غادة عبد المنعم
أتذكر عندما كنت طالبة فى كلية آداب سوهاج وكانت تابعة فى هذا الوقت (قبل 22 عام) لجامعة أسيوط وبينما كنت أقيم فى المدينة الجامعية أننى لم أنجح ولا لمرة واحدة فى تناول طعام مطعم المدينة الجامعية مباشرة؟؟ وكنا نقيم كل أربعة فى حجرة واحدة مساحتها 3متر×3متر وفى حجرتى كانت تزاملنى الأستاذة عزة حامد مذيعة القناة السابعة وأختها الكبرى أمل حامد وصديقتنا الرابعة وهيبة صالح (نائب مدير تفتيش آثار دهشور حاليا)
و كنا أربعتنا (المكدسات فى حجرة واحدة) فى المدينة الجامعية نذهب أحيانا لإحضار الطعام من مطعم المدينة الجامعية حتى حجرتنا ونجلس أربعتنا لنعيد طهوه (فى أجراء إخترعته أمل حامد وفقط لكى تتيح لى إمكانية تذوق طعام مطهو ولو لمرة واحدة فى الأسبوع ذلك أن أسرتى كانت تقيم فى محافظة الدقهلية وكنت لا أذهب لبيتى إلا مرة واحدة فى أجازة نصف العام وأخرى بعد نهاية العام الدراسى لقضاء أجازة آخر العام ولما كنا نعانى من عدم وجود بوتاجازات ولا أنابيب كافية تناسب عدد الطالبات فى المدينة الجامعية فقد تحددت فترة إستخدام كل حجرة تحتوى أربع فتيات للبوتاجاز بربع ساعة وفقط لو لحقوا يستخدموه أثناء النهار ذلك أن طوابير الفتيات أمام البوتاجاز ليلا كانت تمتد طوال ساعات الليل وحتى بعد آذان الفجر وكان الكثير منا يعود لحجرته دون أن يستخدم البوتاجاز).
كنا أنا وأمل وعزة وصديقتنا الرابعة وهيبة نعيد تنقية الأرز المطهو وإخراج الحصى والطوب والطين منه بعد أن طهي به، وغالبا كانتا أمل وعزة هما من تتبرعان بالقيام بهذه المهمة حيث تعيدا تفحص كل حبة أرز مطهو وتخرجان منه الطوب بالمعلقة والشوكة ثم تقوم عزة بإعادة طهوه بالسمن وتطهيره على النار لربع ساعة كاملة (وحتى لا أقرف منه) بينما تخصصت أنا فى إعادة طهو الخضار (الطبيخ بلحمة الجمعية ) والذى كان طعمه فى حالته التى نأخذه بها من المطعم كافى لتسترجع كل ما فى بطنك.. وكنت أنجح غالبا بعد عمل صلصة جديدة ودلق الصلصة الموجودة فيه وإعادة تحمير اللحم وطهوه من جديد فى تحويل طبيخ المدينة الجامعية لشيء يمكن أكله أو على الأقل كما كانت عزة حامد تقول ريحته حلوه ومش مهم الطعم.. أما ما فشلنا في تحويله لطعام وتماما فكان الفول المدمس بسوسه فقد حاولت صديقتنا الرابعة وهيبة صالح جاهدة تنقية الحبات الممتلئة بالسوس وإخراجها منه ثم إعادة طهوه وعلى مدى أربع سنوات لم تنجح فى محاولاتها ولا مرة وكان طبق الفول ينتهى كل مرة وبعد جهودها المضنية فى الزبالة حيث كان من المستحيل الخروج منه ولو بربعه بلا سوس وكان من المستحيل تغير طعمه ليتحول لطعام آدمى.. الأمر نفسه كان ينطبق على الخبز البلدى بحصاه وزجاجه وخشبه حيث كان علاوة على إمتلائه بكل هذه الإضافات يوزع علينا بائت دائما ومبتول ومكسر.. والحقيقة أننى أندهش لماذا وطوال حوالى قرن ونصف من إنتشار مطاعم الميز الجماعية فى مصر (بدأت فى الجيش منذ بداية حكم الخديوى توفيق) لماذا لم يتحسن أبدا الطعام فيها لا فى مطاعم الجيش ولا فى مطاعم المدينة الجامعية ولماذا رغم عدم تحسنة ومعرفة الجميع أن 70% من الميزانية التى ترصد له يتم سرقتها .. لماذا استمر رغم ذلك نظام الميز؟
لماذا لا يتم إستبداله بنظام يصرف فيه قيمة الميزانية المخصصة للطعام لكل طالب أو جندى كإعانات شهرية له، على أن يتم توفير مطابخ كافية فى مبانى سكنهم وليس بوتاجاز بلا أنبوبة لكل مائة فرد كما يحدث حاليا، مما لا يتيح أكثر من إعادة طهو الطعام المطهو قبلا بشكل سيئ وبسرعة فيما لا يزيد عن ربع ساعة على الأكثر، لماذا لا نترك للطلاب المقيمين فى المدينة الجامعية وللجنود حرية طهو ما يرغبون فيه وكما يرغبون ؟ وننتهى بذلك من كل سلاسل التسمم هذه وننهى كذلك هذه المهزلة غير الإنسانية.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق