Ads

العنف في الشارع العربي الوجه الآخر للثورات العربية


دكتور عادل عامر
يمثل الصراع علي الحيز الاقتصادي احدي صور الصراع المهمة، لأنه يتبلور حول قيم مادية ترتبط بالسيطرة علي الموارد الاقتصادية أو الانتفاع بها. ونفترض هنا أن الحيز أو الفضاء الاقتصادي هو الحيز الذي يتسع لمدخلات ومخرجات ذات طابع اقتصادي. ومن المدخلات الأرض، ورأس المال، والعمل، والمعرفة، والتنظيم. ومن المخرجات السلع بشتي أنواعها والخدمات المختلفة. وتعبر النقود عن هذه المدخلات والمخرجات، وتجسدها بشكل رمزي. ويمثل الاستحواذ علي أي قدر من مدخلات الحيز الاقتصادي أو مخرجاته أحد الأهداف التي تحقق للفرد مستوي حياة أفضل. وإذا ترجم هذا الاستحواذ في شكل نقدي، فإن الاستحواذ علي أكبر قدر من النقود هو الطريق إلي بناء حياة أكثر استقرارا، واحتلال وضع أكثر تميزا في الحياة، والتمتع بأسلوب حياة أكثر رفاهية. ومن هنا، يمكن القول إن الاختلاف بين البشر هو اختلاف في حجم الاستحواذ علي النقود، أي في حجم الاستحواذ علي مكان أوسع في الفضاء الاقتصادي. ويختلف الأفراد في طبيعة المدخلات التي تدر عليهم النقود، ولكن الغالبية العظمي تعتمد علي العمل أو المعرفة كمدخلات في الفضاء الاقتصادي. ويدخل في نطاق أولئك الذين يعتمدون علي هذين المصدرين قطاعات كبيرة من الطبقة الوسطي وكل الطبقة العاملة. فالطبقة العاملة تعتمد أساسا علي قوة العامل الماهر أو غير الماهر. أما الطبقة الوسطي، فإنها تعتمد إما علي الأعمال الكتابية، أو الأعمال التي تتطلب معرفة مهنية كالطب، والهندسة، والتدريس، والقضاء، والعسكرية … الخ، ويحصل هؤلاء وأولئك علي أجور تمكنهم من إعادة إنتاج حياتهم وحياة أسرهم. ومن الواضح أن العديد من المجموعات المخترقة تحركت بعد الانقلاب العسكري لتوفر غطاءً عنيفا لما يريد الانقلاب العسكري تحقيقه. وتكررت الهجمات المسلحة في سيناء بصورة غير طبيعية، وتعطي انطباعا بأنها عمليات مخطط لها، وكأنها عملية تمهيد لمسرح العمليات، حتى تبدأ مرحلة نشر حالة الفزع من موجات عنف جديدة، ثم يتم استخدام العنف كمبرر للسياسات القمعية الدموية، وفي نفس الوقت يتم إلصاق العنف الحادث في سيناء، بجماعة الإخوان المسلمين، كمبرر للتصفية القمعية والدموية للجماعة. ومن المعروف أن بين جماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية الجهادية المسلحة خلاف كبير. وقد تعرضت جماعة الإخوان المسلمين لهجوم حاد ومستمر من الجماعات السلفية الجهادية، خاصة تلك المرتبطة بتنظيم القاعدة، أو شبكة القاعدة. ومن المعروف أيضا أن الجماعات المسلحة تتبنى منهج التغيير بالقوة، وتعتقد أن التغيير عن طريق الديمقراطية وصناديق الانتخابات غير ممكن. كما تعتقد الجماعات السلفية الجهادية أنه غير مسموح للإسلاميين عامة بالوصول للحكم حتى عن طريق صناديق الاقتراع. وأمام هذه الرؤية تبنت جماعة الإخوان المسلمين منهجا يقوم على التغيير السلمي المتدرج، ورأت أن العمل السياسي السلمي هو الوسيلة الوحيدة للتغيير والإصلاح. أصبحت الحركات السياسية الإسلامية السلمية تمثل خطرا تصعب مواجهته، في حين أن الجماعات الإسلامية العنيفة تمثل خطرا تمكن مواجهته والحد من تأثيره، بل وتمثل أيضا ذريعة مهمة لفرض التدخل الغربي الخارجي وقد جاء الربيع العربي، والتحول الديمقراطي، ليثبت صحة موقف جماعة الإخوان المسلمين، ويؤكد أن آليات العمل الديمقراطي، تمثل أفضل وسيلة للعمل السياسي السلمي، وتمثل أيضا أفضل وسيلة لتحقيق التغيير والإصلاح. ومع بداية التحول الديمقراطي في دول الربيع العربي، واجهت فكرة التغيير بالقوة -والتي تتبناها الجماعات السلفية الجهادية- أكبر تحد لها، حيث حقق منهج التغيير السلمي نتائج حقيقية، في حين أن منهج التغيير بالقوة استنزف المجتمعات، كما استنزف أيضا المجموعات المسلحة نفسها   أن مستخدمي العنف السياسي في مصر الآن ينتمون للفئة المعروفة بـ "المجموعات خارج السيطرة" وهي مجموعات لا تخضع لأحد ولا تتحرك إلا وفقا لحساباتها الخاصة، هذا في الوقت الذي فقدت فيه القوى السياسية المعارضة سيطرتها علي الشارع السياسي.
