مستشار نبيل صبرى
ان قرار وزير العدل الصادر برقم 8310 لسنة 2008 قد أضاف قيدا جديدا لتنفيذ حكم المحكم.وهذا القراريصطدم مع المباديء العامة للقانون ومع نصوص قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 ومع قانون المرافعات المصري ومع اتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية لسنة 1958, كما أنه يتعارض مع فكرة التحكيم كوسيلة ودية سريعة لحسم النزاع عن غير طريق القضاء, وذلك علي النحو التالي:
أولا: بموجب هذا القرار يلزم فور إيداع حكم التحكيم ـ المطلوب تنفيذه جبرا ـ قلم كتاب محكمة المختصة, أن يقوم القلم بإرساله الي مكتب فني للتحكيم بوزارة العدل (بالقاهرة), كي يحدد ما اذا كان هذا الحكم صالحا للتنفيذ الجبري أم لا, وذلك علي ضوء احترامه للنظام العام وصدوره في مسألة يجوز التحكيم فيها, أي يجب أن يتفق هذا الحكم مع النظام العام في مصر وألا يكون متعلقاً بمسائل الأحوال الشخصية للمسلمين أوغير المسلمين أو مسألة جنائية وأنه لا يتعلق بأي حق عيني على عقارأو بحيازته أو بتسليمه أو بتثبيت بملكيته
ويؤخذ علي ذلك أن قرار وزير العدل قد منح اختصاص للمكتب الفني بوزارة العدل علي مسألة ليست من اختصاصه أصلاً طبقاً لقانون التحكيم المصري, بل هو من اختصاص المحكمة المنوط بها اعطاء أمر التنفيذ, فهو بذلك اغتصب سلطة هذه المحكمة, فنص المادة (298) مرافعات يقرر أنه: (لا يجوز للمحكمة المختصة ـ الابتدائية ـ التي يراد التنفيذ بدائرتها, الأمر بتنفيذ حكم التحكيم الأجنبي إلا بعد التحقق من أنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام أو الآداب في مصر), وهو نفس ما أكدته المادة (58) من قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994, بصدد التحكيم الوطني الذي يصدر الأمر بتنفيذه من المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع), والأجنبي (الذي يصدر الأمر بتنفيذه من رئيس محكمة استئناف القاهرة),أو أية محكمة استئناف أخرى وذلك حسب اتفاق أطراف التحكيم أما المادة (11) من قانون التحكيم فتقرر أنه: (لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح), والصلح لا يجوز (بصريح نص المادة 551 من القانون المدني) في المسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو بالنظام العام, ويدخل في مفهوم المسائل الأخيرة المسائل الجنائية.
وهذا يعني أن نصوص القانون المدني والمرافعات وقانون التحكيم المصري يسند الاختصاص والسلطة في اعطاء الأمر بالتنفيذ الي القضاء وحده دون غيره, وبالتالي فإن قرار الوزير ـ الذي هو أدني من القانون ويجب أن يراعيه ـ يشوبه عيب عدم المشروعية, ويخالف التنظيم الذي جاء به المشرع في إصدار أمر التنفيذ لأحكام التحكيم, ويغتصب سلطة منحها المشرع, بنصوص صريحة قاطعة, للقضاء وهو ما يعيب هذا القرار, بالاضافة الي أن هذا القرار يعوق التحكيم عن القيام بوظيفته الأساسية وهي(تحقيق العدالة من خلال سرعة حسم النزاع وحصول صاحب الحق علي حقه)
ثانيا: ان القرار لم يوضح طبيعة عمل هذا المكتب, وهل هو عمل اداري أم ولائي أم قضائي, كما لم يوضح كيف يقوم هذا المكتب بعمله, هل من خلال دعوة الأطراف والاستماع اليهم ومنحهم فرصة لتوضيح أمور ضرورية قد تخفي علي هذا المكتب؟ كذلك فإن هذا القرار ـ لم يوضح موقف الخصوم من قرار المكتب, هل لهم التظلم من قراره أم الطعن فيه ـ أم انتظار القرار السري, الذي يبلغه المكتب للمحكمة المختصة بالتنفيذ؟
ثالثا: ان قرار وزير العدل يتعارض مع نصوص اتفاقية نيويورك لتنفيذ أحكام التحكيم لسنة 1958. و يتعارض مع توجه المشرع المصري الحديث الذي وضع قانونا نموذجيا للتحكيم (القانون رقم 27 لسنة 1994) الذي استقاه من قواعد اليونسترال لسنة 1976 التي وضعتها الأمم المتحدة ومن القانون النموذجي للتحكيم لسنة 1985, فالقانون المصري للتحكيم يعتبر من أفضل القوانين التي نظمت التحكيم علي مستوي العالم, ويعتبر قانونا نموذجيا للتحكيم في العالم العربي, أخذت به حرفيا الكثيرمن الدول العربية واحتذت به دول أخري, وهذا القانون يرمي الي سرعة الفصل في المنازعات التحكيمية بإجراءات بسيطة مع سرعة تنفيذ أحكام المحكمين, وقرار وزير العدل يتعارض تماما مع هذا التوجه.
رابعا:
ويترتب على استمرارالعمل بهذا القرار :-
1- تعطيل مصالح الخصوم حيث لم يحدد ميعادا محدد لقلم الكتاب يتعين فيه ان يرسل طلب الرأي من المكتب الفني ، كما أنه لم يحدد ميعاداً للمكتب الفني للرد على هذا الطلب وهو مايجعل الأمر في النهاية في يد قلم الكتاب والمكتب الفني بوزارة العدل ولايكون للخصم ثمة وسيلة للحصول على حقه أو لتنفيذ حكم التحكيم0
2-كما أن المشرع لم يمنح قلم كتاب المحكمة المختصة ولا وزارة العدل ولا المكتب الفني بها ثمة سلطة لرقابة حكم التحكيم موضوعياً أو شكلياًحيث أن هذه السلطة قاصرة على القاضي المختص بإصدار أمر التنفيذ وعلى المحكمة المختصة بدعوى بطلان حكم التحكيم
وعلى ذلك لا يجوز لقلم الكتاب ولا للمكتب الفني بوزارة العدل الامتناع أو رفض ايداع حكم التحكيم 0
وتفادياً لذلك وحفاظاً على مصلحة المتنازعين أو الخصوم يجب أن يترك الأمر لقاضي الأمور الوقتية بالمحكمة المختصة طبقاً للمادة 9 بالقانون رقم 27لسنة 1994
أن قرار وزير العدل يضع عقبات أمام تنفيذ حكم التحكيم ويحول دون حصول صاحب الحق علي حقه, بعد أن طالب به تحكيميا وأنفق عليه الكثير من ماله وجهده للحصول علي هذا الحق, مما جعل الجميع يتخوف من أن هذا القرار قد يقضي علي التحكيم كوسيلة ودية تخفف العبء عن المحاكم,ووسيلة سهلة سريعة للحصول علي الحقوق,
إن الدولة (ممثلة في وزير العدل) قد ضاقت بالتحكيم بعد كل هذا النجاح الذي حققه في مصر وفي العالم أجمع, وأرادت أن تنقض عليه! كما أن هذا القرا ر فيه افتئاتاً على سلطة المشرع!!.لذلك يجب الغاء هذا القرار المعيب والغير مشروع
-->
0 تعليقات:
إرسال تعليق