كتب/ عبدالحميد شومان
إن إعادة صياغة الدستور كان هدفاً لتغيير القوانيين التي توفر ما سعت إليه الثورة من أهداف ملحة للمصريين، في مقدمتها حياة كريمة وعدالة اجتماعية، فالانتهاء من الدستور مرحلة، يليها مرحلة أصعب بكثير، هي تفعيل وتطبيق نصوص الدستور على أرض الواقع، فكان لدينا قوانيين كثيرة قبل الثورة، كان بإمكانها أن تحقق معدلات أفضل بكثير من الواقع المرير الذي تركه نظام مبارك، إلا أن الفساد الإداري وسيطرة نفوذ رجال الأعمال، والاستعانة بأهل الثقة حبس تلك القوانين لخدمة النظام والمستفيدين من حوله، يجب أن نستحضر الماضي القريب ونسعى إلى تغييره للأفضل، وإذا كانت نتيجة الاستفتاء على الدستور في حدود 65%، فهذا يعنى أن ثلث المصريين لم يوافقوا على ما يتضمنه الدستور، كما أن هناك جزءاً كبيرا ممن وافقوا على الدستور، لم يوافقوا عليه برضاء كامل، لكن فضلوا الخروج من الحالة السياسية المرتكبة وغير الواضحة، على أمل أن تتحسن الظروف الحياتية لهم.
إن إعادة تشكيل الحكومة إذا قرر الرئيس تغييرها، يجب الأخذ في الحسبان ما هو عاجل وضروري، ولا ينتظر الانتظار لحين الانتهاء من انتخابات البرلمان، لدينا مشكلات جمة فيما يخص محاربة الفساد، وتطبيق عدالة الأجور، والانتهاء من تثبيت المؤقتين بالدولة، وتوفير متطلبات الحياة اليومية للمواطنين من بوتاجاز، وخبز، ومواصلات، وغيرها، كلها أموراً عاجلة، يجب أن تتزامن مع التغييرات في القيادات، فتلك كانت ضمن ما وعد به الرئيس، وما ينتظره المصريون.
إلا إني سأركز على أمرين في غاية الأهمية، يرتبطان بالفساد بشكل مباشر، أولهما: هيئة مكافحة الفساد المنصوص عليها بالدستور، أول ما يجب تفعيله بشكل عاجل.. حيث تصدر منظمة الشفافية كل عام مؤشر مدركات الفساد وقد صدر هذا العام للمرة الـ17 على التوالي، ويقيس هذا العام 176 دولة حول العالم، وذلك بناء على مدركات الفساد لدى القطاع الحكومية في الدول، وهذا العام للأسف فإن ترتيب مصر يتدنى على مؤشر مدركات الفساد العالمي من 112 عالميا عام 2011 إلى 118 في عام 2012، وأيضا تدنى في الترتيب العربي من 11 إلى 12، وهو ما يعني ازدياد حجم الفساد في مصر من العام الماضي إلى العام الحالي، وهو الأمر الذي يدعو الحكومة إلى مراجعة سياسات مكافحة الفساد بشكل جاد والبحث عن طرق بديلة لمنعه، ونحن من جانبنا ندعو الحكومة إلى اتخاذ التدابير الوقائية الواردة في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي وقعت عليها مصر منذ عام 2005.
ثانيهما: وزارة الزراعة هي المسؤولة مباشرة عن ما تنتجه مصر من سلع زراعية وفقاً لسياسيات زراعية قومية، بما يتناسب مع الموارد الزراعية المتاحة وتوظيفها بشكل أمثل للحد من تقليل اعتماد مصر على الخارج في سد احتياجاتها من المنتجات الزراعية الضرورية والتي لا يمكن الاستغناء عنها، بالإضافة إلى دورها الرقابي في دخول ما يتعلق من بذور ومبيدات ومستلزمات إنتاج زراعية، وتعتبر وزارة الزراعة من الوزارات الأكثر فساداً في ظل النظام السابق، فقد أمهلت الأراضي الزراعية وتم تجريفها وتوبيرها وعدم صيانتها، واستغلال سيء للموارد المائية، واستخدام مبيدات لا تتفق مع الشروط الدولية لمنظمة الأغذية والزراعية "الفاو"، وتراجع شديد في دور البحوث الزراعية، وإهمال مفرط في العناية بالباحث الزراعي والمهندس الزراعي، كل ذلك انعكس على فساد ما نأكله، مما أصاب المصريين بكثير من الأمراض وخاصة السرطانات، والعقم، والفشل الكلوي، والعديد من الأمراض التي لا يظهر أعراضها إلا في السن المتأخرة، والحديث عن فساد وزارة الزراعة يحتاج لآلاف الأوراق، ولا يخفى عن الكثيرين، فالواقع يحكم عليها، وبصمات الفساد تطال كل مؤسساتها وهيئاتها البحثية، من الجمعية الزراعية وصولا إلى المعاهد البحثية.
مع كل ذلك، وبعد الثورة، لم تصل أيدي التغيير لتلك الوزارة، فلا يزال تنتهج نفس الخطط والبرامج الزراعية التي كانت تتبع منذ يوسف والي، وهذا يحتاج لضرورة إعادة النظر وبشكل جزري، في هيكل الوزارة وتغيير المسؤولين الحاليين، والاستعانة بالشباب الأكفاء، خاصة أن هناك الآلاف من الباحثين الزراعيين والعلماء في المجال الزراعي، والذين لم يتاح لهم الفرصة في تطبيق أفكارهم الحديثة العلمية، مما قد يحقق طفرة بحثية وإدارية بالوزارة، كما لم يفوتني أن أذكر أن الوزارة لا تزال تقوم بتعيين أفرداً بالمحسوبية وتضع إعلانات توظيف بما يوافق بعض الأفراد، وأنا أطالب رئاسة الجمهورية في التحقيق فيمن تم تعيينهم في الوزارة منذ الثورة وحتى الآن، ومراجعة الشروط التي تم وضعها، والأسماء التي تم توظيفها بالوزارة، فهل خرجت الوزارة عن السيطرة؟ أم أن مسؤوليها لا يخشون المحاسبة ويحتفظون لأنفسهم بكروت خضراء؟ أم أن الوزارة بعيدة عن الأضواء في ظل الأحداث السياسية، فقد ألقينا الضوء، وأرسلنا إشارات، وننتظر الاستجابة.
0 تعليقات:
إرسال تعليق