• التركيبة السكانية للمصريين، حيث يوجد نحو 24 مليون مصري تتراوح أعمارهم بين الـ 15 و29 عاماً وهو ما يطلق عليه "سن القتال" وهو سن يميل بطبيعته لاستخدام العنف، ومن ثم فإن احتمالات تحول أي تظاهرات أو فعاليات سياسية إلي مواجهات عنيفة تبقى مرتفعة في المجتمع المصري مقارنة بمجتمعات آخري تتميز تركيبتها السكانية بكونها أقل شباباً
• اتسام ظاهرة العنف السياسي بالديناميكية أو بالتبادلية، حيث أن إصرار كافة أطراف الصراع السياسي علي استخدام العنف في مواجهة الطرف الآخر يغذي بقاء العنف واستمراره بل وتزايده أيضاً. وأتصور أن هذا كان هدفا مقصودا، وليس مجرد نتيجة جانبية. فالمطلوب هو دفع الجماعات الإسلامية للعنف، لأن مواجهة الجماعات المسلحة مبررة. فالجماعات التي تتبنى العنف سرعان ما تفقد الحاضن الاجتماعي الذي يحميها، وسرعان ما تفقد القبول الشعبي، وبهذا تتحول إلى جماعات محدودة، إن كان من الصعب التخلص منها بالكامل، إلا أنها تكون غير قادرة على تغيير المعادلة السياسية. كما أن وجود جماعات إسلامية مسلحة وفر الذريعة للإدارة الأميركية لتشن ما أسمته الحرب على الإرهاب، كما وفر الذريعة للحكومات المتحالفة مع الغرب في المنطقة العربية والإسلامية حتى تشن حربا على ما تسميه الإرهاب، وفي نفس الوقت تعضد تحالفها مع أميركا، وتستخدم العنف كذريعة لفرض نظم حكم عسكرية. مما يعني أن تفجير موجة عنف جديدة، يخدم مصالح الانقلاب العسكري، والمصالح الغربية والأميركية في المنطقة، ويوفر الذريعة المناسبة لتأسيس نظم حكم عسكرية، وإجهاض ثورات الربيع العربي.
أحداث ما يسمى بثورات الربيع العربي استندت إلى هذه النظرية تحت شعار الثورة كما رأينا في كل البلدان العربية التي شهدت الأحداث، حيث لم نرَ ثورات سلمية وإنما رأينا حروباً ودماراً وهدماً، ورأينا أيضاً محاولات استفراد بالحكم وإلغاء معظم المؤسسات القائمة أو الاستحواذ عليها "الأخوة" "المحاصصة" نتيجة وضع قائم أشد سوءاً من الوضع السابق، ما يؤكد أن الربيع العربي لم يكن نتاج تفاعلات اجتماعية وسياسية طبيعية، وإنما كان استثماراً سياسياً وانتهازياً لحالة الغليان الاجتماعي وحالة الرقص الشعبي العفوي، الكثير من السلبيات والأخطاء القائمة والتي تم اختزالها من قبل اللاعبين السياسيين في الحاكم فقط، لذا كان الشعار "ارحل" هو الطاغي في الساحات حتى شعار " إسقاط النظام" معناه إسقاط الحاكم فقط، فشل الحاكم الجديد في اليمن ومصر وتونس في إحداث النقلة الطبيعية إلى وضع أفضل، وفشل في مد جسور الثقة مع جميع مكونات المجتمع، وأن يرسخ حالة من التعايش السلمي والقبول بالآخر لأخطاء وعيوب في مشروعه وبرامجه وتوجهاته وأفكاره الضيقة التي لا تتجاوز حدود التنظيم السياسي أو الجماعة.
الحكام الجدد في كل هذه البلدان تشابهوا في الإقصاء والاستحواذ على المؤسسات وهدم البنى القائمة، وتشابهوا في الفشل والعنف والتضليل السياسي، بل أيضاً وفي تبرير أخطائهم وتجاوزاتهم وإخفاقاتهم في إرجاع كل ذلك إلى " الدولة العميقة" كما هو في حالة مصر وإلى "بقايا النظام" كما هو في حالة اليمن.
الخصائص الاجتماعية ومستوى حضور وفاعلية مؤسسات المجتمع المدني، لعبت دوراً أساسياً في اختلاف النتائج والمآلات نسبياً من بلد إلى بلد، إلا أنها تشابهت في مسائل كثيرة وعلى وجه الخصوص انبعاث صراع الهويات والمشاريع الاجتماعية والثقافية القائمة على خلفيات مذهبية وطائفية وعرقية، والتي أصبحت ملمحاً بارزاً للأوضاع العربية في فترة ما بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي.
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

0 تعليقات:

إرسال تعليق