Ads

ثورة عاشق

حسين راشد
رنين متواصل .. هذا الصوت المزعج الذي يلح عليه للاستيقاظ .. دائماً هكذا لا يعطيه فرصة لاستكمال أجمل ما يعيشه من أحلام .. دوماً يوقظه لحظة اقتراب العناق.. تباً له.. لن أجعلك سنداً لي في عملية إيقاظي ثانياً.
كان الحلم مختلفاً اليوم .. امرأة مختلفة تماماً عمن يراودن حلمه.. امرأة ذات عمقٍ تثير وجدانه أكثر ما تثير شهواته.. العناق اليوم لم يكن عناقاً مثيراً بقدر ما كان يحمل الدفء و السكينة .. ترى لماذا جاءت اليوم بحلمه!.
استعد ليوم مختلف .. لأن نظرته قد تختلف كثيراً بعد هذا الحلم .. سيبدأ رحلة البحث كما تعود عن تلك التي راودته بدفئها .. عاد الرنين مرة أخرى ليكسر شروده, 
دعني أيها المزعج أكمل حالة واحدة في منامي .. أشعر كأنك صوت ضميري الذي ينبهني أني أقع في الخطأ.
ظل طوال يوم عمله يبحث عن تلك العيون التي جاءته و عن تلك السيدة المختلفة عن من شاهدهن في مناماته السابقة.
أصر اليوم أن يثور على كل مفردات حياته .. سأغير كل خططي في الحياة .. لن أركب المترو .. لن أركب المصعد الكهربائي .. لن .. ولن .. ولن.
ولكن ما الداعي لكل هذا؟!.
ربما لو غيرت طريقي سأجدها .. ربما أجد ما يؤنس وحدتي بعد كل هذه الأحلام ..
شابات المترو لا يلتفتن لي .. و كذلك السيدات .. حتى المصعد كلما ركبته انسحبت منه أي امرأة .
حتى زميلاتي القديمات في الكلية .. كلهن تزوجن و انجبن و منهن من زوجت بناتهن.
لم أنظر في مرآتي منذ كثير جداً !
لم يشعر بالوقت .. حتى وجد نفسه أمام مدرسته الابتدائية .. تغير شكلها كثيراً .. الأطفال ينتظرون أهاليهم , و البعض يسير نحو العربات .. من بعيد ظهرت شبيهة لمن كانت تراود حلمه .. نظر لها بشغف حتى وقف أمامها تماماً ..
عندما التقت العيون ابتسمت .. لم تتغير كثيراً يا ولدي .. 
استعجب الأمر .. هل تعرفينني يا سيدتي.
ملامحك قريبة .. كما انك صغيرة أيضاً .. أعتقد أننا في عمر متقارب؟!!
ابتسمت و قالت ربما .. 
كسر حديثهما طفلة صغيرة تصيح .. أمي .. أمي .. 
هرولت عليها و حملتها بحنان شبيه لما شعر به في منامه .. دقت على رأسه .. هل زرت أمك يا ولدي...
انتبه.. أمي.. لقد توفيت منذ ربع قرن .. كنت حينها صغيراً .
ضحكت .. و قالت نعم أعلم .. 
هرش رأسه .. نعم .. أنتِ.. جارتي .. كانت أمي تقول عنك أنك ابنتها التي لم تلدها.
ابتسمت .. نعم أنا .. وهي لم تفارقني أبداً و كذلك أنا أزورها بين الحين و الحين و أشعر أنها تسألني عنك ..
نزف الدموع .. شكرها .. فاستأذنته و انصرفت.. زاغت عن ناظريه.. وهو متجمد في مكانه دون أن يعلم عنها شيئاً .. عاد لشقته .. يرمي بكل ملابسه .. لن أأخذ حمامي اليوم. سأتمرد على كل شيء.. سأعود بين الناس .. سأزور أمي و أصل رحمي.. لن أعيش الحلم ثانية.. بل سأعود للحياة.
انتفض .. هرول إلى ملابسه مرة أخرى.. ارتداها ..و انصرف.
وجدها عند قبر أمه تقرأ الفاتحة و بجوارها ابنتها الصغيرة 
يا أمي .. هذا ليس قبر أبي ..
حملها و ظل يقبل فيها وهو يقرأ الفاتحة على أمه.

0 تعليقات:

إرسال تعليق