Ads

يا ولاد الحرام

سيد حربي

عاد الرجل من عمله المنهك فارتمى على أريكته و طلب من زوجته الطعام..وضعت أمامه طبقا يحتوي بعض بقايا طعام الأمس و جلست فراح هو يتناول وجبته المتواضعة في رضي..

- العيال عاملين إيه؟

سأل زوجته فأجابت بسكينة:

- زى الفل يا سي (عبده).. عملوا الواجب و ناموا..

هز (عبده) رأسه في رضي ثم أشار إليها ففتحت التلفاز فراح يتابعه وهو يكمل وجبته.. كان مقدم أحد برامج التوك شو يوجه حديثه إلى أحد ضيوفه من الصحفيين الذين لا يغيبون عن الشاشات أبدا..

- ألا تتفق معي أن المواطن المصري قد ظلم كثيرا قبل و بعد الثورة؟

أثارت العبارة انتباه (عبده) فرفع رأسه ليشاهد الضيف يرسم على وجهه علامات الأسى و التعاطف وهو يجيب:

- اتفق معك بالتأكيد بل و أتسائل في دهشة.. كيف يستطيع العامل المصري الغلبان مواجهة غلاء المعيشة الفاحش هذه الأيام؟

بدت العبارة واقعية بالفعل فهز (عبده) رأسه مؤمنا ، قبل أن يغمغم وهو يبتسم لزوجته:

- الحمد لله على كل حال.. ربنا يعديها على خير..

أسرع المحاور يسأل ضيفه في لهجة خاصة:

- و لكن دعتي أسألك.. هل تتحمل حكومة تسيير الأعمال هذه المسئولية أم يتحملها النظام السابق وحده؟

عاد (عبده) لاستكمال وجبته ، بينما أتاه صوت الضيف وهو يجيب باستنكار:

- كفانا بقى اسطوانة النظام السابق دي.. ماذا فعلت الحكومة الجديدة للمواطن المصري منذ شهرين كاملين؟ العامل المصري يعمل في أسوأ الظروف منذ عشرات السنين بلا مقابل يذكر.. كيف لا يستطيع رئيس الوزراء وضع حد أقصى و أدنى للأجور بدعوى الحالة الاقتصادية..  مصر اقتصادها بخير يا سادة و..

أثارت العبارات بعضا من الضيق في صدر (عبده) و ذكرته بظروفه السيئة فرفع رأسه مرة أخرى و هو يزيح طبق الطعام جانبا:

- الحمد لله.. حضري لنا كوباية شاي. قامت زوجته لتعد له الشاي بينما أتاه صوت المحاور مقاطعا:

- نحن نسمع عذر الحالة الاقتصادية قبل و بعد الثورة.. و كأن الثورة لم تفعل أي شئ.. و كأن الحالة الاقتصادية لا يجب أن يشعر بآثارها إلا المواطن البسيط فقط دون غيره.

- بالضبط.. ففي المصنع الواحد ترى مديرا واحدا يركب السيارات الفارهة بينما يركب عشرات العمال التوك توك أو يسيرون على الأقدام.

أصابت العبارة (عبده) في مقتل و كأنها تصف حالته في دقة متناهية ، و تذكر مدير المصنع الذي يعمل به و سيارته الفارهة قبل أن يعود ليهز رأسه بشده مغمغما:

- استغفر الله العظيم.. الحمد لله على نعمة الستر.

و تصاعدت لهجة الضيف من جديد بعصبية أكثر:

- يا سيدي هناك من يتقاضون مائة ألف جنية شهريا و يجلسون في المكاتب المكيفة..

اتسعت عينا (عبده) و تسارعت دقات قلبه و راح يردد بذهول:

- مائة ألف جنيه.. معقول يكون الباشمهندس (عاطف) بياخد المبلغ ده هو كمان؟!!!!!!

و أتاه صوت الضيف وهو يتابع:

- بينما العامل الغلبان يتقاضى ألف جنيه شهريا و يعمل لإثنتى عشرة ساعة يوميا.. كيف نرضى للعامل بذلك.. كيف يعيش الرجل عيشة كريمة بألف جنيه فقط شهرياً..

ارتفعت ضحكات هستيرية من (عبده) و هو يتابع الحوار مرددا:

- ألف جنيه.. ألف جنيه.. يا راااااااااااجل ده إنا مرتبي بعد الحوافز و خلافه موش بيكمل سبعمائة جنيه!!..

كان يقولها بمرارة ضاحكة و قد تبدلت مشاعره من الرضاء إلى الألم ثم السخط، و هنا تدخل المحاور:

- إذن المشكلة في الحكومة الحالية التي لا تهتم بحال العامل المصري و مشاكله..

- ليست الحكومة وحدها.. و لكن العامل المصري يظلم نفسه بنفسه بسلبيته و رضاؤه بالفتات.. لقد قمنا بثورة و ضحينا بأرواحنا من أجل هذه العامل فكيف يفرط في حقه بهذه الطريقة.. هذه لا يمنع بالطبع مسئولية الحكومة و تقصيرها ، و بعدين نرجع نولول و نقول الإضرابات و قطع الطرق بيضر اقتصادنا.. لازم نساعد الناس دي.. عيش حرية عدالة اجتماعية.

- أعزائي المشاهدين.. فاصل و نعود..

تراجع (عبده) في جلسته وراح يفكر فيما سمعه و حنقه يزداد، قبل أن يمسك هاتفه و يضغط أزراره في عصبيه:

- الو.. ايوة يا (جنيدي) .. سمعت الراجل اللي كان بيتكلم في البرنامج..

- لأ.. قال إيه..- قال بلاوي ياعم.. إحنا موش لازم نسكت.. بكرة لازم نعمل إضراب و نقطع الطريق الرئيسي اللي جنب المصنع لغاية ما مرتباتنا تتحسن..- لا ياعم .. موش ناقصين بهدلة بقى.. و بعدين ظروف البلد و..

- ظروف بلد إيه.. م الراجل قال لك مصر زى الفل.. الحكومة بتضحك علينا يا عم.. و بعدين آنت يرضيك تاخد الكام ملطوش دول و الباش مهندس (عاطف) ياخد مائة ألف جنيه في الشهر.. حرام ده ولا حلال..

- يا نهاااااار اسود.. مائة ألف جنييييييييه.. يا خي يولع المصنع ع الطريق.. بكرة إنا معاك..

و أغلق (جنيدي) المكالمة قبل أن يسرع بضرب أزرار الهاتف بعصبية وهو يغمغم:

- يا ولاذ الحرااااااااااااااام..

ثم جاءه صوت محدثه فأسرع يصرخ فيه:

- واد يا (لطفي) بكرة إضراب و قطع طريق ياد..

- ليه بس يا أسطى.. البلد موش ناقصة..

- ناقصة إيه بس.. بيقول لك (عاطف غمراوي) بياخد مائة ألف جنيه في الشهر..

- إيه.. يا ولااااااااااااااااد الحراااااااااااااااااااام.

(تمت)

0 تعليقات:

إرسال تعليق