Ads

صيد السمك غية

عبد الرحمن نجاح

بعد رحلة عمل في الخارج لأكثر من ثلاثين عاماً عاد فلم يجد نفسه التي تاق لها في غربته،، يصارع خواءً يتمدد في أعماقه،، الأولاد مشغولون بأحوالهم واتجهت زوجته الي التدين وانشغلت بالمسجد ودروس الدين،، فوران الفتوة الجسدية تؤرقه والفراغ العاطفي يشتته،، يعيش معاناة حقيقية ولكنه لا يجرؤ على تغيير حياته رغم امتلاكه لكل الامكانات التي تمكنه من ذلك،، يقتل الملل ويهرب من الفراغ بالتجوال في الشوارع والطرقات،، وبقيادة السيارة الي أماكن لم يراها من قبل،، جاب القري حول مدينته ومر بسيارته على طرق لم يسر بها من قبل،، يريحه منظر الحقول وتلاقي خضرة الزرع بضوء الشفق هناك في نهاية الأفق،، ويطربه نقيق الضفادع في غبشة الفجر وخرير الماء في الترع وخفقات الأسماك،، لمح البعض يصطاد بالسنارة من ترعة فتاق لمغامرات الصبا على شواطئ الترع وجسور الحقول،، شعر بساعدة ان استطاع اتخاذ القرار،، صيد السمك بالسنارة،، أقبل على تجهيز ما يحتاج اليه في سعادة غامرة وخفق قلبه حين اوقف سيارته وحمل عدة الصيد وأقترب من الترعة،، لمحها من بعيد سيدة منقبة تجلس على مقعد تصطاد بمهارة وبجوارها صبي وفتاة يصطادان،، يبدو ان السمك غزير في هذا المكان،، فلم تخرج سنارة منهم خالية في مرة،، تفاءل وأنشرح صدره،، ساعتين ولم يرزق الا بعدة سمكات صغار،، ترك الصبي والفتاة الصيد وانهمكا في اللعب والجري والمنافسة في قذف الحجارة في ماء الترعة،، ضاق صدره بقلة الرزق وكره أن يشعر بالغيرة من تلك السيدة فترك الصيد وراح يراقب الطفلين يلعبان ويمتع نفسه بنسيم الحقول وظل الاشجار،، دون تخطيط منه تقرب من الطفلين ولعبوا معاً في ألفة وسعادة،، وقبل يغادر منح ما أصطاده للصبي فسأله الصبي في براءة الاطفال،، ليه يا عمو ده طعمه حلو قوي؟، وهو في طريقه للسيارة لمحها تقف وتخطر مغادرة المكان فذهله جسدها الممشوق، منضبط الزوايا،، نادت ولديها، فغردت البلابل وصدحت موسيقي آسرة،، رفعت النقاب لتشرب فأشرقت الشمس وقت الغروب،، من فرط ما شعر به من بهجة واعجاب تمني ألا تمر اللحظة وان تستمر به الي ما لا نهاية.
واظب على ارتياد المكان كل يوم من قبل الموعد الذي اعتادت أن تأتي وولديها للمكان،، سال ابنها مرة،، لماذا لا تأتون لهذا المكان هنا الا يوم السبت والخميس،، قال الصبي بتلقائية،، أنهما يومي صيد السمك الصغير لنشويه،، ويوم الأحد والأربعاء نذهب الي المصرف الكبير في الصباح الباكر لنصيد سمك أكبر،، اندهش لهذا النظام الصارم،، وأتبع الجدول الذي أخبره به الصبي،، ويمنح الصبي كل مرة ما يصيده وبعدما عرف أنها أرملة بذل كل جهده للتقرب منها ومن ابنيها،، منحته فرصة الاقتراب،، أفرغت شاياً ساخناً من الترمس في كوبين، دعته ليقترب ويحتسي الشاي معها،، رفعت النقاب لتشرب الشاي قليلا فأشرقت الشمس وأضاءت الدنيا بضوئها الفضي الساطع،، خفق قلبه واختلط بداخله الندم علاما فات والخوف مما هو آت.
انشغل باله وضاق بالوقت الذي يمر بسرعة،، شعرت به وبما يكنه لها فمنحته الفرصة ليسألها ما يجول في خاطره،، 
حرصك على الصيد يدل على أنك تشعرين بالفراغ وتعانين الوحدة،،
قالت،، صحيح
قال،، لماذا لا تتزوجين؟،، 
قالت،، أنقذني زوجي من معاناة لا توصف، تربيت مع زوج ام وزوجة اب، وعشت معه أيام تمنحني ذكراها القدرة على الصمود،،
سألها،، وكيف تعيشين،، انا موظفة بعقد مؤقت بدبلوم التجارة،، وكان زوجي سباك وكان يهوي الصيد،، مات ولم يترك لنا أي مصدر للدخل غير مرتبي،، عانينا الجوع والعوز،، وفى مرة كدت أخرج الشارع لأتسول فلمحت عدة الصيد التي كان يعتني بها كثيراً،، فحملتها وأحضرت الطعم،، وذهبت للصيد وعدت برزق وفير،، ومن يومها وقد رتبت حياتي على هذا،، أصطاد أربعة أيام في الأسبوع،، ولم يخذلني ربي يوماً.
ما أن انتهت من سرد قصتها،، حتي تلاشت رغبته الجسدية فيها،، وحل الاحترام بداخله محل الاشتهاء،، وراح يعاني الفراغ والملل وفورة الرغبة مرة أخري.
تمت