د. أحمد الخميسي
عام 1939 قام سلامة موسى بنشر رواية نجيب محفوظ "عبث الأقدار" وهو الاسم الذي اختاره لها المؤلف وظلت الرواية تطبع على مدار خمسة وسبعين عاما بذلك الاسم إلي أن قررت دار الشروق مؤخرا نشر الرواية "ميسرة" للشباب بعنوان جديد هو"عجائب الأقدار"! وأثار ذلك غضبا واسع النطاق بصفته عدوانا على تراث الثقافة العربية وعلى أحد أعظم الكتاب. وأصدرت الشروق بيانا قالت فيه إن هذه الطبعة "موجودة ومتداولة في الأسواق منذ عام 1989.. وقام بتبسيطها الأستاذ محمد المعلم وصدرت في حياة وبموافقة واعتماد الأستاذ نجيب محفوظ.. وتتضمن تبسيطا واختصارا في المتن وليس فقط تعديلا بالعنوان وهو تبسيط تم بالاتفاق مع الأستاذ نجيب محفوظ وتحت إشرافه وباعتماده". وما تقوله الشروق يظل كلاما بلا دليل ما لم تبرز الدار موافقة نجيب محفوظ الخطية على تعديل عناوين كتبه ونصوصها، خاصة أن الكاتب العظيم كان شديد التدقيق في اتفاقاته ومعاملاته ولم يكن يترك شيئا من ذلك لأحاديث شفوية، فإذا لم تبرز الشروق وتنشر ذلك صورة من ذلك التصريح بخط وتوقيع نجيب محفوظ، فإنها تكون قد ارتكبت جريمة غير مسبوقة في تاريخ النشر والثقافة بحق أكبر رأس أدبي في العالم العربي. وحتى الآن تظل إدعاءات الشروق موضع شك كبير جدا، أما الحديث عن طبعة صدرت عام 1989 فإن أحدا لم ير مثل تلك الطبعة في حينه، بينما تستطيع الشروق خلال ثلاثة أيام إصدار كتاب عليه تاريخ سابق بما لها من نفوذ وصلات. من ناحية أخرى فإن حياة وشخصية نجيب محفوظ تلقي بدورها بالشك على إدعاءات الشروق. ومن أسعده الحظ بالتعرف إلي الكاتب العظيم يعلم علم اليقين أنه كان متساهلا في كل شيء، في تصريحاته للصحافة، وما يكتبه خارج الأدب، وفي مجاملاته للأدباء وإسباغه مختلف الألقاب عليهم، لكنه كان متشددا إلي أقصى حد فيما يخص نصوصه الأدبية. ولا أعتقد أن محفوظ قد وافق على شيء مما تدعيه الشروق. وإذا افترضنا - وهذا مستحيل- أن لدي الدار موافقة فسيصبح السؤال هو: كيف قامت الدار بالتعديل؟!وهل أن عنوان الرواية الأصلي "عبث الأقدار" صعب على الشباب بحيث ينبغي تيسييره ليصبح"عجائب الأقدار"؟! أم أن الشروق اهتمت بمراعاة خاطر التيارات الاسلامية المتخلفة التي لا يفقه مريدوها شيئا في الأدب، ويتفحصون في النص الأدبي كل كلمة وفاصلة وهمزة من منظور ديني وليس أدبي؟! وقد سبق لكلمة الأقدار أن أثارت موجة من مثل هذه المعارضة المتخلفة من قبل عام 1967، حين جاء بيت في قصيدة كامل الشناوي الشهيرة"لست قلبي" التي غناها عبد الحليم حافظ يقول:" قدر أحمق الخطى سحقت هامتى خطاه". وإذا كانت الشروق قد رأت أن من حقها أن تغير العنوان من باب التيسير، فلا شك أنها مضت في التغيير من ذلك المنظور بحذف ما لا يروق لها وللتيارات الاسلامية المتخلفة داخل النص. الحق أن تاريخ النشر لم يشهد من قبل اعتداءا أشد جرأة على تراث رائد ومؤسس الرواية العربية؟! والآن أسأل ما هو موقف" اتحاد الكتاب" الذي يصل شخيره إلي أقصى الدنيا كلما برز حدث يستدعي موقفا محددا؟وما موقف وزارة الثقافة؟!أطالب وزارة الثقافة بتشكيل لجنة محايدة للتحقيق في الجريمة.
