Ads

صفحات مضيئة لمواقف الصحافة المصرية



بقلم هيام محى الدين
بنهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 ؛ وقعت على عاتق الصحافة المصرية مسئولية مواجهة الاحتلال ، وساعدها رفع الرقابة على الصحف على يد حكومة النقراشي في 4/6/1945 استطاعت الصحف في هذه الفترة أن تسهم في مقاومة الاستعمار ومذاهبه ودعواته وكشف أساليبه وأن تطالب بالجلاء والحرية وأن توضح كثيرا من آثام الاحتلال ؛ فأصبحت الصحافة من المصادر الأساسية التي يعتمد عليها في كتابة التاريخ ولا جدال أن الصحافة كانت مرآة الفكر العربي ونافذته إلى المثقفين والقراء ، وصارت معارك الفكر وموضوعاته الثقافية ومفاهيمه ، ومعارك الوحدة دارت على صفحاتها ، فالصحف في مصر لها ماضيها العريق الذي يشهد لها بالكفاءة والازدهار ويسجل دورها في أوقات الشدة والأزمات وتستفز جميع طاقاتها من أجل مصلحة الوطن.
ومن أشهر الصحف التي كانت تصدر في مصر في ذلك الوقت صحف عريقة مثل " الأهرام " التي كان عمرها يناهز سبعين عاما في ذلك الوقت " مستقلة " إلى صحف كانت تتعاطف مع الاحتلال البريطاني وتمول منه مثل " المقطم " وصحف حديثة الوجود لم يمر أكثر من عام على صدروها مثل " أخبار اليوم " وصحف حزبية تنطق بلسان الأحزاب مثل الوفد والأحرار الدستورين والحزب السعدي والكتلة ومصر الفتاة وغيرها فصحف الوفد مثل " روز اليوسف " و " المصري " والبلاغ وكل هذه الصحف أسهمت بمقالاتها وكتابها وآرائها ورؤاها في مقاومة الاحتلال والرد على إدعاءاته ومع بداية عام 1946 وجهت الصحافة بألوانها سهامها إلى بريطانيا فتنبري الأهرام " مستقلة " لتنتقد الصحافة البريطانية وتحمل على التايمز التي أنكرت حقوق مصر وترد عليها فيما نسبته وتعدد ما ضحت مصر خلال الحرب مبينة كيف ينبغي أن يرد لها هذا الجميل ؛ وينقل السفير البريطاني لـ " بيفين " وزير الخارجية البريطانية ما عكفت على ذكره صحافة الوفد وحملاتها المنتظمة المعادية لبريطانيا ، التي كتبت تصف الإنجليز بأنهم مهرة في المغالطات المكشوفة ؛ واسترجعت فضائح الكتاب الأسود والعقوبات التي فرضت المرتشين والأدوار التي مر بها التحقيق مبرزة كيف تعتبر بريطانيا شريكة في هذه الجرائم وحامية لمرتكبيهـا وتستمـر الحملات الصحفيـة ويشكو " كيلرن " سفير بريطانيا لـ " لندن " منها ؛ مصورا أن ازدياد حدتها قد استفزه وجعله يفكر في الاحتجاج رسميا عليها لرئيس الوزراء المصري ووصفها بالمقالات السامة التي تحث على العنف ويرفق بتقريره مقالين نشرا في" روزاليوسف " ( مستقلة ) يحرص أحدهما على الاغتيال السياسي والثاني كتبه " صالح حرب " بعنوان ( لا تثوروا ) ويطلب فيه من المصريين مقاطعة الإنجليز مقاطعة تامة ؛ وينتشلهم من تأثير المخدر الذي سكبه المسئولون بأن بريطانيا أكبر وأوفى صديق لمصر والمصريين ويعدد الحقوق المسلوبة والكرامة المهدرة . ويطالب الإنجليز بأن يدركوا أن المصرين الذين استطاعوا أن يكونوا حلفاء أوفياء في الأيام الحرجة يمكنهم أيضا أن يتحولوا إلى أعداء ألداء ويصرح برغبته في بث الكراهية لمغتصبي الحقوق ؛ ثم يشير إلى الاستقلال المزيف والخادع وكيف أن الإنجليز يملون إرادتهم كيف شاءوا ويتحكمون في أمور وادي النيل الداخلية والخارجية.
ويواصل السفير البريطاني شكواه من " روز اليوسف " ويبين أن الشرطة قد صادرت أحد أعدادها لنشرها مقالا مثيرا للفتن تحث فيه الشباب على اتباع طرق اغتيال جنود الاحتلال إذا عجز الزعماء عن تحقيق الأماني الوطنية والخروج من ظلام الاحتلال إلى نور الاستقلال.
