Ads

علاقة الحكم والإخوان بالقضاء


دكتور عادل عامر

أن العلاقة بين السلطتين القضائية والتنفيذية يجب أن تكون علاقة احترام متبادل لما يصب في النهاية في مصلحة الوطن. أن كثيرا من التصريحات الإعلامية زادت من حدة الموقف أكثر مما هو عليه على أرض الواقع إنه كان مطروحا في اللجنة أن يضمن في الدستور أو في قانون السلطة القضائية قانون أو نص يحظر على أعضاء السلطة القضائية التحدث إلى وسائل الإعلام، وهو ما يسمى بيمين الصمت الذي يحول دون تحدث رجال القضاء بشأن أحكام صادرة أو غيرها لوسائل الإعلام، وذلك للاحتفاظ بهيبة السلطة القضائية التي فقدت بريقها وقدسيتها أمام الناس نتيجة الدخول في السياسة والحديث مع الإعلام. على صعيد متصل أصدرت جماعة الإخوان المسلمين أمس بيانا بشأن ما سمته «إجبار النائب العام على الاستقالة»، قائلة إنها «حادثة غير مسبوقة في ساحة القضاء، حيث أجبر عدد من وكلاء ورؤساء النيابة المستشار عبد الله على الاستقالة تحت التهديد».وأضاف بيان الجماعة التي ينتمي إليها الرئيس مرسي إن «المثير للغضب والاستنكار أن يرحب بعض أعضاء نادي القضاة بهذه الجريمة (إجبار النائب العام على الاستقالة) ويطالبوا بعودة النائب العام السابق - المرفوض شعبيا - ليضعوا أنفسهم في صف أعداء الثورة وأعداء الشعب، وكذلك ترحيب بعض القنوات الفضائية التي يمتلكها أفراد من بطانة النظام السابق، ويفعل ذلك بعض الإعلاميين المتلونين الذين يهدرون كرامة المهنة وقيم الأخلاق».

 ان هذه النية ظهرت من خلال مشاريع القوانين التي تقدم بها نواب «حزب الحرية والعدالة» الحاكم في مجلس الشعب المنحل، والتي كانت تحاول النيل من المحكمة الدستورية وتقليص صلاحياتها، ومن خلال النصوص المنظمة لعمل المحكمة في الدستور المصري الجديد، الذي استبعد عن المحكمة ستة مستشارين عرف عنهم مناهضة تحركات «الإخوان» ضد المحكمة ومستشاريها. أن وثيقة الدستور أريقت على جنباتها دماء، وتم حصار المحكمة الدستورية من اجل تمريرها، إن أول عهود الاستبداد والطغيان هو الاعتداء على السلطة القضائية وهو ما حدث مع الجبالي والنيابة العامة. لا مجال للشك فيه وليس له علاقة بالسياسة، قالت المحكمة إن القانون الذي تم على أساسه الانتخابات، قانون باطل وفسرت المحكمة النص المطعون عليه وأعدمته منذ منشئه فلا مجال للشك أو التفسير، فإذا كان لدى العريان وجماعته حجة قانونية مضادة فليبرزوها أو ليصمتوا للأبد! القول بأن حكم المحكمة حكم سياسي وليس قضائياً، اتهام خطير للحكم القضائي وللقضاة لأنه يعني عدم صلاحية القضاة الذين أصدروا الحكم للبقاء على كرسي القضاء! العريان لا يكتفي بالتشكيك بالقضاء بل ينصب نفسه حكماً أعلى يقيم عمل الشيوخ السبعة للمحكمة الدستورية العليا ويدعي أنها تسرعت في الحكم! من يكون العريان ليقيم عمل شيوخه وأساتذته؟! إنه أمر مضحك وشر البلية ما يضحك! وإذا كان الرئيس المصري محمد مرسي قد اضطر للتراجع عن قراره بعودة البرلمان المنحل وعبر عن احترامه لحكم الدستورية وإشادته بقضاة مصر الشرفاء فلماذا يستمر العريان وزمرته في الطعن في القضاء؟! لماذا يستمر العريان في هجومه عليهم وتضليله للرأي العام؟! لقد وقف الشعب المصري بكافة هيئاته ومؤسساته ضد قرار رئيس الجمهورية بعودة البرلمان المنحل دفاعاً عن قضائه العادل، ورضخ الرئيس وأعلن تراجعه لكن عصام العريان ومن يدورون في فلكه لازالوا يناورون ويخادعون قائلين بأن الشعب يرفض حل البرلمان، وقد ضلوا وأضلوا، يبحثون عن مخارج لاستدامة الهيمنة الإخوانية على المجلس المنحل، يستندون إلى شذوذ من الرأي والتفسير، يطرحون فكرة حل الثلث والإبقاء على الثلثين أو فكرة الاستفتاء الشعبي على حكم المحكمة، وهي كلها مناورات مضللة ومخادعة، المحكمة الدستورية لم تتوقف في تفسيرها عند الثلث أو الثلثين حتى يكون الأمر بحاجة إلى تفسير القضاء الإداري أو المحكمة الإدارية العليا بل فسرته بما يجعل جميع المحاكم مقيدة بحكمها لا تستطيع الخروج عنها، أما الاستفتاء الشعبي على حكم القضاء فهو مخالف للقانون والدستور فضلاً عن أنه لا يوجد في التاريخ أن تم الاستفتاء على أحكام القضاء بل لو تم ذلك فإنه سيدخل الدولة والمجتمع في حالة انقسام خطر، ويبدو أنها فكرة من مبتدعات خزينة الإخوان الفكرية!

