Ads

الطائفية السياسية والديمقراطية في مصر

الدكتور عادل عامر
ان الطائفية السياسية هي تقويض لبناء الدولة الوطنية والديمقراطية معا، مشددا على أن استبداد الأنظمة العربية أجج الطائفية، معتبرا أن "داعش" هي نتيجة لقاء شديد الانفجار بين السلفيّةِ الجهاديةِ والطائفية تحدث ردة كبرى عن التمدن العربي. أن الطائفية السياسية ليست صنيعة العامّة ولا شغلهم الشاغل إنما هي صنيعة السياسيين الذين يستغلونها. وأوضح أن الطائفية عابرة لحدود الدول الوطنية في العديد من الحالات، ورأى أن الخطاب الطائفي تتعدد أصواته ومصادره في منطقة المشرق العربي، غير أن النظام الإيراني حاليا هو صاحب أسوء خطاب طائفي. -لا شك أن الطائفية السياسية هي من الأمراض العصية التي أصابت النظام اللبناني عقوداً من الزمن, ونعتقد أن إجماع اللبنانيين في »اتفاق الطائف« على إلغاء هذه الطائفية السياسية, يعبر عن اقتناعهم بأنه مرض يجب إزالته. إذاً لا خلاف على المبدأ, ولكن في الواقع فإن عدداً من الطوائف اللبنانية تجد في اعتماد التوزيع الطائفي للمراكز والمناصب والوظائف الكبيرة في الدولة هو نوع من الضمانة لها للحفاظ على حقوقها. والبديل الوحيد لهذه الضمان -إذا ألغيت الطائفية السياسية- هو قيام الدولة التي تحفظ حق الجميع, وهذه الدولة لم تقم بعد بسبب رفض وممانعة من يدعو اليوم إلى إلغاء الطائفية السياسية. هذا من جهة, ومن جهة ثانية, فإن »اتفاق الطائف« هو سُلّم له درجات سفلى وعليا, الدرجات السفلى هي حل الميليشيات وقيام الدولة الضامنة لحقوق الجميع, هذا الأمر لم يتم بعد 20 عاماً على إنجاز هذا الاتفاق. لم تنجح النخبة السياسية العربية التي خلفت أنظمة الاستبداد في الاتفاق على الهوية المشتركة، والجماعة السياسية الوطنية صاحبة السيادة، وأسست هذه النخبة لصراع هويات، على أساس وجود جماعات سياسية، ذات هويات متناقضة، تتصارع على السيادة والنفوذ، فتَحَوَّل التنافس السياسي إلى عداءٍ، واحتراب أهلي ألغى التعددية السياسية، وبات الاقتراع في الصناديق مجرد فلكلور مفرغ من مضامينه.
في العراق، نموذج واضح على هذا الأمر، ولابد من التذكير بأن الاحتلال الأميركي هو من أنشأ النظام في العراق على أساس المحاصصة الطائفية، بعد تدمير الدولة، وانهيار الوحدة الوطنية، فأصبح الصراع الطائفي بديلاً للتنافس الديمقراطي. وأسس حزب الدعوة والمجلس الإسلامي الأعلى، ومن معهم من القوى الشيعية الطائفية، لوجود جماعة سياسية شيعية، تسعى إلى بسط سلطتها على الدولة، بحجة الأكثرية العددية للشيعة، بما يتناقض مع فكرة الأكثرية والأقلية في النظام الديمقراطي، القائمة على أكثرياتٍ وأقلياتٍ، متغيرة وفقاً لبرامج عمل سياسية، وليس لانتماءات طائفية أو إثنية.
استنفر هذا القوى السنية التي باتت تمثل الجماعة السياسية السنية، وأصبح التحشيد والتعبئة على أساس الهوية، لا اعتماداً على برنامج عمل سياسي، يخدم مصالح الشعب العراقي كله، وصارت الأحزاب السياسية تستمد شرعيتها من تمثيل الطائفة ومصالحها، ورُسِمت خطوط التماس بين الجماعات الطائفية، ودخل العراق دوامة صراع هوياتٍ، وحربٍ أهلية، تسخن وتبرد تبعاً للتطورات. في مصر، حوَّلت النخبة السياسية الانقسام الإسلامي – العلماني، بعد ثورة 25 يناير، إلى صراع هويات، فصار الإسلاميون يعبئون الجماهير ويحشدونها، في المحطات الأساسية بعد الثورة، بخطاب هويةٍ، يؤكد أنهم حماة الدين في مواجهة العلمانيين الذين يشكلون خطراً على الهوية الإسلامية والشريعة، وبالمثل، حشد العلمانيون، (الذين تحولوا إلى ما يشبه الطائفة) جمهورهم ضد الإسلاميين، بخطاب هوية مبني على وطنية شوفينية، تُقصي "الإخوان المسلمين" و"أصحاب اللحى" الذين يشكلون شريحة واسعة من المجتمع المصري. وهكذا، بات صراع الهويات هذا عائقاً أمام اكتمال التحول الديمقراطي، ومفيداً لقوى النظام القديم، لتستعيد زمام المبادرة
شارك البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، في اجتماع الجيش مع قوى سياسية توافقت على عزل مرسي وتعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيسا مؤقتا للبلاد، بعد أن توترت علاقة الرئيس المعزول بالقيادة الكنسية في البلاد بشدة خلال عام من حكمه. ومنذ عزل مرسي تزايدت الهجمات الإرهابية التي يشنها من يعتقد أنهم إسلاميون متشددون على مقار أمنية في سيناء، وكذلك استهداف مسيحيين. وقتل مسلحون مجهولون قس كنيسة المساعيد بمحافظة شمال سيناء في يوليو الماضي.
وحذرت قوى مدنية على رأسها التيار الشعبي والحزب المصري الديمقراطي من استغلال ملف «الفتنة الطائفية» في المعركة السياسية التي تشهدها البلاد حاليا، خصوصا بعد أن وجه أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة رسالة قبل مطلع الأسبوع الحالي حث فيها القوى الإسلامية على التخلي عن الخيار الديمقراطي.
وانتقد الظواهري في رسالته البابا تواضروس الثاني، معتبرا أن المسيحيين لعبوا دورا في إسقاط مرسي.. وهو خطاب لجأ إليه أيضا قيادات من جماعة الإخوان المسلمين، أبرزهم نائب مرشد الإخوان خيرت الشاطر، والقيادي في الجماعة محمد البلتاجي، حيث تحدثوا عن أن أغلبية المتظاهرين ضد مرسي من المسيحيين.

