Ads

اختيار المستفتي للمفتي المؤهل


لا تَستَفْتِ إلا من هو أهل للفتوى؛ فإن دينك هو أعظم أمانة حـمَّلك الله إياها، وكما تذهب في علاج بدنك إلى الطبيب المتخصص فكذلك الحال في صلاح دينـك، بل هذا أولى؛ لأن الأديـان أهم من الأبدان، والله تعالى يقـول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}[النساء: 58]، ويقـول سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[النحل: 43].
لا تغتر بمظهر أحد أو اشتهاره بين العوام فيدعوك ذلك إلى أن تستفتيه في أمر دينك؛ فإن الشهرة بين العامة لا يوثق بها وقد يكون أصلها التلبيس والتدليس، وهناك فرق كبير بين الدين والتدين، وبون شاسع بين العلم والفتوى وبين أحاديث القُصَّاص وخطب الوُعَّاظ؛ فإن الدين: علم له مصادره ومناهجه وأسُسُه، ويحتاج إلى تخصص وتفرغ، شأنه في ذلك شأن سائر العلوم، أما التدين: فهو سلوك يظهر على صاحبه وليس من لازمه أن يكون عالمـا بل ولا متعلمًا، وتذكَّر في ذلك دائمًا قول الإمام محمد بن سيرين: «إن هذا العلم دينٌ؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم»، وقديمًا دخل رجل على الإمام رَبيعة الرأي -شيخ الإمام مالك وصاحب الفتوى بالمدينة- فوجده يبكي، فقـال له: ما يبكيك؛ أمصيبة دخلَتْ عليك؟ فقال: «لا، ولكن استُفْتِيَ من لا علم له وظهر في الإسلام أمر عظيم، ولَبَعض من يفتي ههنا أحقُّ بالسجن من السُّرَّاق»، ونقول كما قال ابن الصلاح رحمه الله: رحم الله ربيعة، كيف لو أدرك زماننا! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ليس كل ما يُقرأ في الكتب تجوز الفتوى به؛ لأن الواقع يختلف، والأعراف تتغير، وقد نصَّ العلماء على أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص والأحوال؛ فلا تجوز الفتوى مثلا في الأَيْمان والنذور وألفاظ الطلاق والإقرارات ونحوها مما يتعلق بمعاني ألفـاظ الناس إلا لمن كان خبيرًا بمراداتهم منها وما جرى عليه عرفهم فيها، كما أنه ليس كل خلاف يُعتَدُّ به، وليس كل قول فقهي يصلح تطبيقه؛ فالفقهاء قاموا بواجب وقتهم فيما تركوه لنا من تراثٍ أدركوا فيه واقعهم وأحسنوا تطبيق الأحكام الشرعية عليه بما يحقق مراد الله فيه، وكذلك يجب أن نفعل نحن.
وهناك فرق بين أن يعرف الإنسان حكمًا شرعيًّا عن طريق الثقافة العامة والاطلاع فيخبر به غيره -وهذا النقـل لا يُسمَّى «إفتاءً»- وبين أن يكون مؤهَّـلا لأن يفتي؛ فيبلغ عن الله دينه، ويعلم الناسَ مراده، ويعرف كيف يوقع حكم الله تعالى على الواقع الذي يناسبه؛ بحيث يكون محققًا لمقاصد الشرع ومتَّسقًا مع مصالح الخلق.

0 تعليقات:

إرسال تعليق