ولم تبال الصحافة بما سلط على رقبتها ؛ ومضت في طريقها ، وأقلقت السفير البريطاني مقالات " سلامة موسى " في صحيفة " مصر " ( قبطية مستقلة ) التي فاضت بنقد بريطانيا وتقريعها في مقال بعنوان " الإمبراطورية البريطانية " أوضح فيه النزعة السياسية للإنجليز واستغلالهم شعوب مستعمراتهم من الأفارقة والآسيويين ويستعرض موبقات ومظالم غلاة الاستعماريين ، ويعود ليرد على سياستها الحديثة في الشرق الأوسط بفرض الحصار الاقتصادي والاستيلاء على البترول وتأييد الحركات الرجعية وبث الفرقة العنصرية والدينية ودعم الاستبداد ويهاجم " إسماعيل صدقي " رئيس الوزراء الذي يساند تلك السياسات ويطالب بسحب امتيازات البترول من بريطانيا وتسليمه لأصحابه شعوب المنطقة وعاد وكتب مقالا مشابها بعنوان " الإمبراطريون " بين فيه السياسة الاستعمارية البريطانية في أفريقيا والهند ثم تناول شخصية " إيدن " وزير الخارجية البريطانية في ذلك الوقت وتأثره بسابقية في التسلط والانتهازية وتحت عنوان " تهنيد مصر " كتب مقالا عن المساعي التي تبذلها بريطانيا لتحويل مصر إلى كبرى مستعمرات التاج مثل الهند وبث الفرقة بين مسلميها وأقباطها كما بثت الفرقة بين الهندوس والمسلمين في الهند حتى تتمكن من السيطرة على البلدين وتقضي على الحركة الوطنية فيهما وتسيطر على السياسة والاقتصاد بمعاونة المستبدين المحليين في القطرين ؛ وكتب أيضا مقالا بعنوان " القلعة " عبر فيه عن الفتور والجمود الذي أصاب الجماهير المصرية في علاقتها بالإنجليز ويذكر القراء بأعمالهم المشينة في الشرق الأقصى ، وما يبذرونه في مصر ، ويبين الاستقلال المزيف.
واستمرت إثارة الصحافة للرأي العام وكشفها عن مناورات السياسة البريطانية ففجرت " أخبار اليوم " قضية العدوان البريطاني على الأرض المصرية فنشرت وثيقة تتضمن أمرا عسكريا بريطانيا ، يقضي بإطلاق النار على الجنود المصريين إذا اقتربوا من المعسكرات البريطانية ردا على قرار الحكومة المصرية التي أصدرت أمرا بمنع دخول الجنود البريطانيين وسيارات الجيش البريطاني إلى المناطق التي تم الجلاء عنها ؛ ومضت الصحافة في تصعيد الكفاح المسلح وحشد قوى المقاومة والتنويه ببطولات الفدائيين وانتصاراتهم ؛ للدرجة التي ألجأت الإنجليز في الإسماعيلية إلى طلب حماية البوليس المصري ، وتهديدهم بقتل النساء والإطفال ؛ وفرار جنودهم من مراكز القيادة مما ألجأهم إلى ترحيل فرقة " لانكشير " إلى " هونج كونج " وتأتي الصحافة بصور الإيضاح وتنشر أن صبيا في الثالثة عشرة استطاع تحطيم رأس جندي إنجليزي في بورسعيد واستولى على مدفعه ؛ وعلى الجانب الآخر تناولت فظائع القوات البريطانية مثل قتلها لرجل مسن أثناء تأديته للصلاة ، ويدحض السفير البريطاني ذلك في تقاريره لحكومته مركزا على أن الصحافة لا تسجل الحقيقة ؛ وتبعث القيادة العسكرية البريطانية لوزارة الدفاع بما يفيد تضجرها مما تنشره صحافة القاهرة اليومية التي تشجع الأعمال الفدائية ضد الإنجليز.
وقد لعبت الصحافة دورا وطنيا مهما في كثير من بلدان العالم في مقاومة الاستعمار والوقوف بوجه الطغيان والاستبداد وفي فضح المشروعات والمخططات المعادية لطموح الشعوب وتبصير الشعب بحقوقه ، فكانت الصحافة المصرية الرائدة في هذا المجال وتبعتها وسارت على نهجها الصحف في الدول المستعمرة في كل أنحاء العالم ؛ وسوف نعالج في مقالات قادمة ما قامت به الصحف المصرية في مقاومة الاحتلال.
                                 هيام محي الدين





0 تعليقات:

إرسال تعليق