Ads

المعرفة مؤلمة !


حمد الكنتي
هل للمعرفة ألم، وإن لم يكن موجوداً؟ فلماذا يصاحبنا إذاً، ولماذا كلما تعلمنا نزداد ألماً في هذه الحياة؟ وكذلك كلما تعلمنا نزداد جهلاً.
هي أسئلة تراودني دائماً، وأيضاً هي مشاعر تجتاحني كلما عرفت شيئاً جديداً، أزداد ألماً، وتتسع حيرتي أكثر عن هذه الأسرار، وخفايا الكون العجيب.
وقد كنت أظن بأني وحدي من يشعر بذلك حتى سمعت أحد رواد الفضاء يقول: كلما صعدت إلى الفضاء، ورأيت الكون زادت تساؤلاتي، وحتى قرأت لأحد المفكرين حكمة جميلة يقول فيها كلما تعلمت ازددت علماً بجهلي، وأما الشيء الذي أراحني جداً، وجهل النفس هادئة فهو بيت الشعر الذي قاله الإمام الشافعي، والذي يستحق أن يكتب في أعماق كل منا يكتب بماء من ذهب:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
فعلمت حينها أن الأمر لا يخصني أنا فقط، وهو داء جميل يصيب القلوب الراكضة خلف المعرفة، وألم لذيذ يصاحب كل فكرة، وحالة شعورية تأتي في أثناء تلقي المعرفة، وكأنها ضريبة لا بد أن تدفعها لتنال ما تريد، كالمرأة الحامل تتألم، كي تنجب خليفة الله في الأرض، وكالمزارع يشقى، كي يسعد عياله.
وقد يكون لهذا الألم أسباب أخرى، ربما منها رؤية المجتمع الصغير الذي يدور عن ذلك المتعلم، أو المعلم فيشعره بأنه غريب، كما أورد الإنجليز في مثلهم المعبر «كيف تعرف الأفعى الزاحفة طموحات النسر المحلق» وكما قال: الصينيون في مثلهم أيضاً «كيف يعرف السنونو طموحات الإوز» فيشعر حينها الإنسان بأنه وحيد في عالم لا يعبأ به.
فأهلاً بالألم إذا كانت تصاحبه معرفة، وأهلاً بالمعرفة إن صاحبها ألم، فألمها لذة، لأنها سر اكتشافاتنا في الكون، ومكمن ارتقائنا، وعالم جميل يزيدنا تألقاً وجمالاً ورفعة وبهاء.
يقول الإمام الشافعي
ومن لم يذق ذل التعلم ساعة
تجرع ذل الجهل طول حياته
ومن فاته التعليم وقت شبابه
فكبر عليه أربعاً لوفاته

0 تعليقات:

إرسال تعليق