مصر
تنتخب رئيسها
بقلم هيام محى الدين
لعلها
المرة الأولى في التاريخ المصري الممتد عمقا إلى سبعة آلاف عام ، التي تتركز فيها
أنظار العالم على انتخابات تحدث في مصر ؛ ومنذ عرفت مصر هذه الطريقة الديمقراطية
المعاصرة لاختيار الحاكم لم تلفت أنظار العالم ولا حظيت باهتمام كما يحدث اليوم ،
فالانتخابات المصرية النزيهة التي تعبر بصدق عن إرادة الشعب المصري نادرة في تاريخ
مصر ؛ فمازلنا نذكر حتى اليوم انتخابات 1924 التي خسر فيها رئيس الوزراء يحيى
إبراهيم باشا أمام مرشح الوفد المغمور ؛ كما نذكر انتخابات 1976 التي أشرف عليها
السيد ممدوح سالم في عصر السادات والتي أنتجت مجلسا تشريعيا ورقابيا متميزاً ؛ أرهق
الحاكم وكشف عن الكثير ؛ ولم يطل عمره مثل البرلمان الأول ، وطرد الكثير من أعضائه
ثم تم حله ؛ وبالنسبة للانتخابات الرئاسية فقد نصت دساتير الجمهورية منذ دستور
1956 وحتى دستور 1971 قبل تعديله عام 2005 على اختيار البرلمان لشخص الرئيس وطرحه
في استفتاء شعبي ؛ ولم يخل استفتاء واحد منها من شبهة تزوير إرادة الشعب إذا
استثنينا فترة رئاسة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ؛ ولذلك كان العالم كله ينظر
إلى الانتخابات المصرية باستخفاف ودون اهتمام حيث كان الشائع أن نتيجتها معروفة
قبل إجرائها وأن الحاكم المتربع على كرسي الحكم لا يمكن خروجه بالانتخابات فكل
أجهزة الدولة تعمل بكل الطرق على بقاء الحاكم أيا كان عدد الناخبين أو رأيهم.
وبعد
ثورة يناير 2011 تدخلت قوى عديدة داخلية وخارجية لتخرج الانتخابات برلمانا مشوها
على قاعدة قانونية ودستورية خاطئة وخلال الشهور القليلة التي مارس فيها هذا
البرلمان جلساته أثار سخرية الشعب والعالم من خلال اهتماماته الغريبة وسلوك أعضائه
الشاذ خلال الجلسات ومحاولة تشريع قوانين لتصفية حسابات عقائدية وسياسية بجهل أقرب
إلى الغباء ؛ وقد حكمت الدستورية العليا بحله ؛ وبنفس التدخلات الخارجية والداخلية
تمت انتخابات الرئاسة السابقة والتي يحقق اليوم في مدى صحة نتائجها وأسفرت عن
انتخاب رئيس ينتمي إلى جماعة ذات تاريخ مشين في الإرهاب والسيطرة والإقصاء ؛ مارس
أقصى درجات الغباء السياسي وحاول أن يفرض سيطرة جماعته على كل مفاصل الدولة ؛ وهب
الشعب مرة أخرى ليضيف إلى زنازين ليمان طرة رئيساً آخر ؛ وهذه أيضاً أول مرة في
تاريخ مصر ولعلها في تاريخ العالم أيضاً يقوم شعب بسجن ومحاكمة رئيسين له خلال
ثلاثة أعوام.
هذه
الأحداث المذهلة التي بهرت العالم ولفتت أنظاره بشدة إلى ما يحدث في مصر جعل
انتخابات الرئاسة التي يتوجه الشعب المصري للإدلاء بصوته فيها غدا الاثنين 26 مايو
2014 محط أنظار العالم كله ؛ الذي علم عن يقين أن شعبا سجن رئيسين لن يسمح بتزوير
إرادته ؛ ورغم كل ما تشيعه جماعات التأسلم السياسي عن رفض غالبية المصريين لأحداث 30
يونيو و3 يوليو فقد كان تصويت المصريين في الخارج بعدد اقترب من ثلث المليون رغم
القيود الني وضعتها اللجنة العليا لضمان نزاهة وحيدة التصويت جعل العالم كله الذي
انبهر بثورات مصر يركز بقوة على ما سوف يحدث غداً وبعد غد في انتخابات الداخل
ليعرف مدى استعداد الملايين التي خرجت في 30 يونيو لإثبات إرادتها أمام العالم ؛
وحشد الإرهابيون المتأسلمون أخر نفس في وجودهم لمحاولة إثبات أن ثورة يونيو 2014
لا تعبر عن إرادة غالبية المصريين وسلاحهم الواضح والمعلن هو محاولة تقليل أعداد
الناخبين بأكبر قدر ممكن واستخدام الترهيب والعنف ونشر الفوضى خلال يومي
الانتخابات لنقل صورة مشوهه إلى العالم عن مصر وشعبها وانتخاباتها وخارطة طريقها
وإرادة شعبها.
وقد
عانى الشعب المصري من هذه الجماعات المتاجرة بالدين والممارسة للعنف والإرهاب طوال
نيف وثمانين عاماً منذ تكونت جماعة الإخوان المسلمين عام 1928 وحتى اليوم ؛ وأصبح
لا يثق في اي وعد من وعودهم التي طالما نكثوا بها وخانوها عبر تاريخهم ؛ فهم
يتقربون إلى الناس في وقت استضعافهم ويفترون ويطغون إذا تمكنوا ؛ وقد أصبح الشعب
المصري واعيا بعمق لحقيقتهم وأهدافهم البعيدة عن الانتماء لمصر كوطن وللعروبة
كقومية ؛ وحتى للإسلام كدين فهم يستخدمونه كوسيلة وليس كعقيدة.
وشعبنا
غدا أمام اختيار مصيري في تاريخه ؛ ومؤثر في صورته أمام العالم ؛ ومبين لإرادته
ورؤيته للمستقبل ؛ وشعبنا بتاريخه العريق وآماله في استعادة أمجاد مصر ورخائها
وريادتها وعزة شعبها وكرامته يقف أمام تحدي إثبات الذات وتحقيق الإرادة.
وثقتي
بلا حدود في هذا الشعب العظيم وقدراته المبهرة ؛ ورغم الاحتياطات غير المسبوقة التي
اتخذتها اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية لضمان الإشراف القضائي المباشر على
صندوق الانتخابات وضمان التأمين الكامل للجان والتي تمثلت في اختصار عدد الضناديق
إلى ثلث ما كان يستخدم في الانتخابات السابقة ؛ والتي قد تؤثر على معاناة الناخبين
في الإدلاء بأصواتهم ؛ فإن هذا الشعب المصمم على أثبات إرادته سوف يخرج للإدلاء
بصوته بلاميين غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات المصرية .. نعم سوف يخرج المصريون
متحدين لكل العقبات والصعاب والتهديدات والزحام وطول مدد الانتظار أمام اللجان كل
ذلك سوف يتحداه شعب مصر ويثبت كما أثبت عبر التاريخ أنه شعب يصنع التاريخ إني
أتوقع أن يكون عدد الذين سيدلون بأصواتهم غداً وبعد غد متجاوزاً لخمسة وثلاثين مليوناً
من الناخبين متجاوزين لأي رقم سابق في تاريخ الانتخابات المصرية فيثبت للعالم كله
بذلك أنه الشعب الذي علم البشرية وأقام صرح الحضارة الإنسانية فهو مهد العبقرية
والفنون التي بهرت العالم ، وإن غدا لناظره قريب.
هيام محي الدين
0 تعليقات:
إرسال تعليق