في العام الأخير قبل ثورة 25 يناير، وقعت بعض الحوادث الطائفية في نجع حمادي بصعيد مصر، وراح ضحيتها عدد من المسيحيين، وثارت العديد من السجالات الحادة عقب اختفاء كاميليا شحاتة، واتهام الكنيسة بسجنها وتعذيبها؛ من أجل إجبارها على العودة للمسيحية. وزاد الأمر اشتعالاً دخول أطراف خارجية على خط الأحداث، إذ قام تنظيم القاعدة بالعراق باستهداف كنيسة سيدة النجاة بحي الكرادة؛ انتقاما لاحتجاز الكنيسة الأرثوذكسية المصرية سيدتين مسلمتين (حسب الاتهامات الرسمية لوزارة الداخلية المصرية حينئذ، بينما تسربت معلومات تفيد باتهام وزير الداخلية شخصيا).
في إطار هذا الجدال، كان هناك موقف سلفي نظري وعملي بدرجة ما، فقد رفض السلفيون المصريون تهديد القاعدة للكنيسة المصرية ولأقباط مصر، وقُدمت بعض الدراسات في تحريم ذلك، فقد ذهب الشيخ محمد حسان في حوار معه إلى أنه يتحدى من يجيز استهداف المسيحيين، بل أكد أن الدعوات السلفية ساعدت في تخفيف أجيج الغضب الذي ثار بسبب كاميليا شحاتة، التي قيل: إن القنوات الدينية أغلقت بسببها. وبالرغم من شدة الموقف السلفي النظري من الأقباط، إذ يحرمون حضور أعيادهم أو تهنئتهم، إلا أنهم عكس السلفية الجهادية يقبلون مقولات الوحدة الوطنية ودرء الفتنة الطائفية وما شابه ذلك! بالنظر إلى برنامج (حزب النور) -المعبر عن الحركة السلفية- بخصوص الموقف من الأقباط نجد أنه اكتفى بالتركيز على المبدأ التقليدي (لهم ما لنا وعليهم ما علينا)، وبقي تصور الشريعة كمرجعية عليا -أي حاكمة- هو الشرط الحاكم لكل شيء، بما في ذلك الحرية الدينية للأقباط، حتى لم تعد القضية مرتبطة بالحرية الدينية للأقباط، وإنما بولاية القبطي على المسلم، على نحو يثير الشكوك حول مدى قدرة المجموعة المؤسسة للحزب على مغادرة سلفيتها، وإن تمتعت بحرية حركة أكبر بالمقارنة بالدعوة السلفية، هذا في الإطار النظري.
أما في الجانب العملي، فتظل أخطر مواقف السلفيين هي مواقفهم الدينية المتشددة من الأحداث الطائفية التي جرت بعد الثورة، مثل هدم كنيسة صول بأطفيح، إلى قطع أذن الشاب القبطي ديمتري بمحافظة قنا، وانتهاءً بأحداث إمبابة في 8 مايو/آيار، فقد أنكروا تورط السلفيين في هذه الأحداث، إلا أنهم كثيرا ما برروا ودافعوا عن المتورطين فيها من المسلمين! وقد اتخذ السلفيون الموقف نفسه عند تعيين محافظ مسيحي لمحافظة قنا في إبريل/نيسان 2011م، حيث شاركوا بكثافة في الاعتصام استنادا إلى أنه لا ولاية لكافر على مسلم، وذهب السلفيون أيضًا إلى ضرورة أن تعيد الكنيسة في مصر النظر في دورها بخصوص المتحولين دينيا، بما يضمن حرية الاعتقاد، وتمشيا مع هذا المبدأ أسس عدد من السلفيين ائتلافا للدفاع عن المسلمين والمسلمات الجدد، تحت اسم (ائتلاف دعم المسلمين الجدد). إن الإصرار والاستعداد للحرب على الهوية الإسلامية للدولة المصرية ومرجعيتها في الخطاب السلفي-المصري بعد الثورة (التأكيد على إسلامية الدولة والثورة، وعدم جواز المساس بالمادة الثانية من الدستور)، وتحول السلفية للتنظيم الحزبي، وتحول مدرسة الإسكندرية لذلك، وهي سلفية مدرسية وتعليمية في الأصل، يجعل السلفية تقترب من حركات الإسلام السياسي، لكنها على المستوى الخطابي أقرب للجهاديين من الإخوان وغيرهم.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

0 تعليقات:

إرسال تعليق