بقلم: وليد دياب
مستشار التحكيم الدولى والاتحاد العربى لحماية حقوق الملكية الفكرية
لعب القرد دوراً كبيرا فى المشهد السياسي الشعبي . والدليل على ذلك المثل الشعبي القائل " ارقص للقرد فى دولته " . وهذا المثل مشهور ، وقد سجله من قاموا بجمع الأمثال الشعبية فى كتبهم .
فرواه الشيخ محمد شكري فى مجمع الأمثال العامية وبوركهارت فى "الأمثال العامية المصرية " وهى أمثال جمعها شرف الدين بن أسعد واستبدل كلمة " دولته " بكلمة "زمانه " ، ورواه محمود عمر الباجورى فى "أمثال المتكلمين من عوام المصريين " ،وأحمد تيمور فى "الأمثال العامية " ،ونعوم شقير فى " أمثال العوام من مصر والسودان والشام ،وأوردته فايقة حسين راغب فى "حدائق الأمثال العامية " بصيغة " اسجد لقرد السوء فى زمانه ، وداريه ما دام فى سلطانه " وهو بيت من شعر جعفر بن شمس الخلافة (543 – 622 هـ ) الشاعر المصري .
ورغم أن المثل يدعو إلى الخنوع والإمتثال للحاكم ، ولو كان قرداً ،
و المعنى واضح ، أي أنه إذا أصبح للقرد وزن و اعتبار ، أو صار على رأس مملكة يتحكم فيها ، فعلينا أن نتغزل في جمال عينيه على اعتبار أنه غزال ، و علينا أن ننشد قصائد الشعر في قوته على اعتبار أنه اسد ، و علينا أن نرضى بما يرضاه ضمانا للسلامة ، و حتى تزول مملكة القرد لو شاء الله سبحانه و تعالى ، و لأننا نعيش في مملكة القرد ، فإنه بمجرد أن يصير له اعتبار و يصبح ذا مكانة حتى يكشف عن فساده و سوء سياسته .. و لأن طبيعة القرد لا تتغير ، فمنهم من يفرح عندما يقذف اليه البعض بثمار الموز أو حبات الفول السوداني ، و البعض يحب من يصفق له بايقاع المرح و الاعجاب ، و البعض يسعى وراء أي انثى لها مؤخرة حمراء ، و عليه فانهم يختارون الاسوأ دائما ليكون رفيقا و عونا لهم و شريكا ، و كلهم يتصرفون بمنطق القرود إذا صعدوا الى شجرة قضوا على ثمارها و اتلفوها .
عند القرد لا تجد شريفا و لا تجد قويا و لا تجد مفكرا أو صاحب رأي ، و من المستحيل العثور على صاحب ضمير.
و لكن الحمد لله لازال في هذه الحياة من يرفض الرقص مع القرود ، تلك النوعية من البشر الاحرار التي لا تعرف الظلم و الابتزاز ، و تحلم بمستقبل أفضل و دولة أفضل و حياة أفضل ، النخبة التي تتميز بالكبرياء و الكرامة ، النخبة التي تحتقر القرود .. تلك النخبة هي التي تُحارب ، و هي التي تُوجه لها الاتهامات و تطاردها الاكاذيب و الشائعات من القردة الدجالين خاصة ، بينما القرود في عبثهم مستمرون و منشغلون ، و في استهتارهم ماضون ، هدفهم ضرب كل كفاءة مخلصة و ضرب كل شريف
الرقص مع القرود و التصفيق لهم معناه أن الراقصين كلهم تحولوا الى قردة و حيوانات .
و لكن غاب عن الراقصين مع القرود ، أن الله سبحانه و تعالى خلق القرد و لم يستر عورته فصار مفضوحا للجميع ، و ذلك لحكمة لا يعلمها الا الله ، و أصبح مسخة و مسخرة بأمره تعالى .
و كل القرود أينما وجدوا ، يعلمون علم اليقين في قراراتهم ، أن أفعالهم مفضوحة ، و أكثر من ذلك ، يعرفون أن شرفاء هذا المكان ، يعرفون عنهم كل شيء ، و أن بقاءهم مرهون بوجود القردة الراقصة معهم ، و من يعجب بعبثهم ، و يعرفون أيضا أن مملكة القردة لا تدوم ، و أن نهايتهم أقفاص حدائق الحيوان أو الانقراض لا غير .
العلاقة بين القرود والشرفاء فهي تقليديا علاقة قهر و مقت و إكراه وكره، استبداد وحقد وتملأها الريبة والعداوة المتبادلة بكل التفاهم الصامت وغير الصامت .
أن هذا الوضع السياسي المنتكس ، فنكّس ديننا وأمتنا معه إلى أسفل سافلين ،ولئن استمر بنا هذا الحال ، فسوف تطمس القرود فيها كل معالم الدين ، باسم الدين ، وتقوم فيها البدع مقام السنن باسم اتباع السنة ، وتقوم شهوات النفس مقام العقل ، ودواعي الهوى مقام الرشد ، والضلال مقام الهدى ، والمنكر مقام المعروف ، والجهل مقام العلم ، والرياء مقام الإخلاص ، والباطل مقام الحق ، والكذب مقام الصدق ، والظلم مقام العدل .أن أوضاع الأمة لن تصلح في ظل هذه الأنظمة لأنها بلا ريب أداة بيد الأعداء يهدمون بها الأمّة , وأن التغيير في الأمّة لم يكن قط إلا بتضحيات من رجال ، تقتحم الطريق اقتحام الأبطال و ان كانت القرود تعتقد انها تستطيع حكم البلاد لوحدها، ووفق شروطها ورؤيتها، فهي مخطئة، لأن هناك مجتمعا مدنيا قويا لا يمكن تجاهله او القفز فوقه بمجرد جرة قلم.
مصر تحتاج الى التوافق والتعايش والاستماع الى الشعب المصري، الذي هو صاحب كل السلطات، ومن المؤسف ان هناك من يحاول تجاهل هذه الحقائق في ذروة الصراع على كرسي السلطة.
و لن يكون زماننا هذا هو زمن تتحكم فيه القرود في أقدار الشرفاء ،أو يكون لهم أدنى شأن ..و لأن مؤسسة القردة تأتي بقفزة ، فهي كذلك تنتهي بضربة .. فاحذروا هذه الضربة لأنها ستأتيكم لا محالة .. عاجلا أم آجلا ...
0 تعليقات:
إرسال تعليق