أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون – جامعة الأزهر
في مثل هذا اليوم من كل عام هو يوم 21 مارس يكثر السؤال عن حكم الاحتفال بعيد الأم هل هو مشروع ، أم ممنوع ؟
وقد اختلف الفقهاء في حكم الاحتفال بعيد الأم على رأيين :
الأول : يرى القائلون به حرمة الاحتفال بعيد الأم وأنه من البدع المستحدثة في الإسلام ويستدلون على قولهم بما يأتي :
1 – قوله عليه الصلاة والسلام من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " ، من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ)) وليس الاحتفال بعيد الأم من عمله صلى الله عليه وسلم ولا من عمل أصحابه رضي الله عنهم ولا من عمل سلف الأمة ، وإنما هو بدعة وتشبه بالكفار .
2 - " لتتبعن سَنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ، قالوا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : فمن " ، وفي لفظ آخر: " لتأخذن أمتي مأخذ الأمم قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، قالوا : يا رسول الله فارس والروم ؟ قال : فمن ؟ "
3 - " من تشبه بقوم فهو منهم " . وفي الاحتفال بهذا اليوم تشبه بالغرب ، والاسلام ينهى عن التشبه بغير المسلمين .
4 – قالوا أيضا : إن الأعياد التي شرعها الإسلام هي عيد الفطر وعيد الأضحى ، ومن زاد على ذلك فقد زاد على الششرع ما ليس منه .
الرأي الثاني : يرى القائلون به مشروعية الاحتفال بعيد الأم وهؤلاء يعضدون قولهم بما يأتي :
أولا – الأدلة العامة الدالة على وجوب بر الوالدين والإحسان إليهما من ذلك قوله تعالى :" وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا "
وقوله " ووصينا الإنسان بوالدية حسنا " وقوله تعالى :" واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا " وقوله " أن اشكر لي ولوالديك " فهذه الآيات بعمومها تدل دلالة واضحة على وجوب الإحسان إلى الوالدين وبرهما وشكرهما ، في عموم الأوقات والأزمان ، ومنها هذا اليوم .
ثانيا – ما روي عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ»، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ»
ثالثا - ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد أقر العرب على احتفالاتهم بذكرياتهم الوطنية وانتصاراتهم القومية، التي كانوا يَتَغَنَّوْنَ فيها بمآثر قبائلهم وأيام انتصاراتهم. فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي، صلى الله عليه وسلم، دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان بغناء يوم بُعاث، وجاء في السنة أن النبي، صلى الله عليه وسلم، زار قبر أمه السيدة آمنة وما رُؤِيَ أَكْثَرَ بَاكِيًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْم
رابعا – طفقت الشعوب والدول على الاحتفال بأيام النصر مثل انتصار أكتوبر مثلا ، وبالأعياد الوطنية ، وعيد جلوس الملك على العرش في بعض الدول العربية ، فكل هذه مناسبات اجتماعية تعارفت عليها الدولة ومن ثم فلا بأس بالاحتفال بها وما ماثلها .
خامسا - إن البدع المردودة التي قصد إليها الشارع في قوله «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» هي ما أُحدث على خلاف الشرع، أو هو البدع التي تصطدم مع نص شرعي يخالفها أما ما نحن بصدده فهو مما أمر به الشرع على مدار العام ، ومسألة تخصيص يوم معين للتعبير عن هذا الحب هي مسألة تنظيمية لا غير .
يقول د/ عبد الصبور شاهين : وإن كان البعض يعتبر أن إقامة مثل هذه الاحتفالات بدعة، لكنها بدعة حسنة، وهي لا تضيف شيئا للدين ، ولكنها تقوي الجانب الأخلاقي والسلوكي لأبناء المسلمين ، فلا بأس من الاحتفال بعيد الأم فهو دعوة لمكارم الأخلاق ، وما أحوجنا في هذه الأيام إلى توطيد الحب في قلوب الأبناء ، وإعلاء لقيمة الأمومة في المجتمع.
سادسا – إن زخم الحياة ومشاقها وما يكتنفها من معضلات تحتاج إلى ما يحرك المياه الراكدة فيها للتعبير عن الحب بين الآباء والأبناء ، في غمرة الانشغال ، والسعي وراء مطالب الحياة ، فوجود مثل هذا اليوم في الأسرة المصرية يعمل على دفء المشاعر ويزيد من روابط الحب بين الجميع وليس العكس .
الرأي الراجح : يبدو لي بعد العرض السابق لآراء الفقهاء وأدلتهم في هذه المسألة رجحان ما ذهب إليه القائلون بمشروعية الاحتفال بعيد الأم ، وتقديم الهدايا ، والتعبير عن ألوان الحب بالامهات والآباء ، فكل هذا جائز شرعا ولا غبار عليه ، ولا يوجد في الإسلام ما يمنعه ، وليس في هذا تشبه بالغرب كما قال المحرمون فليس كل تشبه بالغرب منهيا عنه ، إذ المنهي عنه هو مشابهتهم في الأمور المتعلقة بالعقيدة التي تخصهم ، أو مشابهتهم فيما يخالف نصوص الشريعة ، أما ما عدا ذلك من الأمور النافعة ، فلا بأس به فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها . كما أن البدع المحرمة هي التي تصادم نصا من نصوص الشرع ، أما ما شهد له الشرع بالاعتبار وهو البر بالآباء فلا يمكن منعه ، لأن حكمه ثابت في كل الأزمنة والأمكنة ، ولا يمكن إخراج بعض الأيام عن هذا العموم ، ومسألة تحديد يوم معين للتعبير عن هذا المظهر ، هي فكرة تنظيمية اجتماعية لا غير ، كما أننا كمسلمين سنظل على برنا لأمهاتنا وآبائنا طوال العام ، ولن ننقطع عنهم ، ولكن كل ذلك مرتبط بعدم ارتكاب ما يخالف شرع الله عز وجل في هذه الاحتفالات . ومن ثم ، فمتى كان الاحتفال بعيد الأم وفق الأطر والضوابط الشرعية فلا بأس ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
0 تعليقات:
إرسال تعليق