بقلم د.ميسون حنا
كتبت الدكتوره سناء مجموعتها القصصيه تقاسيم الفلسطيني وهي مقسمه إلى عدة تقاسيم: تقاسيم الوطن، تقاسيم المُعتقل، تقاسيم المخيم، تقاسيم الشتات، تقاسيم العرب، تقاسيم العدو، تقاسيم البعث.
تتفرع أقاصيص التقاسيم لتعبر عن معاناة الشعب الفلسطيني داخل فلسطين أمام المستدمرين الصهاينه، وتبين الكاتبة برشاقة أن معاناة الشعب الفلسطيني موغلة بالقدم، هي امتداد لمعاناتهم مع الإنجليز، كما يتضح ذلك جليا في قصة لثام. تتجول الكاتبة بين القرى والمدن والساحل لتجسد نضال الفلسطيني وعزمه الذي لا ينثني، فالمؤذن بالرغم من حظر التجول يصمم على رفع الآذان، الرصاص الصهيوني يرديه قتيلاً، أمّا روحه فتصعد وترفع الآذان بموعده.
يحتدم الصراع بين النقيضين في التقاسيم، فتتفنن الكاتبة لترسم لنا بشاعة الوحشية الصهيونية، وتبريرات الصهيوني الواهية، حيث يقول الأب المدنس بالقتل لطفله عما اقترفه من جرائم يقول: "قتلونا هناك في المحرقه في ألمانيا، يجب أن ننتقم من العالم بأسره بسبب ذلك"، أمّا زوجته فتبرر لطفلها قائله بعد أن تلبس قناعاً آدمياً لا يليق بها، تقول: نحن اليهود مستضعفون، ويجب أن ندافع عن أنفسنا. ومع تصاعد الهمجية الصهيونية، والبطش اللامحدود، تبين الكاتبة برشاقة متناهية أن رحم المرأة الفلسطينية معجزة لأنه لا يتوقف عن انجاب ثوار المستقبل، وعدد من يولدون يفوق عدد الشهداء لتستمر الثورة، أمّا بشاعة الانتهاكات الصهيونية هو انتهاك حرمة أكبر مقبرة تاريخية في فلسطين، حيث جُرفت بقصد بناء أكبر مستدمرة صهيونية، وتبعثرت هياكلها العظمية الراقدة منذ أكثر من ألف عام، وتقول الكاتبة "استيقظت الهياكل العظمية ولبست أكفانها، وهاجمت اعداءها".
تتجول الكاتبة بين التقاسيم لتصف لنا معاناة الفلسطينيين بأسلوب مباشر، والمباشرة ضرورية لتنقل صورة غير قابلة للالتباس والتأويل الذي قد يخفف من وطأة العنف، فبشاعة العنف غير قابلة للترميز... هي هكذا ويجب أن تعرض كما هي.
تبين الكاتبه أن النزوح بدأ عام 1948، ومن المخيم، ثم النزوح عام 1967 إلى ... مخيم ... كلمات مباشرة، صادقة، تعبر عن صلب القضية الممتدة أعماقها منذ عهد الإنجليز، كما ورد في قصة لثام، وكما نوهت إليه سابقاً، هذا التسلسل البسيط الواضح الذي لا يقبل التأويل أو التزوير، ولكننا بالرغم من ذلك لا ننسى الطفل القادم من المخيم إلى نزوحه الجديد، فهو الوليد الشريد الذي يقابل استهزاء أقرانه بالمدرسة بمخيمته، وأصله الفلسطيني، بأن يخلع حذاءه، ويدير ظهره متجاهلاً لهم، ويكتب على السبورة: حنظلة غاضب الآن.
قراءة لطيفة لحنظلة ناجي العلي، الذي يشترك مع الدكتوره سناء في كشف العنف الصهيوني من خلال لوحة بسيطة قابلة للتأويل، وهنا التأويل ضروري لعدة قراءات تصب في قالب واحد، قالب العنف الذي عبرت عنه الدكتوره سناء بأسلوبها البسيط، ونوعت بأقاصيصها لترجمة واقع واحد غير قابل للتأويل، فهو الحقيقة الدامغة المشار إليها بأصابع الإتهام أمام العالم الصامت، والمتجاهل لها ببساطة.
والفلسطيني في الشتات يحلم بالعودة إلى أرضه فلسطين، وتحلم الكاتبة معه بأن تجعل روح الرسام تفتح الباب المرسوم في اللوحة "وهو باب كبير محاط بأشجار الياسمين، وله مزلاج نحاسي كبير على شاكلة باب جده في قريته السليبه". تفتح روحه الباب، وتدلف إلى فلسطين لتحقيق الحلم الوحيد بالعودة، وتقفل الباب دونها، وأقفال الباب هنا يعطي مساحة واسعة للتفكير عما يحدث خلف الباب، فالفلسطيني بالشتات ذاق الأمرين من صنوف العذاب، هل بعودته ينتهي كل شيء، فنقفل الباب لنسطر النهاية؟ أم هي بداية جديدة لما قد يحدث خلف الباب؟.
تبين الكاتبة الدعم العقيم للقضية الفلسطينية، ذلك الدعم الذي يتشدق به مسؤولون كبار، وينفقون الأموال الطائلة من أجل ذلك الدعم المزعوم، أو اللادعم بالواقع، وهو واقع كل العرب تجاه القضية الفلسطينية، ولا تنسى الكاتبة أن تصف التزعزع وعدم ثقة الصهيوني بنفسه، وهو المجرد من الأخلاق، والقيم الإنسانية والذي يتقن التعذيب بشتى أنواعه، وعندما يخلو مع نفسه يبدو هزيلاً، ضعيفاً، خاوياً، يعبق بكره ذاته أولاً، قبل أن يفيض بكرهه لمن حوله.
وأخيراً، تلملم الريح رمال الفلسطينين الذي بعثرته نسائمها، وتعجنها بماء الخلود، وتنفخ فيه فيبعث الفلسطينيون، ينسلون من طائر فينيق لا يموت أبداً، نعم لا يبقى للفلسطيني إلاّ أن يتشبث بشعاع أمل، ويحلم، والحلم سيتحقق يوماً ما، ما دام قلب الفلسطيني ينبض حباً لفلسطين.
المجموعة القصصية جديرة بالاحترام، كونها تنقش فلسطين في وجداننا، بل تخطت ذلك لتعكس صورة فلسطين وواقعها لتصل قلب كل مواطن عربي، وحبذا لو يترجم هذا الكتاب لنقل صورة حية إلى العالم حولنا.
تحية للدكتورة سناء لجرأتها وروحها الجميلة، التي أضفت لمساتها على هذه المجموعة لتخرج بهذا التناسق والجمال.