستمر إحداث للفوضى العارمة في البلاد ، والإضرار بمصالح البلاد العليا ، والإضرار بالاقتصاد المصري الذي يتدهور يوما بعد يوم ، وكل ما يؤدي إلى المفسدة فهو ممنوع شرعا .
8 – نريد للمصريين بعد الثورة أن يثبتوا للعالم كله أنهم كانوا يستحقون وجديرون بالممارسات الديمقراطية منذ وقت بعيد ، نريد أن يرى العالم أجمل ما فينا ، ولا ينظر إلينا على أننا همل ، أو مجموعة من الرعاع لا يصلحنا إلا قسوة الكرباج ، واستبداد الحكام ، نريد للمعدن المصري الأصيل صاحب الحضارة الممتدة عبر التاريخ ، ذات الجذور المتأصلة في عمقه وأغواره ، أن يعبر عن أجمل ما فيه ، وأروع ما يمتكله من مهارات وإبداعات ستفصح عنها الأيام القادمة .
- حمى الله مصر والمصريين ، وجمعنا على كلمة سواء اللهم آمين .

-->

0 تعليقات:

إرسال تعليق