Ads

الوجه الآخر: خدعوا أنفسهم ويخدعوك بقولهم "انقلاب على الانقلاب"


بقلم: دكتور/ حنان راشد

في شأن "الإعلان الديكتاتوري" الأخير: خدعوا أنفسهم ويحاولون أن يخدعونا بقولهم  أنه "انقلاب على الانقلاب" وأنه ذكاء ومكر ودهاء كبير
يروج الكثير من إخواننا الإخوان والبعض من حلفائهم من المتأخونين لفكرة أن الإعلان الديكتاتوري (الدستوري) الأخير جاء انقلابا على انقلاب مدبر وقلبا للطاولة على رؤوس المتآمرين على الوطن والثورة وعلى شرعية الرئيس، وأنه ينم عن ذكاء رفيع وعن مكر ودهاء كبير
والحقيقة أنه ثمة فارق كبير بين الذكاء وبين الفهلوة، وثمة فارق كبير أيضا ما بين الحزم والشجاعة من ناحية، والمقامرة السياسية والمغامرة بمصائر الشعوب، من ناحية أخرى
والحقيقة أنه لا يمكن أن يقبل شعب يحترم نفسه بأن يعامل بهذه الكيفية: "الدفع نحو التصويت على مشروع الدستور تحت حد سيف النكوص إلى الاستبداد والارتداد إلى الديكتاتورية والانقلاب على الديمقراطية"، بذات الآلية الديماجوجية التي تم استخدامها بنجاح مع المجلس العسكري الضعيف منذ شهور عندما تم إعلان نتيجة جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية تحت ضغط الحشد المسبق وتحت التهديد بالفوضى واستخدام العنف، فما هكذا يجب أن تكون علاقة الحاكم المدني المنتخب (بأغلبية حدية)  بشعبه الذي قام بثورة عبقرية أخرجته وجماعته من غياهب السجون وأسكنتهم مواقع السلطة وأجلستهم مقاعد الحكم 
ولا يمكن أن يقبل المؤمنون بدور المعارضة الرشيدة في بناء الديمقراطية الحقيقية بأن يستسهل الرئيس قلب الطاولة على رؤوس المعارضين، ملقيا بقفازه في وجه الجماعة الوطنية، بدلا من السعي بجد في جمع الشتات ولم الشمل، وبدلا من الاجتهاد في التفاوض معهم للوصول إلى توافق سياسي -وإن كان مؤقتا ومرحليا- يفضي إلى شراكة حقيقية في حكم وطن يعاني بالفعل من استقطاب وانقسام حاد شاركت في صناعته -وما زالت- جماعة الرئيس لأكثر من عام ونصف بعد الثورة
بالطبع أحترم شخوص أصحاب الرؤى التي تذهب إلى التأييد المطلق للقرارات الرئاسية الأخيرة وأحترم كذلك من يقولون بأنها كانت -كالدواء المر- "شرا لا بد منه"، وإن كنت أجد الكثير من هذه الآراء مفتقدة للدقة المطلوبة وللحياد والموضوعية. ولا أقلل من شأن مستوى الذكاء الشخصي الذي يتمتع به السيد الرئيس، وأقدر من جانب آخر قدرات الحشد والتنظيم ومهارات المناورة والمراوغة التي تتمتع بها جماعته، وإن كنت أراهما مؤديان إلى فوضى وديماجوجية ومفضيان إلى صراع أهلي واحتراب داخلي ونتائج كارثية إن لم يستخدما بحكمة، وإن لم يتم التوقف عن توظيفهما فقط لصالح التمكين للرئيس والجماعة على حساب تأصيل المبادئ الديمقراطية المستقرة عالميا، بل وأحيانا على حساب المصالح العليا لهذا الوطن
ومن جانب آخر، فإننا لا يمكن، ولا يجب، أن نركن إلى صدق طوية وحسن نوايا الرئيس وإلى وعود سيادته بعدم استخدام صلاحياته المطلقة إلا لتحقيق المصلحة العامة ولفترة مؤقتة، فهكذا فعل المصريون من قبل مع زعيمهم الراحل/ جمال عبد الناصر الذي لا يختلف اثنان على وطنيته وإخلاصه وتجرده، ما أوردهم بعد ذلك موارد النكسة والندامة والتخلف والتهلكة
والقاعدة الأصيلة التي يلزم استيعابها واستذكارها واستحضارها دائما هي أن "السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وإن كانت ليوم أو لساعة فقط". والحقيقة المؤكدة أيضا هي أنه لا وجود لما يطلق عليه "المستبد العادل" إلا لمما في كتب التاريخ، وفي عقول المفكرين وخيالات الأدباء وأوهام الشعراء وأحلام المتفائلين
والخلاصة المؤكدة هي أنه إذا سمحت الشعوب لحكامها باختراق القانون مرة، فسيكررون فعالهم بعد ذلك استسهالا واستمراءا المرة تلو المرة 
والله ثم الوطن من وراء القصد. والله وحده هو القاهر فوق عباده، وهو القادر على توحيدنا وهدايتنا وإلهامنا سبل الحق وطرق الرشاد وسواء السبيل 
-->

0 تعليقات:

إرسال تعليق