سحر عبد القوي
"إلى نساء يصفعن أبواب الحب نهائيا خلفهن حين يرحلن"
رنين الهاتف لا يمنعه من شروده ...ولا يسكت ضجة الذكريات التي تستعرض مفاتنها فى حضرة صمته الغامض...يتناول هاتفه فى حركة شبه اتوماتيكية ..."رحمة" تتصل...لا لن يرد...نعم لا يوجد ثمة داع لتلك القسوة وهذا الصد ...فبالأمس كان يبثها هياما هاتفيا...ويمسك بيديها ويعدها بألف وعد عاطفي دون أن تقول شفتاه شيئا...لكنه لن يرد
ما أصعب أن يستلقي رجلا هزمه حب امرأة واحدة على مدي عقدين ونيف...تتداعي ذكرياته عنها أمامه...فلا ينساها أبدا...ولا ينسي وجعا اهدته له في قلب الصيف الحارق....فيهديه بدوره لكل امرأة تطرق قلبه مع كل خريف...كانت ألفت تترادف ذاتيا مع رموز الحب...وكان "هو" يسمع نغم الحب بنبضه حين يراها...كانت تجسيدا للعشق...للحلم الذي يصبو إليه ومن أجله يكدح....فتحت في شريانه للحب الباب...وللرغبة باب...وللنشوة أبواب وأبواب....وحين تلاشت من عالمه جمدت الحب...دمرت الصدق...وفتحت للنقمة آلاف الأبواب....
لم يكن يتصور وهو يمسك بيديها أنه يمسك معول سيدمر به سنوات حياته ومباهج حلوة....من كان يصدق أنه سيمضي سبعة وعشرون عاما يصارع دوامات الذكري...؟ لم يتصور أن العمر سيجري به وهو يتأمل فعلة ألفت...ويتألم من فعلة ألفت...ويتساءل ماذا_ بحق الله _فعل كي تهديه خراب حياته...هو لم يمنحها غير الحب الصادق...
كان يعد العدة كي يتزوج منها...فدهم الصمت ضخب العشق..ومات الحب..مختنقا...ودهس الصمت الغامض أى مبرر للهجران وكل مبرر للحرمان...ماذا دهاها بعد سنين أربع من سنوات الحب كان نصيبه منها هاتف لا تلتقطه يد...رنين قاتل بدون إجابة...وغياب أهون منه الموت...
آه من هذا الصمت...هو لغة لا يفهمها رجل من حواء....الرجل يجيد أداء الصمت....لكن صمت فتاته يحمل أكبر من تحذير الموت....الرجل يفسر دمع امرأة..حتى لو أربكه الدمع..لكن كيف يفسر كنه الصمت الصادر من فوهة سلاح يقتل دون ضجيج...؟
وتمر الأيام ثقيلة...يختلق لها الأعذار...ويعلل لها الغياب ...ويلوم نفسه على كل ذنب لم يقترقه..!يغضب عليها...ويسامحها...وتمر الأيام الثكلي...يبحث عنها في كل مكان قابلها فيه ...في كل مكان قد توجد فيه...يسأل عنها الغيم والزهر..وعبير العطر...يتساءل قلبه مع دقات الساعة حين تمر...هل ضاعت ألفت..؟ هل تركتنى وحدي..؟ ضاعت في ظلمات غموض لا يعرف لها مقبس يضغطه ليضىء الدرب....
وذات مساء باكي...تتزوج سيدة الحب...تتزوج من رجل لا يفضله في شىء...سوي أنه لم يحبها من قبل....تتزوج ألفـــــــت في صمت...ويعرف لكن فيما بعد...هي حتي لم تخبره...ولم تسمح له بحضور العرس...هل كانت تستكثر عليه أن يري سيدة النساء بنظره بالثوب الأبيض..؟؟ كيف تحرمه وهو حبيب العمر من أن يتواجد في ذاك اليوم...كيف لم تخبره بأن فتاته منذ ذاك اليوم ما عادت له....هل كانت ترحمه...أم تضاعف له كئوس الغدر...
يتجدد رنين الهاتف..رحمة تتصل..يتجاهل...