د. أحمد الخميسي. كاتب مصري
عام 1939 قام سلامة موسى بنشر رواية نجيب محفوظ "عبث الأقدار" وهو الاسم الذي اختاره لها المؤلف وظلت الرواية تطبع على مدار خمسة وسبعين عاما بذلك الاسم إلي أن قررت دار الشروق مؤخرا نشر الرواية "ميسرة" للشباب بعنوان جديد هو"عجائب الأقدار"! وأثار ذلك غضبا واسع النطاق بصفته عدوانا على تراث الثقافة العربية وعلى أحد أعظم الكتاب. وأصدرت الشروق بيانا قالت فيه إن هذه الطبعة "موجودة ومتداولة في الأسواق منذ عام 1989.. وقام بتبسيطها الأستاذ محمد المعلم وصدرت في حياة وبموافقة واعتماد الأستاذ نجيب محفوظ.. وتتضمن تبسيطا واختصارا في المتن وليس فقط تعديلا بالعنوان وهو تبسيط تم بالاتفاق مع الأستاذ نجيب محفوظ وتحت إشرافه وباعتماده". وما تقوله الشروق يظل كلاما بلا دليل ما لم تبرز الدار موافقة نجيب محفوظ الخطية على تعديل عناوين كتبه ونصوصها، خاصة أن الكاتب العظيم كان شديد التدقيق في اتفاقاته ومعاملاته ولم يكن يترك شيئا من ذلك لأحاديث شفوية، فإذا لم تبرز الشروق وتنشر ذلك صورة من ذلك التصريح بخط وتوقيع نجيب محفوظ، فإنها تكون قد ارتكبت جريمة غير مسبوقة في تاريخ النشر والثقافة بحق أكبر رأس أدبي في العالم العربي. وحتى الآن تظل إدعاءات الشروق موضع شك كبير جدا، أما الحديث عن طبعة صدرت عام 1989 فإن أحدا لم ير مثل تلك الطبعة في حينه، بينما تستطيع الشروق خلال ثلاثة أيام إصدار كتاب عليه تاريخ سابق بما لها من نفوذ وصلات. من ناحية أخرى فإن حياة وشخصية نجيب محفوظ تلقي بدورها بالشك على إدعاءات الشروق. ومن أسعده الحظ بالتعرف إلي الكاتب العظيم يعلم علم اليقين أنه كان متساهلا في كل شيء، في تصريحاته للصحافة، وما يكتبه خارج الأدب، وفي مجاملاته للأدباء وإسباغه مختلف الألقاب عليهم، لكنه كان متشددا إلي أقصى حد فيما يخص نصوصه الأدبية. ولا أعتقد أن محفوظ قد وافق على شيء مما تدعيه الشروق. وإذا افترضنا - وهذا مستحيل- أن لدي الدار موافقة فسيصبح السؤال هو: كيف قامت الدار بالتعديل؟!وهل أن عنوان الرواية الأصلي "عبث الأقدار" صعب على الشباب بحيث ينبغي تيسييره ليصبح"عجائب الأقدار"؟! أم أن الشروق اهتمت بمراعاة خاطر التيارات الاسلامية المتخلفة التي لا يفقه مريدوها شيئا في الأدب، ويتفحصون في النص الأدبي كل كلمة وفاصلة وهمزة من منظور ديني وليس أدبي؟! وقد سبق لكلمة الأقدار أن أثارت موجة من مثل هذه المعارضة المتخلفة من قبل عام 1967، حين جاء بيت في قصيدة كامل الشناوي الشهيرة"لست قلبي" التي غناها عبد الحليم حافظ يقول:" قدر أحمق الخطى سحقت هامتى خطاه". وإذا كانت الشروق قد رأت أن من حقها أن تغير العنوان من باب التيسير، فلا شك أنها مضت في التغيير من ذلك المنظور بحذف ما لا يروق لها وللتيارات الاسلامية المتخلفة داخل النص. الحق أن تاريخ النشر لم يشهد من قبل اعتداءا أشد جرأة على تراث رائد ومؤسس الرواية العربية؟! والآن أسأل ما هو موقف" اتحاد الكتاب" الذي يصل شخيره إلي أقصى الدنيا كلما برز حدث يستدعي موقفا محددا؟وما موقف وزارة الثقافة؟!أطالب وزارة الثقافة بتشكيل لجنة محايدة للتحقيق في الجريمة.
د. أحمد الخميسي. كاتب مصري