 إن هذا الهجوم الشرس من قبل الإخوان والمتعاطفين معهم من القانونيين واتهامهم للقضاء المصري بالتسييس وتشكيكهم المضحك في قضاة مصر، إنما يأتي في سياق خطة الإخوان للاستحواذ على مؤسسة القضاء بعد أن استحوذوا على مؤسستي: الرئاسة والتشريع بحجة أنه يجب إخضاع مؤسسة القضاء لإرادة الشعب، وبما أن الشعب يريد عودة البرلمان والأحكام تصدر بحكمه فيجب احترام إرادته وعودة المجلس المنحل! هكذا يدعي العريان وصحبه، ينعى العريان على نظام مبارك تسييسه للقضاء، وما يقوم به هو وجماعته هو التسييس بعينه، يتدخلون في عمل القضاء ويرفضون أحكامه ويقولون نحن نمثل الشعب ويجب أن يخضع القضاء للشعب، فماذا يكون التسييس غير هذا؟! ما دخلت السياسة أمراً إلا أفسدته لأن الغاية السياسية تبرر وسيلتها، وهو الهدف الذي يسعى الإخوان لتحقيقه، يريدون قضاءً في صفهم، وأحكاماً لصالحهم، وهناك للأسف فقهاء قانون جاهزون لتفسير القانون والأحكام بحسب الهوى السياسي ولم تتوقف المواجهة أمس على اتهامات الجبالي للنظام الحاكم، بل امتدت الى أزمة تعيين النائب العام طلعت عبد الله الذي عينه الرئيس مرسي مؤخرا، وإصرار أعضاء النيابة على رحيله، حيث أثار القرار المفاجئ الذي اتخذه أعضاء النيابة العامة بتعليق الإضــراب الكــلي عن العــمل في نيابات مصر، ، العــديد من التــساؤلات حول أسبابه والدوافــع التي أدت إلى تأجيل تنفيذه والاكتفاء بالتعليق الجزئي. إن أعضاء النيابة العامة اتخذوا قرارا بإرجاء تعليق العمل، بعدما أكد لهم عدد من أعضاء مجلس القضاء الأعلى برئاسة المستشار محمد ممتاز متولي أن الأزمة الراهنة في طريقها إلى الحل وأن الوقت الحالي يشهد التفاوض بشكل جدي مع المستشار طلعت عبد الله لتقديم استقالته كحل نهائي للمشكلة، وأن مجلس القضاء الأعلى باتت لديه معلومات مؤكده بأن المستشار طلعت عبد الله يرغب في تقديم استقالته، لكنه غير راض عمّا سماه «سياسة لي الذراع» التي يستخدمها أعضاء النيابة العامة معه حيال تلك الأزمة. أنه من الصعب على النائب العام الاستمرار في المنصب بينما يرفض أعضاء النيابة التعاون معه، لا سيما أن العمل في النيابة العامة يعتمد على أعضائها بشكل كلي، واستمرارهم في رفض التعامل معه يعني توقف العمل بشكل تام. لكن على الجانب الآخر، قال عدد من أعضاء النيابة العامة انهم تعرضوا لضغوط بهدف إجبارهم على عدم تنفيذ الخطوات التصعيدية التي توافقوا عليها خلال جمعيتهم العمومية الطارئة ، والتي تعتبر أشد خطوات التصعيد، حيث رفعوا من خلالها سقف تصعيدهم بشكل يثير قلق المستشار طلعت عبد الله، بعدما اتهموا المجلس الأعلى للقضاء بالتخلي عنهم والوقوف في صف وزير العدل. الضغوط التي يتحدث عنها وكلاء النيابة كانت قد ظهرت في بداية الأزمة، حيث اشتكى البعض من تأخر رواتبهم، وتهديدهم بالنقل إلى أماكن نائية، والتلويح بالاستعانة بالموظفين لتسيير العمل في حال إصرارهم على مواصلة الإضراب عن العمل.

 بعودة القضاة من جديد إلى واجهة المعارضة، وفي ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعانيها البلاد، تجد السلطة نفسها في خندق ضيق أمام جبهة معارضة تتسع يوما بعد يوم وتتضامن معها شرائح كبيرة من المجتمع.





--
كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام
ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية
 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية
-->

0 تعليقات:

إرسال تعليق