مازال يتذكر كيف تسربت من بين يديه سنون العمر ...دون أن يهديه أية عام شيئا من نسيان....شيئا من سلوان...لا تزيده الأيام إلا الصبر...فمع كل محاولة للنسيان...مع كل محاولة جديدة للحب...ومع كل امرأة جديدة تطرق أبواب قلبه ...يصرخ هذا القلب
"ألفــــــــت أنتِ وجعي الأبدي...طعم العشق وطعم الأمل وطعم الغدر...وطعم الصدمة حين يكون الأمل على عتبات بزوغ الفجر....ويهوي في سرداب ظلام لقهر يالمرارة طعم الهجر.."
هي شبح العشق النائم في تابوت الذكري...تراود خاطره مع كل محاولة للنسيان...هي صاحبة الذكري الملعونة الملغومة...لا تهدأ حتي تطرد أى أمرأة تدخل في جدول أيامه الباردة...لا تسكن إلا حين يصير لوحده...وحين يعود وحيدا ترحل.....
وكيف سينسي امرأة كانت تهطل عشقا فوق زوايا جسده....وكيف سيقتل وردا نَبْتَ يعروش..ويكبر...ويتمدد...من سقياه بندي الشبق...وكيف يبرر أن تتصحر أرض الحب بروح امرأة رغم هطوله...وكيف تموت سنابل شوق رغم تفجر ماء الحب من ينبوعه....وكيف تموت الرغبة فيها وهو الرغبة عنده تهدر مثل الريح...تضرب مثل الموج العاتي كل شواطىء احساسه...وتنحت صخر الصبر....تسري مثل النهر العاصي ...فكيف سينسي...؟؟؟
ورغم مرور العمر ..وضياع صباه ... ومع كل نسمة حب تحرك جمود آفاقه...يستكثر فيها حب امرأة أخري علي نفسه...يسأل نفسه :
"كيف تغير قلبك يا امرأة كان النبض بقلبي يساير رمشة جفنيها حين يحل الخجل عليها...يتسارع مع ضحكة فمها...يتوقف حين يهرهر دمعا من عينيها...كيف ...ولماذا تغيرتي يا فاتنة العمر...وقد كنتي يا وردة عمري يهرب منك شذاك حين أغيب قليلا عنك..فكيف نسيتِ؟؟؟ "
ورغم الوجع..ورغم الحسرة..ورغم تكدس ألف سؤال بدون جواب..."هو" لم يكره ألفت..أبدا...حاول أن يكرهها...فشل...ولم يندم أبدا على حبه لها...ولم يلعنها...بل كان يصدر كل الكره وكل الحقد وكل نقوش النقمة لكل امرأة أخري...تحاول أن تتخذ مكانة ألفت عنده..!! وكأنه ذنب تكفر عنه كل أمرأة عشقته حقا...وجريرتها أنها وصلت موانئ قلبه بعد هزيمة أسطوله علي يد إعصار العشق المدعو "ألفت"!
الهاتف يواصل إلحاحه الأنثوي العشقي الذاهل...يتجاهل...وشريط الذكريات يواصل عرض قصة خذلانه العاطفي...ورنين الهاتف لا يهدأ...وكأنه...يتشاجر مع ماضيه
عليه....يحاول أن ينتزعه من ظلمات كهوف الصمت...كانت "رحمة" على الجهة الأخري تحاول أن تنتشله من مستنقع ذكري موحل...لكن ...دون جدوي...يلتقط الهاتف
هو:ألو رحمة: ألو حبيبي فينك...؟؟
هو: مشغول..(سكوت مريب من جانبها)..خير..عاوزة إيه..؟؟
رحمة: أبدا..وحشتنى..قلقت عليك ..ليه مش بترد..؟
هو: مشغول والله...وبعدين كل واحد حر...!!
رحمة: أنا آسفة...آسفة جدا لإزعاجك...مع السلامة...
هي لم تدرك أن الرجل قد ينسي امرأة وهبته حبا...لكنه لا ينسي أبدا امرأة وهبته بصمت وتحدي كل معاني الخــــــــــذلان...
0 تعليقات:
إرسال تعليق